د. رياض الأمير
&
يقام في الوقت الحاضر في برلين معرض كبير للفنانة الألمانية ليني ريفينشتال تضم أهم الأعمال والجوائز العديدة التي حصلت عليها بمناسبة احتفال الأوساط الفنية في العالم في الثاني والعشرين من شهر آب/أغسطس الماضي بعيد ميلادها المائة, وهي في كامل لياقتها الفكرية.
&
وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر حولها واتهامها بأنها كانت تمجد النازية وآخرون نظروا إليها كفنانة موهوبة أتاح لها النظام الهتلري الظروف الجيدة لإظهار مواهبها. وعلاقتها بالنظام النازي موضوع يختلف فيه اكثر من كاتب. فبعضهم يعتبرها فنانة بسيطة(ليست لها دراية بالسياسة) وآخرون يعتبرونها جزء من ماكنة الدعاية النازية.
&
وبعضهم يعتبرها عبقرية سينمائية والآخر لا يغفر لها شرورها لرفضها إبداء الندم عن أفلامها التي صورتها عن الرايخ الثالث. لكن ريفنشتال تبقى من أهم فناني القرن الماضي في مجال الصناعة السينمائية في العالم اجمع. ومن تأثيرها الكبير على الصناعة السينمائية تعيش هوليود على ما ابتكرته ريفينشتال في طريقة التصوير وإخراج الأفلام الدعاية أو الأفلام الوثائقية القصيرة. وحققت الفنانة التي اختارها هتلر لتكون المسئول الرسمي في ألمانيا النازية عن صناعة السينما شهرة كبيرة في فيلمها "انتصار الإرادة". وهو فلم وثائقي عن مؤتمر الحزب النازي في نورمبرج عام 1934 والذي لا يزال بنظر إليه نقاد الفن على اعتباره أهم الأفلام في تأريخ صناعة السينما. وأهمية الفلم تكمن في مجال التقطيع ومواكبة الموسيقى التصويرية وحشد الجماهير في حركة منظمة نقلتها الكاميرا. وفيلمها الثاني "أولمبيا" لا زال يعتبر من اهم الافلام الوثائقية وهو عن دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في برلين عام1936.
وفي تسعينات عمرها منحها رئيس اللجنة الأولمبية الدولية سامراش المدالية الذهبية عنه. وأعيد عرض فلم "أولمبيا " من جديد بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1957 في مدينة هامبورغ وبريمن الألمانيتين بعد أن منح الجائزة الذهبية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية عام 1948. ولقيمة ذلك الفلم تحضر الألعاب الأولمبية في مونتريال في العام 1976 كضيفة شرف.
&
وكانت مساعدة هتلر لها في وضع إمكانية هائلة تحت تصرفها عن طريق تزويدها بجيش من الفنيين وآلات التصوير العديدة وميزانية مالية كبيرة، مما جعلها محط حسد الفنانين الآخرين من جهة وإخراج فلم ذو قيمة فنية عالية. وفي مقابل المساعدات التي قدمت لها صنعت أفلام فنية تمجد النازية وتضفي عليها طابعا مثاليا. وتنفي دائما ليني ريفنشتال أي تورط سياسي مع الحزب
النازي أو أي علاقة حب جمعتها مع هتلر. وهذا ما أكدته أيضا بمناسبة عيد ميلادها المائة وتعتبر عملها " فن غير مسيس ". ولا زال نقاد الفن السينمائي ينظرون إلى أعمالها على أساس قيمتها الفنية وليس على أساس معتقد سياسي. وقالت في إحدى المقابلات المصورة قبل عدة أشهر بأنها كفنانة كانت ستقوم بنفس العمل لو عملت مع النظام السوفيتي وقدمت حياة ستالين. وأطلقت عليها العديد من التسميات لربما أهمها التي أطلقته عليها هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" في أحد الأفلام الوثائقية عنها "المرأة ذات الأرواح الخمس" أو المؤلف الألماني رايتر روثر "حياة طريقها العبقرية ". وبعد انتهاء فترة الحكم النازي تبدأ حياة جديدة كمصورة ومن ثم تكتشف مقدرتها في الغوص وتحقق نجاحا يحسدها عليه الشباب. ففي عمر 72 تحصل على إجازة في مجاله. وتقوم بتصوير فلم عن تناسق الألوان في أعماق المحيطات عرضته محطات التلفزة بمناسبة بلوغها المائة وهو يحمل عنوان "السحر تحت الماء". وفي العام 1990 يصدر كتابها يحمل نفس الاسم الذي تقدم فيه الكثير من الصور التي التقطتها بنفسها تحت الماء. ومنذ عام 1962 بدأت حياة جديدة مع قبائل النوبة في السودان كمصورة صحفية نشرت صورها في الكثير من المجلات وكذلك أصدرت عدة كتب مصورة عن مغامراتها في تلك المنطقة من العالم.
وفي السودان تعرضت لحادث سقوط طائرة خرجت منه بكسور مختلفة وهي في الثمانين من عمرها. واعتبر اكثر من ناقد فني بان ما أصدرته من كتب مصورة عن قبائل النوبة في السودان يعتبر امتداد لعملها "أولمبيا" الذي مجد جمال الجسم الإنساني، الشباب والقوة على أساس "المثال التاريخي".
وفي كتبها نقلت صورة للقوة والنقاء ولم تقدم أي صورة للضعف الإنساني. وبدأت ليني ريفينشتال حياتها الفنية في سن الثامنة عشر من عمرها عندما دخلت مدرسة تعليم الرقص. وبعد خمسة سنوات من ذلك التأريخ أي في العام 1923 تقدم عرضا خاصا بها في قاعة "تون هالة" بميونخ الذي أثار انتباه النقاد إلى مقدرتها الفنية وحسها الموسيقي مما جلب لها شهرة واسعة تنقلها إلى مدن أوربية عديدة مثل زيورخ وبراغ انسبورك بالإضافة إلى برلين وكولونيا في ألمانيا. ومن الرقص تتحول إلى التمثيل في السينما وتمثل عدة أفلام. في العام 1932 وتخرج فلم "الضياء الأزرق" وتلعب فيه دورا البطلة. ويعتبر هذا الفلم لحد الآن مثالا رائعا في تأريخ السينما لكفاءة التصوير وواقعية التمثيل وجمال الطبيعة التي نقلتها إلى الشاشة الفضية. وفي مجال الإخراج السينمائي تحقق ما لم يحلم به الكثيرين في العالم وتعد مدرسة جديدة فيما اخترعته في مجال التصوير وبعده الفني في عالم الفن السابع. وعن مجمل أعمالها السينمائية منحها مهرجان سانت بطرس بورغ في روسيا المدالية الذهبية تثمينا لمساهمتها في صناعة السينما. والفت ريفينشتال العديد من الكتب، آخرها مذكراتها التي صدرت عام 1987. وفي نهاية تسعينات القرن الماضي يقام اكثر من معرض مكرس لحياتها وأعمالها في العديد من مدن العالم مثل طوكيو، ميلان هامبورغ وغيرها. وفي العام 1978 وبمناسبة بلوغ ليني ريفينشتال 75 عاما تنشر مجلة تايم"Time" الأمريكية على غلافها صورتها مما اعتبر حدثا مهما. وتبقى الفنانة الألمانية شاهدة حية على قرنين من الزمان،العشرين والواحد والعشرين، وهي تتمتع بكامل قواها العقلية بعد أن اجتازت حاجز المائة عام، تزوجت خلالها أربعة مرات. وبمناسبة عيد ميلادها المائة سألت هل تحب الحياة ؟ أجابت :" لا لقد تعبت وأتمنى الموت".
&
&
ثقافة إيلاف