نضال حمد
&
قبل أيام قليلة كنت بوارد الكتابة عن اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم في لبنان وكذلك عن تعامل الدولة اللبنانية معهم, من خلال تأكيد القوانين الجائرة بحقهم, تلك التي تحرمهم وتمنعهم من العمل بعشرات المهن, كما تمنعهم من التملك والوراثة. أي بصريح العبارة إذا مات الشخص الفلسطيني فأملاكه سوف تصبح ملكا للدولة اللبنانية ولا يحق لأولاده وراثته.لكنني انشغلت عن تلك القضية بقضايا أخرى أيضا هامة وكبيرة.
معروف أن القانون يمنع الأجنبي من أصل فلسطيني التملك في لبنان, بينما الأجنبي الآخر وقد يكون يهوديا يحمل جنسية أوروبية أو أمريكية, يستطيع& التملك في لبنان. حقيقة يشعر المرء بالمهانة وبالعار من هكذا قوانين معيبة تتخذ في دولة تبنت المقاومة ضد الاحتلال رسميا. نشعر أن هذه الإجراءات والقوانين ينطبق عليها المثل القائل" كلمة حق يراد بها باطل". وألا ما معنى أن تهان كرامة الإنسان الفلسطيني ويحاصر في مخيمات معزولة ومغلقة كما هو الحال في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان, حيث في بعضها لا يسمح بإدخال أي ضروريات للبناء ومواد أخرى. ثم أن أمن لبنان ليس مرهونا بالمخيمات وما فيها من معاناة, بل أمن المخيمات وضمان اللاجئ لكرامته وسلامته هو وحده الكفيل بتمسك اللاجئين بحق العودة ورفضهم التوطين أن كان في لبنان أو غير لبنان.
لا يجوز لأي جهة عربية أن تأخذ من قضية التوطين حجة لمضايقة اللاجئين الفلسطينيين وتضييق الخناق عليهم, أن مساعدتهم وضمان الحياة الكريمة لهم في مخيماتهم, من العوامل الهامة لضمان عودتهم إلى ديارهم وتمسكهم بحقهم الشرعي والقانوني في العودة. ما عدا ذلك يجعلهم غرباء في بلادهم العربية وأكثر من أجانب حين يتعلق الأمر بحقوقهم القانونية والمعيشية. مع أنهم ولدوا وكبروا وعاشوا ودرسوا وعملوا في لبنان مثلهم مثل كل مواطن لبناني, وكلنا نعرف أن لبنان يجمع عددا لا بأس به من الأقليات مثل الأرمن والأكراد وغيرهم, لكن كل هؤلاء يتمتعون بالمواطنة الكاملة, بينما الفلسطيني الذي يريد معاملة إنسانية عادلة لكي تساعده على الاستمرار والصمود والتواصل مع قضيته وحقوقه الوطنية العادلة, يواجه دائما بإصدارت وتشريعات قانونية جديدة كل فترة من الفترات, مثل القوانين التي تحرمه و تمنعه من حقوق إنسانية بسيطة.
&كيف تفسر الدولة اللبنانية رفع أقساط الجامعة للطلبة الفلسطينيين باعتبارهم غرباء وأجانب وليسوا من المواطنين, وهل الفلسطيني الذي ولد وعاش وكبر وتعلم ويسكن في لبنان منذ ولادته وحتى يومنا هذا فعلا لا يعتبر مواطن, أنها المأساة بحد ذاتها, لأن الذي يعيق حياة اللاجئ الفلسطيني ويعامله أقل من معاملة الغرباء ولا يعترف به كمواطن بانتظار عودته إلى بلاده,لا يمكن أن يكون منصفا وعادلا في تعامله, كما لا يمكنه أن يكون صادقا في تبريره لقراراته.هناك أساليب وطرق عديدة يستطيع لبنان اتباعها لتأمين عدم توطين الفلسطينيين, وهي طرق شرعية وإنسانية ممكنة, تحفظ للبنان استقلاله وسيادته ومواطنية مواطنيه, كما تحفظ للاجئ الفلسطيني حقه بالحياة والعيش بكرامة كبقية اللبنانيين, أو كبقية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والأردن وغيرها. مازال الوقت غير متأخر لتصليح تلك المسألة وتعزيز تلك العلاقة بما يخدم الأطراف كافة ويحفظ مطالب الجميع. وأملنا كبير بأن لبنان الذي استطاع تحرير جنوبه بفضل مقاومته الباسلة ووقوف الشعب اللبناني واللاجئين الفلسطينيين والأمة العربية خلفها, سوف لن يتردد في مراجعة مواقفه وقراراته التي تخص الوجود لفلسطيني في لبنان, خاصة أن هناك قسما من الفلسطينيين تم توطنيهم بقرار من الدولة, وما على الفلسطيني الذي شمله قرار التوطين سوى دفع مبلغ مليون ليرة لبنانية حتى يتحول من لاجئ فلسطيني إلى مواطن لبناني غير مطالب بالعودة إلى فلسطين وغير محارب بعمله ولقمة عيشه وأملاكه وهويته.
هذا من جهة لبنان مع الفلسطينيين, أما من جهة لبنان مع أمريكا فقد قرر اليوم وزير الإعلام اللبناني السيد غازي العريضي منع بث أشرطة دعائية مصدرها الولايات المتحدة الأـمريكية ومخططة لتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العرب والمسلمين.
كان الوزير العريضي برر منع بث البرامج لاحتوائها إشارات تمييز عنصري, وقال كذلك أن أمريكا لا يمكنها إلزام الشعوب بقيمها الأمريكية وأعتبر أن لبنان ليس المكان المناسب لحل مشاكل أمريكا. وأكد العريضي أن الأمريكيين يرفضون محاورة الآخرين ولا يقبلون الرأي الآخر, وكل ما يعارضهم يعتبرونه عدوا, وأضاف لتلزم أمريكا نفسها بحقوق الإنسان في واشنطن وغوانتانامو ولتتوقف عن اضطهاد الشعوب الأخرى ولتحارب الفساد في مؤسساتها قبل أن تعطي الآخرين دروسا في الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد.
&هذا الموقف الجريء والشجاع للدولة اللبنانية يجبر كل إنسان حر وشريف على احترامه والتعامل معه بكل كبرياء وعزة وأمانة. لأنه موقف جميل ومطلوب يعبر عما يدور في خلدنا جميعا,لأن الشارع العربي لا يريد دروسا أمريكية في الأخلاق والثقافة والحقوق والواجبات والتعلم والاستفادة وممارسة& الديمقراطية. هذه بلادنا وتلك عاداتنا وتقاليدنا, نريدها جميلة ومفيدة ومبشرة, بدون إضافات أمريكية ولا تجميلات غربية, لكم عالمكم ودنياكم وللشرق عالمه ودنياه ورؤيته للحياة. فأن كنتم عاجزون عن معرفة الحقيقة أو رافضون لتعلم الحق والبحث عن الذات في خبايا مواقفكم المنحازة, باستطاعتنا تعليمكم طرق البحث و إرشادكم للصواب ودلكم على الطريق الصحيح. عليكم أيها الأمريكان اتخاذ موقف عادل من القضية الفلسطينية ومن قضايا الصراع العربي الصهيوني, وعليكم الكف عن الكيل بمكيالين في سياستكم اتجاه العراق وفلسطين. لا يوقف الإرهاب إلا من تسبب في وجوده وصنعه, وأنتم أحد أهم أسباب الانتشار المدوي للإرهاب العالمي, لأنكم جزء هام من الإرهاب الرسمي الدولي.&&