سليمان يوسف يوسف
&
&
أنهى مؤتمر المعارضة العراقية أعماله في لندن الذي أنعقد& ما بين / 14-17/ من هذا الشهر، وقد حضره أكثر من ثلاثمائة مندوب مثلوا غالبية مجموعات وتيارات المعارضة العراقية. بدأت جلسات المؤتمر في أجواء أنخلط فيها الضباب السياسي بضباب الطبيعة في عاصمة الضباب(لندن)، حاجباً الكثير مما جرى في دهاليز الفندق الذي ألتئم فيه.هذا وقد اختلف المراقبون والمحللون السياسيون في تقيم النتائج التي توصل إليها مؤتمر(لندن)، إذ كلٍ يقيم النتائج من الزاوية التي ينظر إليها للأزمة العراقية بأبعادها وتداعياتها، وما كان ينتظره من مؤتمر(لندن) من قرارات وتوصيات تتعلق بمستقبل وصورة العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين. وهنا نسجل مجموعة من الملاحظات على هذا المؤتمر والتي يمكن لكل مراقب أن يستخلصها:
- إن الفصائل التي دعت ونظمت لهذا المؤتمر هي ست جماعات تعترف بها الولايات المتحدة الأمريكية وتمولها، ربما لأنها هي الأقوى ميدانيا على أرض العراق، لهذا فقد& استطاعت هذه الفصائل الست أن تهيمن وتفرض رأيها وإرادتها على المؤتمرين، مما دفع بالعديد من الفصائل الصغيرة والشخصيات المستقلة من المعارضة للانسحاب من المؤتمر.
- إن تمديد جلسات المؤتمر لأكثر من مرة هي إشارة واضحة على بقاء الكثير من القضايا الجوهرية عالقة ومن غير أن تحسم، مما يؤكد على عمق الخلافات وحجمها بين قوى المعارضة العراقية الرئيسية. لقد برزت الخلافات&وتمحورت حول تمثيل الفصائل المختلفة في لجنتي المتابعة والتنسيق. حتى أن السفير الأمريكي فوق العادة لدى المعارضة العراقية( زلماي خليل زادة)الذي ترأس الوفد الأمريكي للمؤتمر، هدد بأن تلجأ أمريكا إلى خيارات أخرى بما فيها تعيين حاكم عسكري على العراق بعد سقوط صدام إذا لم ينته هذا المؤتمر إلى اتفاق.
- إن الضغط الأمريكي على المؤتمرين والتلويح بالتهديد، ربما هي إشارة على قرب ساعة الصفر بالنسبة لتوقيت الضربة العسكرية الأمريكية على العراق.
- نفوذ القوى الإقليمية والدولية كان واضحاً وبارزاً في المؤتمر من خلال دعمها لقوى المعارضة التي ترتبط بها، حتى يمكن& القول عن هذا المؤتمر أنه مؤتمر لقوى (إقليمية دولية) حول العراق ممثلة بالأطراف العراقية المرتبطة بها أو بالنيابة عنها.
- الأكراد أكثر الرابحين خرجوا من هذا المؤتمر، حيث حققوا ما يريدونه وهو تعميم الصيغة(الفدرالية) وإكسابها& الشرعية& وجعلها أمراً واقعاً لا يمكن التراجع عنه.
- لم يطرأ أي تطور في موقف المعارضة من الحقوق الآشورية في& العراق، إذ مازالت معظم الأطراف العراقية تنظر للآشوريين كأقلية دينية وقومية صغيرة، يعمل الجميع على تهميشها وتغييبها ويتم التعامل معهم باعتبارهم رقماً ضعيفاً في المعادلة السياسية العراقية، متجاهلين بأنهم الرقم الأكبر في تاريخ وحضارة العراق.أن الصيغة الفدرالية بين عدة أقاليم المقترحة للعراق تجعل من الآشوريين المنتشرين على كامل أرض العراق& أقليات(دينية قومية) صغيرة مشتتة في الأقاليم الفدرالية، وفي بيئة اجتماعية عادتهم لفترات طويلة، مما يضعف موقفهم أكثر مما هو ضعيف.أن النسبة المعتمدة& في التمثيل& بقيت كما هي& 3% في لجنتي المتابعة و التنسيق،& هذه النسبة& لا تتناسب مع عددهم في العراق، فهم يشكلون القومية الثالثة من حيث العدد، خاصة& إذا أخذنا الآشوريين العراقيين الذين هجروا وهاجروا من العراق بسبب الظروف الاستثنائية فقد أصبح أكثر من نصفهم خارج وطنهم العراق.فالمؤتمر لم يبدد أو يزيل& هاجس& وقلق الآشوريين على مستقبلهم السياسي& ووجودهم القومي في العراق، لا بل أن النتائج التي توصل إليها المؤتمر عمقت هذا القلق& وزادت من مشاعر الخوف لديهم.
- جاء في الفقرة ثلاثة عشر من البيان:(الاحتكار السياسي).
((أبدى المجتمعون رفضهم القاطع لكل نزعات الاحتكار السياسي للسلطة والاستئثار غير المشروع بها سواء بالمستوى الفردي أو الحزبي أو على مستوياته القومية أو المذهبية وأكدوا على& وجوب ارتكاز الحكم على أسس من الشفافية والممارسة الدستورية))، هذا الكلام يتعارض ويتناقض مع ما جرى في المؤتمر ذاته، حيث انسحبت العديد من الأطراف والشخصيات المعارضة من المؤتمر احتجاجاً على هيمنة المجموعات الست على المؤتمر، واحتكارها& للتمثيل السياسي في لجنتي المتابعة والتنسيق.
- لقد جاء في الفقرة التاسعة عشرة من البيان الختامي للمؤتمر(التركيبة القومية لمدينة كركوك):
(( أقر المجتمعون بوجوب إعادة تصحيح التركيبة الديمغرافية لمدينة كركوك وما يحيطها والتي أخل بها النظام نتيجة الترحيل ألقسري وإغراءات الجذب المقابل وتعويض العائدين إليها من سكانها الأصليين من الكرد التركمان وغيرهم.)).لا شك أن هذه الفقرة جاءت للقفز فوق الخلاف الكبير والعميق& بين& كل من الأكراد و التركمان حول مسألة& تحديد هوية (مدينة كركوك) والتي يعتبرها تركمان العراق (قبلتهم) وقضيتهم الأولى،& والأكراد يعتبرونها( عاصمة كوردستان العراق). وهنا لا بد من أن نتساءل هل عمليات التغير الديمغرافي في العراق اقتصرت على مدينة كركوك وحدها، قطعاً لا، الكل يعلم إن معظم مناطق الشمال العراقي وجنوبه، ومن ضمنها (المناطق الآشورية) في الشمال& شملها هذا التغيير، والكثير منها الآن هو تحت السيطرة الكردية مثل( سر سنك و شقلاوا وزاخو) وغيرهما الكثير من القصبات الآشورية وقد أستغل الأكراد& سيطرتهم على المنطقة الشمالية بعد عام 1991 لاستملاك الأراضي الآشورية وتوزيعها على الأكراد، فقد أصدر برلمان الإقليم مؤخراً قراراً باستملاك معظم الأراضي التي هي اليوم بحوزة الأكراد والتي سيطروا عليها تجاوزاً بعد هجرة وتهجير ملاكيها الآشوريين بسبب حالة الفلتان وغياب السلطة والقانون في الإقليم. لهذا كان الأولى بالحكومة الكردية في الإقليم أن& تقدم& ضمانات عملية تكفل بعودة أملاك الآشوريين لأصحابها الشرعيين والتي تم التجاوز عليها في القرى التي هجروا منها قسراً.
&بناءاً على ما تقدم من الملاحظات يمكن القول أن (مؤتمر لندن) فشل في إعادة الثقة المفقودة بين جميع أطراف المعارضة العراقية، ولم يبعد العراق عن منطق التعصب الديني والقومي، وعن شبح الحرب الأهلية،ومخاطر التقسيم. قد تكون الصيغة الفدرالية المقترحة بين عدة أقاليم لدولة العراق المستقبل هي خطوة إلى& الأمام باتجاه التقسيم. لأنه ما& يخشى منه حقاً أن& تتقاتل& الميليشيات العراقية المسلحة - أو التي ستتسلح& بمجرد دخولها العراق-& على الساحة العراقية من أجل إمارات سياسية/طائفية لاقتسام السلطة والدولة لا من أجل بناء عراق الديمقراطي الحر، كما هو معلن. خاصة أن العراق منذ أن أنشئه الإنكليز& عام 1920 م لم تستطيع أنظمة الحكم الوطني، ما بعد الاستقلال أن تؤسس فيه& دولة عصرية تنعم بالاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي.فإذا استطاعت قوى المعارضة العراقية التي حضرت مؤتمر لندن الأخير، ومن لم يحضر منها أن تتحدى (لعبة الأمم) وتحافظ على استمرار دولة العراق موحدة ومستقرة في المستقبل بعد الضرب الأمريكية المحتملة والوشيكة& وإسقاط نظامه ستكون أكبر المعجزات السياسية في المنطقة، بسبب كون (دولة العراق) تقوم على كم هائل من المتناقضات العرقية والدينية والطائفية والثقافية والقومية والسياسية، بكل مقاييس التاريخ و لكل هذه الطوائف والقوميات امتدادها الديمغرافي في الدول المجاورة للعراق.
لا شك أن السيد (مسعود البرزاني) شعر بمخاوف بعض فصائل المعارضة والشرائح العراقية من تداعيات الأزمة العراقية في حال سقوط صدام حسين، لذالك أراد من خلال كلمته القصيرة في اللقاء الصحفي الذي بدأ فور انتهاء أعمال المؤتمر تبديد هذه المخاوف.، فقد دعا البرزاني إلى المصالحة والتسامح بين مختلف فئات المجتمع العراقي التي تضررت جميعها من حكم الدكتاتورية وطالب بطي صفحة الماضي ونبذ العنف ورفض الانتقام ودعا الكل للعمل من أجل خير دولة وشعب العراق.
لكن سيبقى، إلى حين، العقل السياسي الكوردي ينظر للعرب نظرة الشاعر الكوردي الذي قال:(أنتصر صلاح الدين فأصبح بطلاً عربياً&&& ماذا لو خسر لكانا جاسوساً كردياً).

&
الكاتب من&سوريا.... مهتم بمسألة الأقليات