د. جاسم كاظم العراقي
&
المتتبع لمجريات مؤتمر المعارضة في لندن وما رشح منه من اخبار وما دار حوله من مناقشات يكاد يرى بوضوح بروز ظاهرة السياسيين العراقيين المستقلين والذين يكاد ان يتجاوز عددهم عدد المنتمين للاحزاب العاملة في الساحة العراقية. وهذه ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلا والتمعن في اسبابها وانعكاساتها على مجرى الامور السياسية في عراق الحاضر والمستقبل. ولابد ان تبادر الحركات السياسية العاملة الى دراسة هذه الظاهرة باعتبارها تحمل طاقة كامنة من الامكانيات والخبرات والكفاءات التي يمكن جذبها لهذا الطرف او ذاك. لكن لابد قبل اي شيء ان نحاول دراسة اسباب هذه الظاهرة لكي يتسنى لنا تصور الحلول الممكنة لتجاوزها وتوظيفها في اتجاه البناء المستقبلي للعراق.
&
ظاهرة المستقلين....هل هي ظاهرة طبيعية؟
&
لو نظرنا الى تشكيل اي برلمان اوربي مثلا لوجدنا انها ملونة بلونين او اكثر قليلا. فالبرلمان الفرنسي يقسم في كل الظروف والاحوال الى الازرق الذي يحوي اغلب احزاب اليمين, والاحمر الذي يشمل كل احزاب اليسار. وهناك طبعا داخل اليمين من هو اكثر يمينية وبين احزاب اليسار من هو اكثر يسارية من غيره, ولكن تبقى النسبة الغالبة من اعضاء البرلمان من المنتمين الى احدى الاحزاب العاملة على الساحة الفرنسية. وفي حالة فوز احد المستقلين بمقعد برلماني, نراه سرعان ما ينضوى تحت احد المظلات الحزبية في البرلمان.
نستنتج من ذلك ان الوان الطيف المطروحة امام السياسي في فرنسا ومعظم دول اوربا الديمقراطية يوفر للسياسي مجالا رحبا يمكن ان يتموضع في احد مفاصله العاملة.
&
نظرة الى الساحة السياسية العراقية
&
قلنا اعلاه ان حرية الاختيار امام السياسي الاوربي سهلة نسبيا. ولكن ما هي حال مجالات الاختيار امام السياسي العراقي؟
لو حاولنا حصر التيارات السياسية العاملة على الساحة العراقية, رغم تعددها المعروف, فلن نجد اكثر من اربعة محاور رئيسية هي :
1. التيار الديني
2. التيار القومي
3. التيار الليبرالي
4. التيار اليساري
وهناك تلوينات مختلفة مشتقة من تيارين او أكثر أريد لها الخروج بلون ثالث يكون اكثر جذبا وجمالا. ويبدو ان عدد التنظيمات العراقية الحزبية قد تجاوز السبعين حسب الكثير من المصادر.
مما تقدم يمكننا ان نطرح الاسئلة التالية :
1. لماذا هناك فئة كبيرة من المستقلين في ظل توفر كل هذه الافكار والاتجاهات العاملة على الساحة السياسية العراقية, ومنها حركات وطنية عريقة من كل التيارات تملك تاريخا مشرفا من العمل النضالي؟
2. هل ان النقص او التقصير يقع على عاتق المستقلين انفسهم ام على الاحزاب العاملة؟
3. هل يجب احتواء المستقلين واقناعهم بالانضواء تحت المضلات الحزبية العاملة؟
4. هل يمكن للسياسي ان يلعب دورا في رسم السياسة الوطنية, إن فضل الاستمرار في العمل تحت هذا العنوان (المستقل)؟
5. هل يجب الحفاظ هل هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة صحية؟ ام انها تؤشر خللا في العمل السياسي الوطني؟
والاجابة على هذه الاسئلة هي واجب الاحزاب والمستقلين, وقد يكون من باب التسطيح الخوض في هذا الموضوع دون دراسة وتمحيص. ولكني مع ذلك احتفظ بحقي في ابداء رأيي الشخصي حيث أن ما وددت طرحه في هذه المقالة هو استفزاز التفكير في هذا الموضوع وصولا الى فهم موضوعي لهذه الظاهرة.
&
محاولة لمعرفة اسباب هذه الظاهرة
&
لو حاولنا الوقوف على الاسباب الكامنة وراء ظاهرة المستقلين في السياسة العراقية الراهنة لوجدنا انها عائدة بالدرجةالاساسية للاسباب التالية, على سبيل المثال لا الحصر :
1. غياب العمل السياسي الحر في العراق طيلة العقود الماضية.
2. عدم اتباع معظم الحركات السياسية للاساليب اليمقراطية في عملها الداخلي فتحولت جراء ذلك الى ما يشبه العشيرة. وقد ساعد على ذلك السرية المتبعة في عمل معظمها.
3. عزوف الكثير من الكوادر المثقفة عن العمل الحزبي المنظم لاسباب نفسية واجتماعية ومهنية.
وبالطبع هناك اسباب أخرى لا أدعي الالمام بها جميعا, إنما هي دعوة صادقة لفتح النقاش في هذا الموضوع.
&
من هم المستقلون؟
&
كل مراقب وعارف بالساحة العراقية, يعلم بان المستقلين في معظمهم يعتبرون شريحة من اكثر شرائح العراق ثقافة وتعلما يشملون اعدادا غفيرة من الاكاديميين والاطباء والمهندسين والضباط والكتاب والمفكرين والفنانين والمثقفين وكل شرائح المجتمع الاخرى.
&
هل المستقلون.... مستقلون فعلا؟
&
ليس المستقل خارجا عن مألوف التفكير السياسي المطروح على ساحة العمل السياسي العراقي في المرحلة الراهنة, ولكنه في واقع الامر احد المحركات الدينميكية العاملة بنشاط ومثابرة, وبمبادرة ذاتية, للاسهام في عملية التحول والتغيير الديمقراطي في العراق.
ما قد يميزه عن غيره من العالمين في الوسط السياسي العراقي هو اللا انتماء التنظيمي. لكننا لو حاولنا تصنيف الاتجاه السياسي الغالب على المستقلين لما وجدنا صعوبة في حسابها على خانة التيار الليبرالي (وهذا انطباع شخصي قد يحتمل الخطأ مادام غير مبني على بحث علمي أو احصائي). اتجاه يتميز بالنظرة العلمية للمستقبل بمنظار البناء والتطور والانفتاح لانشاء مجتمع عصري, مع احتفاظ الانسان بالثوابت الاجتماعية والدينية والمذهبية على المستوى الشخصي, وبعيدا عن الافكار السياسية المبنية على ايديولوجية قد تتناقض في بعض الاحيان مع المتوارث من العقائد. إتجاه يدعو للتسامح والمساواة والديمقراطية وتكافؤ الفرص بعيدا عن الطائفية والعنصرية, وهذا ما نحن بأمس الحاجة اليه في المرحلة الراهنة. هنا أؤشر الحاجة لاعلان المؤتمر الوطني حزبا سياسيا يظم تحت لؤاءه هذه المجاميع الغفيرة من المستقلين الراغبين في العمل المنظم تسخيرا لطاقاتهم الخلاقة في خدمة العراق.
&