يحي أبوزكريا
&
مبدئيّا أريد أن أطرح سؤالا على كل واحد منّا, كيف يا ترى يكون شكل حياتنا بدون قصيدة جميلة, وبدون كتاب مؤنس, وبدون أفكار حيّة, وبدون مسرح متألق, وبدون رواية إنسانية مؤثرة, وبدون حوار الثقافات, ستكون حياتنا عندها وبدون الثقافة حياة جافة بدون معنى ولا مغزى. والثقافة هي التي تعطى للحياة البعد الجميل وهي التي تشعرنا بجمالية الإنسان في كل أبعادة وبجمالية الكون أيضا. والعلاقة بين الإنسان والثقافة علاقة قديمة للغاية بل هي ملازمة له منذ ميلاد الإنسان الأوّل, ومنذ اللحظة الأولى للإنسان تأسسّت معادلة مفادها أنّه لا إنسانية بدون ثقافة, ولا ثقافة بدون إنسان, ولأجل ذلك كانت الثقافة هي السلاح الذي إعتمده الإنسان في تأكيد ذاته وحريته, وتأكيد أنّه خلق ليعيش حرّا. وعلى إمتداد التاريخ البشري أستخدمت الثقافة لمواجهة الظلم وإحقاق العدل, لمواجهة الديكتاتورية وإحقاق الديموقراطية والحريّة, ويؤكّد التأريخ تاريخ الإنسان مهما كان لونه وشكله ودينه وقوميته أنّ المبدعين والمثقفين هم الذين قادوا التغيير وهم الذين مهدّوا للتطورات الكبرى التي عرفها التاريخ, والفلاسفة والأنبياء والشعراء والكتّاب والروائيون ماهم إلاّ بشرا من نوع خاص. هم بشر يحملون همّا ثقافيا ويهدفون إلى تغيير حياة الإنسان نحو الأفضل. فمن أرسطو وسقراط وإلى إبن رشد ودانتون ومونتسكيو وأوغست ستراندبيري وغيرهم وقف المثقفون في وجه الديكتاتوريات, فالشاعر الجزائري مفدي زكريّا لطالما تحدّى الظلم بقصائده, ونجيب محفوظ المصري لطالما تحدّى واقعا غير مألوف برواياته, ولطالما تحدّت فيروز بصوتها في لبنان أصوات المدافع و الدبّابات, ولطالما شكلّ شعر نزار القبّاني السوري حالة نادرة من إرادة التغيير, كما أنّ قصائد محمود درويش و فدوى طوقان في فلسطين كانت مواكبة لنضال الشعب الفلسطيني. أنا لا أعتقد أن مصير البشرية سيكون مظلما, إنّ القصائد والأشعار والروايات والأفكار التي تحدّت العسكريتاريا في العالم الثالث ستتحوّل إلى منارات لأجيال الغد. وأكبر دليل على ذلك أنّ الأفكار والثقافات كانت وراء كل التغييرات الكبرى الإيجابية التي عرفها التاريخ, أمّا الحروب فقد أنتجها الساسة والعسكريون والمصابون بجنون العظمة.
وفي القارة التي جئتكم منها وبسبب الحصار المضروب على الكلمة المباشرة,و بسبب تغييب الديموقراطية أصبحت القصيدة هي الأداة التي يعبّر بها الشاعر عن هموم الناس وقد تلقفها الناس مثلما حدث مع شعر أحمد فؤاد نجم الذي غنّاه إمام عيسى. وأصبحت المسرحية الشاشة التي يرى من خلالها الناس همومهم وأتراحهم وكذلك السبيل إلى خروجهم من ظلمات الديكتاتورية وإلى أنوار الحريّة والديموقراطيّة. وقد أدرك الديكتاتوريين حقيقة الأدوار الكبرى للمبدعين والمثقفين فسجنوهم وعذبوهم وقتلوهم ودفنوهم أحياء, متناسين أنّهم بذلك يقتلون أنبل ما في الوجود وفي الوقت نفسه يرخون العنان لصيحات مدويّة تفضي إلى أكبر تغيير, ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نقول أنّ سقراط والمسيح وإبن رشد والسهروردي وغيرهم قد ماتوا, فالثقافة لا تموت قد تغيب لحظة لكن عندما تسطع أشعتها ولا أحد يستطيع أن يحجبها بعد ذلك.
وفي هذا السيّاق أقول أنّه ونظرا للتطورات التي تعرفها الساحة الدولية اليوم, يراد إقحام الثقافة في لعبة الموت, بينما الثقافة فعل حياة, وقد إنطلت اللعبة على بعض المثقفين فأرادوا تقسيم الساحة الثقافة العالمية إلى مدرستين : مدرسة حوار الحضارات ومدرسة صدام الحضارات, ولا شك أنّ مدرسة صدام الحضارات منتوج سياسي وليس ثقافيّا, ومنتوج دوائر لا تريد الخير للإنسانية, لأنّ الثقافة تدعو إلى الحب, إلى التلاقي, إلى الإحترام المتبادل, إلى التوافق على بناء الحضارة الراهنة بناءا يكرسّ إنسانية الإنسان, وفوق هذا وذاك فالثقافة مشروع سلام وحرية وأمن وأمان, والصدام سمة نائية عن الثقافة, بل الصدام مصطلح لا تعرفه الثقافة على الإطلاق.
&
ألقيت هذه الكلمة : الثقافة كسلاح نحو الديموقراطية
في مركز أولف بالمة السويدي,
بحضور وزير الهجرة السويدي يان كارلسون وذلك بمناسبة ليالي الثقافة في السويد.