نضال حمد
&
لا يختلف فلسطينيان اثنان على ضرورة الحوار الوطني الفلسطيني وأهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية, خاصة في ظل الظروف الراهنة, وواقع الحال الذي فرضته الانتفاضة وما ترتب عنها من مستجدات سياسية و عسكرية, عملية وفعلية. والسؤال المطروح الآن, هو لماذا الحوار الوطني الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة,هل لأجل تقوية موقف السلطة الفلسطينية في أزمتها الحالية, وهل السلطة الفلسطينية حريصة فعلا على تبني موقف وطني موحد مع المعارضة, وهل يوجد ما يجعل السلطة قادرة على الاتفاق مع المعارضة حول خطوط عريضة, من جملتها التأكيد على فشل عملية أوسلو السلمية وما نتج عنها من وقائع لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الخراب والدمار والفساد بكل أشكاله. ثم ما هي مطالب السلطة الفلسطينية, هل يوجد ما يمكن أن يؤسس لخطوط وطنية تكون الممكن الجامع بين السلطة والمعارضة, على أساس استمرار برنامج الانتفاضة لما فيه خير القضية, اعتقادنا أن المصلحة الوطنية تتطلب أكبر قدر من المسئولية والجدية في التعامل مع الحوار. لأن الحوار بحد ذاته ليس الأساس, بل الذي سينتج عن الحوار هو الأساس الذي سيحدد كيفية العمل مستقبلا, وكيفية إدارة الصراع مع عدو لا يرحم ولا يتردد في حرب الإبادة التي لن تنتهي إلا بانكسار أحد الطرفين, فهناك احتلال وهناك شعب تحت الاحتلال, ولا يوجد حرب بين دولتين أو جيشين نظاميين, بل يوجد حرب غير متكافئة بين شعب أعزل واحتلال متوحش فاشي.
الحوار الوطني كان دائما يسعى لموقف حد أدنى تقبل به جميع الأطراف, لكن في الماضي عندما كانت يد السلطة قوية وطليقة, بفعل الدعم والإسناد الذي حصلت عليه من قبل المجتمع الدولي والمعنيين بالصراع, بمن فيهم أمريكا وإسرائيل, لم تنادي السلطة بالحوار الوطني الجدي أو الحقيقي, بل أكثر من ذلك فقد أدارت ظهرها لكل الأصوات الوطنية التي طالبتها بحوار وطني شامل وفاعل وجاد وحقيقي. وكانت تستعمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, هذه اللجنة التي أكل عليها الدهر وشرب, حيث فيها أعضاء دخلوها بشعر أسود هم الآن بشعر أبيض. هذه اللجنة لا مبرر لوجودها سوى التصديق على التنازلات المصيرية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية, ولم تأخذ هذه اللجنة منذ عودتها إلى الوطن بقطار نرويجي سلمي يرفع علم أبيض بين علمين فلسطيني صغير وإسرائيلي كبير, سوى القرارات التي أساءت وأضرت بالمصالح الوطنية الفلسطينية.
أن التجربة الحوارية مع السلطة وممثليها لا تشجع أبدا ومع هذا نقول أنه يجب محاورة السلطة الفلسطينية من أجل شد وزرها وحثها على التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وعدم الرضوخ للابتزاز الصهيوني والضغط الأمريكي. كما أنه من المهم التأكيد على أن الحوار الحقيقي يجب أن يدعم بأفعال حقيقية, ليس ببالونات اختبار تتلاقى في مرحلة معينة مع حاجة معينة فرضتها الحالة العامة في البلاد.مثلا كيف للمعارضة أن تحاور السلطة أو فتح التي هي حزب السلطة, بينما يخرج قائد سلطوي أو فتحاوي مثل وزير أو نائب أو مسؤول مكلف بأهم ملفات القضية الفلسطينية, ملف اللاجئين أو القدس أو المفاوضات, يخرج هذا ويعلن علنا دعوته للتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وعن القدس, أو آخر يتخلى شخصيا عن حق العودة ويريد أن يتمثل به باقي الناس. ثم يأتي غيره ويقول أن الانتفاضة دمرت إنجازات أوسلو وما بنته عملية السلام. هؤلاء الذين يجب محاسبتهم على جهلهم وقيادتهم الشعب والقضية والوطن إلى الجحيم الحالي بسبب تمسكهم بمصالحهم الذاتية على حساب المصلحة العامة الوطنية, لا يمكن أن يكونوا محاورين ملتزمين بالإجماع الوطني وبالمصلحة الوحدوية الفلسطينية, هؤلاء في واد والجماهير والانتفاضة في واد آخر, فكيف يمكننا إذن الجمع بين الماء والنار في القاهرة أو رام الله. على الجهة الأخرى هناك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المحاصر في مكتبه في رام الله, نعم هو محاصر هناك لكنه مازال رئيسا للسلطة وقائدا لفتح, بيده الكثير من الأوراق الضاغطة والفاعلة من الشرعية إلى المالية, وغيرها من الأوراق التي تؤثر على الكثيرين من وزراء السلام وقادة ما بعد سلام أوسلو.
&باستطاعة عرفات أن يعطي الفصائل المعارضة بارقة أمل تجعلهم يثقون بأن حوارهم مع ممثليه سيكون مفيدا للجميع. وهذه البارقة مثلا تتمثل في إطلاق سراح أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورفاقه المعتقلين بلا أي سبب غير تلبية المطلب الأمريكي الصهيوني, الذي أصر على معاقبتهم وسجنهم لأنهم قاموا بشطب الوزير الإرهابي رحبعام زئيفي. أنه من غير المعقول أن تطلب السلطة حوارا وطنيا فلسطينيا دون& القيام بما يدعم توجهاتها ويعطي الناس إشعارا بصدقها, وألا كيف يمكن للجبهة الشعبية مثلا أن تحاور السلطة التي تسجن أمينها العام وتعتقل مناضليها لأنهم نفذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال. المنطق هو المنطق, وبعد الانتفاضة لم يعد هناك مكان بين أبناء الشعب الفلسطيني لمنطق أوسلو وأخواتها من الأتفاقيات.
من الواضح أن وفد حركة فتح والتي هي كما قلنا حزب السلطة الأكبر والأهم, سوف يتألف من كافة الأجنحة السياسية الفاعلة داخل الحركة, فهو سوف يكون بقيادة محمود عباس أبو مازن, ممثل التيار الأكثر تمسكا باتفاقيات أوسلو و المنادي بوقف الانتفاضة فورا, وهو من التيار الذي يريد تحيرم رمي الحجر كما حرم استعمال السلاح ضد الأحتلال. كما يوجد ضمن الوفد أبو ماهر غنيم الذي يعارض اتفاقيات أوسلو ويقيم في تونس مع أبو اللطف. وكذلك المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني عرفات السيد خالد سلام"محمد رشيد", بالإضافة لسمير مشهراوي وزكريا الآغا وأكرم هنية" الوحيد من الضفة الغربية".
معلوم أن جولات الحوار السابقة التي جرت في القاهرة لم تتوصل لاتفاق نهائي بين حماس وفتح حول تنظيم المقاومة وتحديد أهداف المقاومة وأن كانت وسيلة من أجل هدف أم مقاومة بلا هدف معقول. نحن نرى أن العمليات الموجهة ضد الاحتلال بما فيها العمليات الأستشهادية, تعتبر مشروعة طالما بقي جندي احتلال واحد موجود في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتستمد عمليات المقاومة بما فيها الاستشهادية شرعيتها من أعمال الاحتلال والمستوطنين الشنيعة, المخالفة لقوانين الدنيا والآخرة, ومن تصرفات الاحتلال السياسية والعسكرية العدائية.
&قبل التفكير بوقف العمليات على الجميع التوقف عند ما يسمى بالمفاوضات ومعرفة أن كان مازال هناك ما يمكن الجلوس من اجله مع الاحتلال على طاولة المفاوضات. كما أنه من المهم قبل الخوض في أي شيء جديد, ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بشكل يضمن متانته وقدرته على تخطي العوائق,والاعتراف بحساسية وشفافية الوضع وعدم اقتراف ما يعرض الوحدة الوطنية بمجالاتها الميدانية والسياسية والشعبية لانتكاسات قد تؤثر عليها سلبا.&
وجاء اليوم في وسائل الأعلام أن السيد حسين الشيخ أمين سر مرجعية حركة فتح في الضفة الغربية, أكد أن هناك" من يريد أن يوظف الحوار للاستسلام والتنازل السياسي وتركيع الشعب الفلسطيني ووقف انتفاضته ومقاومته المشروعة ضد الاحتلال". كما كان الشيخ انتقد كذلك مكان انعقاد الحوار مشيرا إلى أن " الشعب الفلسطيني لن يعود للغربة والشتات, وأن المكان الطبيعي لعقد الحوار هو مقر الرئيس عرفات المدمر في رام الله".
من الصعب علينا فهم مضمون رسالة السيد الشيخ, خاصة أنها جاءت في الوقت الضائع وبعد جولات عديدة من الحوار كانت قد جرت بين حركتي فتح وحماس في القاهرة. لا نعتقد أن وفد فتح المفاوض سوف يتصرف خارج تعليمات عرفات ألا إذا كان هناك فعلا انشقاق صامت وغير معلن في فتح. ثم أن مقر المقاطعة محاصر ومغلق ولا يتمكن من الوصول إليه أبناء رام الله أنفسهم, فكيف الحال مع قادة المعارضة الفلسطينية الذين هم على قائمة التصفية الصهيونية. كما أن هناك قيادات فتحاوية تعارض نهج أوسلو وترفض وقف الانتفاضة هي أيضا على قائمة الاستهداف ولا يمكنها الوصول إلى مقر عرفات في رام الله, مع جهلنا بوجود من هم من ذاك التيار ضمن وفد فتح للحوار, اللهم باستثناء أبو ماهر غنيم, والأخير تأثيره في تنظيم الداخل أصبح محدودا بعد سلام الشجعان الذي يعارضه منذ البدء. ولكن الذي يثير الحيرة فعلا هو خلو وفد فتح من القيادات الفتحاوية الموجودة في الضفة الغربية باستثناء اكرم هنية, ولعل هذا ما يثير قلق السيد الشيخ, إذ أن لعبة التوازنات في فتح قد تختل بوجود مثل هذا الفراغ. بالإضافة لهذا فأننا نتفق مع تخوفات السيد الشيخ, بالأخص فيما يخص الذين يريدون السير في جنازة الانتفاضة وقبر المقاومة كذلك من أجل عودة لمفاوضات عقيمة وصقيمة مع أعداء لا هم لهم سوى تسليم الفلسطينيين بأملاءاتهم وشروطهم والقبول بسلامهم الكارثي المعيب والمشين.