كامل السعدون
&
&
بدءاً لست شيعياً...ولا أنا من أهل السياسة فأطمع بركوب الموجة أملاً بمغنمٍ في قادم الأيام...ولكنها...كلمة حقً تقال والسلام!
&
طوال الأسابيع التي سبقت مؤتمر المعارضة الأخير والأيام التي تلته وستتلو، تتوالى الحملات بعالي الأصوات شفاهاً أو بأسنة الأقلام وألسنتها، عربيةٍ كانت أو أعجمية، زاعقة بفحيحٍ وحشرجة غير منضبطة الإيقاع، تحذر وتنذر وتهاجم الحضور البهي للشيعة المظلومين في صلب القضية الوطنية، وحقهم التاريخي في جني ثمار التغيير القادم، والذي لن يأتي للعلم، بإرادة "قم" أو "طهران"، ولا يخرج من كف هذا المفتي، وتلك المرجعية، بل على يد أكبر مرجعية في العولمة والديموقراطية وحقوق الإنسان، والتي لها أولاً كما هو لنا جميعاً المصلحة الكبرى في تعديل ميزان الحكم في العراق، نعني أمريكا.
فلماذا الشيعة بالذات؟
ولماذا العراق حسب؟
وها هي عشرات الممالك والجمهوريات بمئات الملايين من عربانها ومسلميها، تعيش تحت مظلة بن تيميه وبن حنبل والشافعي ومالك، (سراً أو علناً ) ولا أحد يعترض!
مؤسسات جبارةً تدير الأوقاف والأموال، وتجند القتلة وتنشر كتب الفكر الواحد والرأي الواحد، وتكفر من تكفر وتقتل من العلماء والمفكرين من تقتل وتقطع من الأكف ما تشاء قطعه، وتفصل الأرحام عن بعضها، وتفرق الزوج عن زوجته، وتزوج وتطلق وتهيمن على شؤون التربية وتسيطر على شؤون الإدارة، فتحرم أتباع الطوائف الأخرى من التوظيف في الوظائف الحساسة، وتهيمن على الأعلام وقنوات التواصل الجماهيري، وتحكم قبضتها على الفنون والعلوم، ولا من معترض!
فلماذا الشيعة بالذات.؟ وحيث هم الأغلبية؟ وحيث هم الضحايا طوال التاريخ!
وحيث هم بناة العراق الحديث، وحماته!
وحيث هم وحدهم من قدم مئات الآلاف من شبابهم، في حروب الطائفة الأخرى!
نعم الطائفة الأخرى!
رغم إن كل من حكم وأستوزر ونال وظيفة عليا وحمل شارة صداقة الحاكم...وارتدى بسطاله...وأمتشق سوطه أو سيفه ليضرب بلا رحمة أعناق الشيعة ويلسع أجسادهم بالسوط ويذيبها بالتيزاب... كان ويا للعجب يردد، نحن ضد الطائفية... نحن فوق الطائفية...نحن!
بل هي طائفية، فلا يجب أن نخجل... وكفانا كذباً!!
فلماذا.. وحين يراد للميزان أن ينتظم... يحتج الشيعة قبل السنة.... قائلين لا...للطائفية!
وكأنها وليدة ساعتها!
وكأن حزب الدعوة، أو المجلس الأعلى أو المرجعية المظلومة في النجف، هي من حكم العراق خلال الخمسين عاماً الأخيرة، وهي من زج به بحروب خارجيةٍ وداخلية قذرة، من أجل مصالحها الطائفية في الداخل أو الخارج!
لماذا نخاف من طائفية عادلةٍ معلنةٍ، ونتجاهل مصيبة الطائفية الخفية، الحيةٍ، القائمةٍ، والمتسلطة على زمام الحكم، تحركه وتديره من وراء ستار كثيفٍ من بخور العلمانية والقومية والوحدة الوطنية الزائفة!
لماذا نستمرئ الخفي في الصدور، والذي أحاله الحكام الجبناء الجهلة ووعاظهم إلى عنصريةٍ بغيضة قائمة على جهل الآخر وتسفيه قيمه وتشويه سمعته!
لماذا نخاف من طائفيةٍ منضبطة، منفتحة، حرّة، واعية، تعيد التوازن النفسي وتدعم الثقة بالذات وتشفي الصدور وتغسل القلوب من مشاعر الشك وعقد النقص والخوف والتقية!
لماذا نخاف من طائفيةٍ تشمخ بالرؤوس إلى الأعلى حيث الشمس والهواء النقي، ولا تسمو فوقها أو تنكسها إلى الأرض!
طائفيةٍ تعيد الاحترام لمراث اجتماعي، عشائري، أسري، شعوري وعاطفي، قبل أن يكون طقوس وطلاسم!
وإلا من يختلف الآن على عمر وعثمان وعلي!
إيمان شعوري وعاطفي لا غبار عليه، ولا خوف منه، وكلما ظهر إلى نور الشمس، تطهر أكثر وتجلى معدنه الثمين! وفي ظل حريةٍ فكريةٍ، يدعمها الدستور، ويحرس حقوق الطوائف فيها صوت عضو البرلمان، سيتسنى ليس للشيعي حسب، بل وللسني والصابئي والعلماني والمسيحي، أن يفخر بفكره وينعم بحرية نقد هذا الفكر وتهذيبه وتشذيبه!
&
&
إن مصيبة العراق، منذ ولادته الحديثة، وبالأخص في النصف قرن الأخير، ولحد يوم الله هذا، إنه كان محكوماً بطائفيةٍ غير معلنة، وتلك هي الطائفية في أسوأ مظاهرها!
وفي الحقيقة، فقد كانت تلك الطائفية السرية، مطية أفرادٍ متخلفين، جهلة، ومن بيئات عراقيةٍ معزولة بالكامل عن الآخر، الشيعي والمسيحي واليهودي والصابئي والعلماني... العراقي!
ولهذا فقد قمعوا كل هؤلاء، وقمعوا بالنتيجة الطائفة التي إدعّوا تمثيلها!
أفراد... وبالكثير... أسر معينة، ولا أقول طائفة...
أفراد تحولت الطائفية عندهم إلى بديلٍ عن الوطنية العراقية.... طائفيةٍ استحالت بحكم علتها الداخلية، إلى عنصريةٍ وكراهيةٍ لكل ما هو عراقي.... وبالتالي فقد سعت لرهن العراق للخارج... للقومية الأم... حيث المحيط سنياً بدوياً محافظاً.... وكأن عراقية هؤلاء، وعراقيتنا سبةٍ ومنقصةٍ ولعنةٍ وعار، يجب التطهر منه برهن العراق للآخرين !
وكانوا هم القصّر... وكان النقص فيهم... في تربيتهم... في جهلهم.... في شعورهم الذاتي بفقدان التوازن السيكولوجي... في عجزهم العقلي على استيعاب التنوع العراقي، وجمال وعدالة وصحة وطبيعية هذا التنوع العراقي!
وبوهم أن يربئوا بطائفتهم عن الغرق في المحيط الشيعي والكردي والمسيحي واليهودي والصابئي العراقي، خرجوا من فظاء العراق الرحب، إلى فضاءات ما رحمتهم وأبت استيعابهم، وأساءت استعمالهم!
وذات هؤلاء، وحين احتاجوا لملأ أكياس أحزابهم بعناصر، لجئوا إلى شيعة العراق!
وحين احتاجوا لوقود لنيران حروبهم، التفتوا إلى شيعة العراق، فأخذوا من خزينهم الهائل، ما شاءوا!
&
&
ومصيبة العراق الأخرى، إنه وقع في فخ طائفيةٍ عربيةٍ خفية...
طائفيةٍ ابتزّت أمواله وثرواته، وأجازت لنفسها التدخل في شؤونه ومقدراته، دعماً لهذا الحاكم الظالم، الطائفي، العنصري، المتخلف، الطامع بديمومة الحكم، والخائف من أغلبية شعبه، والمستهين بكرامة هذا الشعب، وحرمة ثرواته وحقوقه.. وبالتالي المتصاغر، الخانع، المتوسل لرضا ودعم هؤلاء، أخوته في العنصرية والطائفية الخفية!
وها هم العربان، والمستعربين، ومنذ عقود، يحملون حبيبهم المتخلف، الجاهل، العليل بعلة الوهم الطائفي والشعوبي، يحملونه على أكف أرق من ريش الحمام!
ويصمّون آذانهم عن عويل ثكلانا، وصرخات اليتامى ورعب أطفالنا الذين يموتون من سغب ومرض!
فلماذا طائفية الشيعة حسب، هي المكروهة البغيضة؟
أم إنهم، كتبت عليهم لعنة التيه الأزلي، كما اليهود، بعد موسى!
ولكن هؤلاء رفعت عنهم اللعنة بفعل الغرب الديموقراطي، وهو ذاته ويا للعجب، من يريد أن يعيد لشيعتنا الاعتبار، ليعتدل ميزان الثقافة العربية، وبالتالي، يعتدل ميزان الحكم، وينجو الغرب من مورثات الفكر الواحد والتفسير الواحد، والتي أنجبت بن لادن وصدام و...و!
النرويج - أوسلو