محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ
&
نظام صدام حسين في العراق بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط المؤكد كما تقول كل المؤشرات الحالية. ولا أعتقد أن أحدا، حتى أمريكا نفسها، يستطيع التنبؤ بكيفية هذا السقوط، أو حجم الثمن الذي سيدفعه العراق، ودول الجوار، والعالم، لانتقال هذا النظام من الجغرافيا الى التاريخ فالمستقبل في ظني تكتنفه الكثير من المفاجآت.
صدام، كما يدل تاريخه، شخصية مضطربة وعصابية وغير سوية، وتصرفاته لا احد يستطيع ان يتنبأ بها. كما أنه يتعامل بفردية مطلقة، وبعيدا عن أية رؤية اخرى غير ما تمليه رغباته، حتى وإن أتت هذه الرؤية من أقرب المقربين اليه. وهو، كأي حاكم مغرق في ديكتاتوريته، يكره أن يرى حوله إلا أقزاما، يديرهم تماما كما يدير لاعب الشطرنج أحجاره. فضلا عن ان هؤلاء الأقزام، أو قل أركان نظامه، لا يجرؤون البتة على إسداء أية نصيحة او مشورة صادقة له، بقدر ما يحاولون تلمس توجهات رغباته، ليواكبوها ويطبلوا لها، كما هو شأن الأقزام دائما، وكما هي طبائع المستبد دائما، لذلك فليس ثمة في النظام العراقي إلا صدام، أما البقية فمجرد أصفار ليس إلا.
ومن حسن الظن بصدام، إذا لم يكن من السذاجة، اعتبار انه ألقى بكل أوراقه جانبا، وانصاع الى توجهات الشرعية الدولية. وأهم هذه الأوراق اسلحة "الدمار الشامل"، وتحديدا الأسلحة الكيماوية والجرثومية، حتى ولو أثبتت نتائج لجان التفتيش الحالية خلو العراق منها. ففي تقديري أن شخصية كصدام، بجنونه وعناده، ونرجسيته، لابد وأن يبقي ورقة أخيرة يدافع بها عن بقائه، ولن يعدم الحيلة في اخفائها، وعندما لا يجد أنها ستحمي نظامه من السقوط، فلن يتورع عن استخدامها كانتقام من العالم، اذا وجد انه ساقط لا محالة. ولن يثنيه في تقديري عن ممارسة مثل هذا الجنون احتماليات ردود الأفعال التي يأتي في مقدمتها ضربة نووية للعراق، كما صرح بذلك الاسرائيليون، او كما لمح لذلك الأمريكيون فالشخصية الديكتاتورية، التي لا ترى إلا نفسها، لسان حالها دائما وأبدا يقول: اذا مت عطشانا فلا نزل القطر.
ويخطىء في تقديري كل من يظن ان عدم استخدام النظام العراقي للسلاح الكيماوي او الجرثومي أثناء حرب تحرير الكويت يعني عدم قدرته على استخدامها في الحرب المتوقعة على العراق. ففي الماضي كان التوجه العالمي يسعى الى تحرير الكويت، وكان اسقاط صدام ليس من أهداف الحرب مباشرة، وكان الجميع يراهنون على أن هزيمته كفيلة باسقاطه من داخل مؤسسته العسكرية لذلك كان لديه من الأمل في البقاء، وامتصاص الهزيمة، ما جعله آنذاك يحجم عن استخدامه مثل هذه الأسلحة خشية ردود الأفعال، التي ستجعل من سقوطه أمرا مستهدفا في حد ذاته. أما اليوم، فالأمر يختلف، الهدف هو اسقاط النظام، ورأس صدام هو المطلوب أولا.
لهذا تحمل سيناريوهات الحرب المتوقعة على العراق أشكالا مرعبة، منذرة باحالة المنطقة، وليس العراق فحسب، الى كتلة من الدمار الشامل لا يعلم الا الله وحده تبعاتها. والأسئلة التي يطرحها هذا السياق مؤداها : هل اخذ الامريكيون مثل هذه الاحتمالات في الحسبان، وبالتالي هل لديهم من المعلومات عن قدرات صدام التدميرية، ما يجعل مثل هذه التبعات المخيفة مستبعدة، أو محسوبة، أم أن التاريخ يصر على ان يعيد مأساة هيروشيما ونكازاكي مرة أخرى؟. وامتدادا لذلك: هل نحن نتعامل اليوم مع هذه الاحتمالات المرعبة والمخيفة "احترازيا" و"توعويا" بالشكل والمضمون والأدوات التي تتوازى مع خطورتها في حالة نشوب الحرب؟ فهل يكفي - مثلا - اطلاق صفارات الانذار فقط في الاحتراز مما قد تؤول اليه مثل هذه الاحتمالات؟ هذه هي الأسئلة التي تبحث عن اجابة وقرع طبول الحرب يقض مضاجع الجميع.