عبد الكريم حشيش
&
لم يعرف أحدنا الآخر، وربما لم أره من قبل، وكل ما هنالك أنه أخذ يرقبني وأنا أمد مبسم الشيشة إلى فمي، ولا أعرف كيف بدأ الحوار، ولا لماذا اقترب مني ليشرع أمامي أحد أبواب فكره، وعلى ما أذكر ان التلفاز المعلق في ركن علوي من المقهى كان يتحدث عن العراق وأميركا وبوش وصدام وبشار وبلير وجموع المعارضة العراقية في لندن واختلافات وتهديدات لإحدى فصائلها بالانسحاب وبعض جمل عن شارون وبوتين وعروبة عمرو موسى في رده على تهمة الكويتيين له بأنه صدامي الهوى.
في هذه الاجواء اقترب الرجل ورسم على وجهه ابتسامة مريحة ولا شيء من تلك الأخبار التي قذفها التلفاز في وجوه الحاضرين قد ازعجته أو أثرت على هدوئه وقال دون أن أسأله: نحن نشقى بأرائنا وبنظرتنا المحدودة.. ونستطيع أن نمتنع على الشقاء باتباع نظرية بسيطة: إذا كانت رغباتنا الخائبة هي سبب شقائنا، فلنقصر رغباتنا على ما نستطيع تحقيقه، وقلت في نفسي يا الله من اين خرج لي هذا الرجل ولماذا اقتحم على جلستي، وكيف عرف ما ينتابني من قلق حتى ذكر ما ذكر وكأنه جاء على الوجع، غير ان ما ادهشني حقا انه لم ينقطع عن الكلام وظل يتحدث وأنا مصغ قال الرجل: السبيل السوي في كل الاحوال هو ألا تسرف في شيء، ولا تقصر فيه بل ان تبتغي بين ذلك قواما وتابع: وإذا أردت السعادة فانصرف عنها.
وفي غمرة دهشتي مما يرد على لسان رجل تطفل على مجلسي وأخذ دون طلب مني يتحفني بمواعظه شئت ان أوقفه ولو بالسخرية من كل كلماته فقلت له: اصحى يا عم الحاج.. نحن على الأرض.. وأمامنا المستر بوش.. وصراع نحتاج فيه إلى من يمنحنا بعض أمل لكن الرجل وفيما يبدو أراد ان يقضي عليَّ بامتلاكه لهذا البرود العجيب وتلك الابتسامة الهادئة التي ظلت تلازمه دون ان يعتريها أي تغير وقال في انشراح: يجب ان نعطي الناس أملاً.. ولكنه الامل الأخير.
قلت في غيظ: وما هو الامل الاخير يا أستاذ سقراط؟!
الأمل الأخير هو أمل التخلص من الأمل؟!... فالإنسان إذ يخلص من الامل يتحرر من عدوه الألد.. أعني خيبة الأمل.
وأمام هذه الحكمة لم أجد بداً من الفرار بجلدي وما تبقى لدي من عقل وأطلقت ساقاي إلى حيث الخلاص من هذا الذي قال ضمن حواره المنفرد: الدوحة مدينتي ووطني من حيث أنا فلان ولكن العالم بأسره وطني من حيث أنا إنسان.& وللحديثة صلة