يحي أبوزكريا
&
سيتناول برنامج الإتجاه المعاكس لمقدمه الزميل الرائع فيصل القاسم في حلقته المقبلة محورا من أهم المحاور وسؤالا من أهم الأسئلة التي لازمت خطابنا الفكري والثقافي بشقيّه القومي والإسلامي والمحور هو لماذا توحدّ الإتحاد الأوروبي وتفرقنّا , ومنذ بداية القرن التاسع عشر والمستنيرون في هذه الأمة يطرحون السؤال تلو السؤال, لماذا تأخرّ المسلمون وتقدمّ غيرهم! لماذا نهضوا وقعدنا! لماذا صعدوا إلى القمر وبقينا في الأرض نتحارب فيها ويصفيّ بعضنا بعضا! لماذا يصنعون الدور ونحن نفلسفه!
آلاف الكتب والمقالات والدراسات والأطروحات التي كتبت منذ بداية القرن التاسع عشر, والسؤال باق على حاله ونحن في خضمّ الألفيّة الثالثة.
&وإعادة طرح السؤال دليل على أننّا لم نخطو قيد أنملة بإتجّاه النهضة الحقيقيّة, مادامت الإحصاءات الأخيرة في العالم العربي تسجّل تراجعا خطيرا في المشاريع التربوية والزراعيّة والإقتصادية والتنموية, والشيئ الوحيد الذي إضطرّد بقوة وتضخم بشكل ملفت للنظر هو الدين العام المترتب على عالمنا العربي والإسلامي لصناديق النقد الدولي المتفرعة عن الإدارة الأمريكية بإمتياز. ومع عجز نظمنا العربية عن تسديد الديون العامة المتنامية قد تلجأ إلى بيع الأوطان, وعندها يصبح الوطن مقابل الدين, تماما كالمعادلة الأمريكية الراهنة الدم مقابل النفط.
ومن الصعوبة بمكان حصر عوامل نكستنا في خطّ طنجة - جاكرتا وعوامل نهضتهم ووحدتهم في خطّ موسكو - واشنطن هذا الخطّ الذي باتت تمسك به الولايات المتحدة الأمريكية بذكاء شديد.
من أسباب تفرقنا ونكستنا نظمنا التي لم تكن على مستوى تطلعات الشعوب, نظمنا التي يشرف عليها الجهلاء الذين خرجوا من رحم العسكريتاريّا, وترعرعوا على فقه الصفعة بدل فقه المنفعة. تفرقنا لأنّ دولنا تحولت إلى شركات يشرف عليها الرئيس وزوجته وبنوه وأقرباؤه وأبناء خالاته وعمّاته وعشيرته, وهؤلاء إذا رسموا الإستراتيجيا إذا كانوا يعرفون معنى الإستراتيجيا فلنفع الأقليّة المتسلطة لا الأغلبيّة المستضعفة, وإذا خططوا فلكي يزدادوا ثراءا على حساب شعوبهم. تفرقنا لأنّ النهج السياسي المتبّع لا هو من وحي السماء ولا هو من وحي الأرض ولا من وحي بينهما, هو أحيانا - إشترورأسمال - أي إشتراكية الشعوب ورأسمالية الحكّام, وهو أحيانا - ديكتاتوراطية- أي المزج بين الديموقراطيّة والديكتاتوريّة.
تفرقنا لأنّ الذي حكمنا منذ عشرين سنة مازال يحكمنا برؤاه التقليدية القديمة البعيدة كل البعد عن الواقع, وهذا الذي يحكمنا إختزل العبقرية فيه, والعبقرية فيه والمعجزات فيه, وقال نفس ما قاله فرعون لشعب مصر ذات يوم كما ورد في القرآن الكريم : لا أريكم إلاّ ما أرى.
تفرقنّا لأنّ نظمنا مريضة, وإذا كان الرأس مريضا متسرطنا فماذا عساه يكون التخطيط الصادر عنه. تفرقنا لأنّ الإرادات الدوليّة التي أوصلت حكامنا إلى دوائر القرار حرضّت هذا الحاكم ضدّ الحاكم الأخر, ومن يملك معلومات وجيزة عما يدور بين هذا المسؤول الأمريكي وهذا الحاكم العربي أو ذاك يدرك إدراكا يقينيّا أنّ هناك من يحرض بإتجاه الفرقة, وبما أنّ ما تلفظه واشنطن أمر شرعي بالنسبة لحكامنّا فالفرقة هي سيدة الموقف.
تفرقنا لأنّ شعوبنا مغيبة عن صناعة القرار, فهي شعوب لا تملك أن تقرر في أي صغيرة وكبيرة, فحتى لو حرصت وزارات الإقتصاد العربية أن تطعم الشعوب العربية لحوم الحمير على أنّها لحوم الضأن لقالت شعوبنا للّه ما أحلاها لحوم الضأن.
تفرقنّا لأنّنا سحبنا الماضي على الحاضر, وأستصحبنا بتعبير علماء الفقه والأصول الموروث الماضوي على الحاضر, فكرسنّا المذهبيات والطائفيّات والجهويات, فبدل أن يكون لنا خطاب واحد بات لدينا خطابات, وبدل أن يكون لدينا إسلام واحد بات لدينا إسلامات, وبدل أن يكون لدينا رؤية واحدة باتت لدينا رؤى متعددة, فكيف بعدها نتحد ونتوافق على منهج وحدوي واحد!
أما لماذا تقدموا فذلك فصل أخر وبحث مغاير, تقدموا لأنّها تعلموا من ماضيهم, أخذوا من ماضيهم المحاسن وتركوا المساوئ, ونحن أخذنا من ماضينا المساوئ وتركنا المحاسن.
قدسوا الإنسان والحيوان على السواء وأوجدوا خططا منسجمة مع قدسيّة هذا الإنسان, ونحن قزمنّا إنساننا وتعاملنا معه على خلفية أنّه حشرة, على طريقة الفكر الصهيوني الذي يعتبر الإنسان غير اليهودي من الحوييم أي غير ذي روح يجوز قتله تماما شأنه شأن الحشرة.
آه يا فيصل إنّك تثير اللواعج دوما ولذلك سأتوقّف!