توفيق آلتونجي
&
لحظات وتدق دقات الساعة معلنة انتهاء عام 2002 وبدا عام جديد يهرع العديدون الى الروزنامة (التقويم) المعلقة على الحائط لشطب اخر يوم في السنة كعادة يومية اعتادوا على مزاولتها.. العد التنازلي اذن بدا وقلوبنا جميعا معلقة بالامل القديم الذي يتجدد كلما طغى الظلام المعمورة وبات بصيص امل بعيد كوميض الشموع في الشمعدانات التي انتشرت في شبابيك بيوت اوربا وهم يدعون بكل الكلمات الرب على اعادة النور الى المعمورة.
تتجدد مع تلك الامال محبة الاوطان وتكاد تطغي على كيان انسان المنافي المغلوب على امره. تراه يرى الامل بين حدقة عيون ابنائه او احفاده اللذين يداعبون "جدو" ويتسائلون عن كنه ذلك البياض الذي طغى على البقية الباقية من شعر راسه محدثين اياه& بلكنه غريبة بعض الشئ وبلغات الدنيا يكررون عليه ندائهم "جدو" ليمتلئ فؤاد الشيخ بكل ذلك الحنين الذي يقطع اوصاله ويفقده النوم ويجمل لياله بكوابيس " الوطن" هناك والمنفى ها هنا ....
تبقى محبة الاوطان كتلك البذرة الطيبة لا تموت وتعود الى الحياة مجددا عاما بعد عام خالدة خلود النفس الانسانية على المعمورة منغرسة في صدور البشر اينما وجدوا وتواجدوا فالبعدين الزماني والمكاني يفعل بهم كفعل النار في الهشيم تحوله الى رماد... وتلك الحسرة التي بات الحديث عنها كالحديث عن ماضي القوم يعاتبه& الاخرين لكثرة تكراره لتلك الروايه الخالده ... الوطن وذلك الالم الغريب الذي يلف شغاف قلوبهم في جوف صدورهم.
تزداد الشوق واللهفة للقاء كلما طال الانتظار متحولا الى ولع وذلك الارتفاع والانخفاض طردي مع البعد الزماني والمكاني يعود فيها المغترب بين الحين والاخر عبر مخيلته الى ربوع الطفولة وملاعب الصبا وريعان الشباب ويرى كل شئ على صورة بهية يجري عليها "الرتوش" كي يمحى كل السلبيات والمعانات والماسي والعوز وغدر الزمان والانسان.
بين كل تلك الجمهرة الكبيرة من المهاجرين يبرز العراقي في اشكاليته المعقده الذي يكون فيها "هو" الوحيد بين بني البشر الذي يقطع طريق الالام باكليل من الشوك" العاكول" كلما التقى باحد المهاجرين العائدين الى اوطانهم حين يحل يوم عيد يتحسر وهو يراقبه من بعد كيف يلف بلهفة اشيائه وامتعته من الهدايا ويصفف شعر ابنته ويقلم اظافرها ليشد الرحال متوجها صوب" الوطن". يعود مهموما الى البيت يبكي بصمت ويدعو الله بكل الكلمات في خشية وخنوع.
ياتي العام الجديد علينا في المنافي لنكبر عاما ونبتعد عاما اخر من "الام" يرفع الناس الاقداح في صحة الاخرين ونحن ندعوا بكل كلمات الكون ونرسم على صدورنا "وطنا",& نرجوا الرحمن ليعطينا الصبر لندق بابه& يوما, بعد ان انتشرنا بين القطبين في برها وبحرها نسكن اوطان المنافي بكل طيفنا البديع من صغيرنا وكبيرنا قلوبنا معلقة كحبل الوريد باوطاننا .. منا من رحل سلاما عليهم ومنا من ينتظر فسلاما عليهم هنا وهناك و"كل عام وملهمتنا في منفانا بخير".