أبو بكر القاضي
&
من يقرأ ردود الاستاذ فرح يوسف احمد على مقالي بـ الوطن بتاريخ 8/12/2002 تحت عنوان "من الخطأ ان تحدد حماس والجهاد والقاعدة مصير الأمة" وبصورة خاصة ما يتعلق بحماسه لـ "الجهاد" يعتقد ان شيخ فرح قادم لتوه من توريت او همشكوريب وليس مقيما معنا بالدوحة يتنعم مثلنا بالأمان والدعة او لا أدري من أعطاه الولاية ليصفني في ركب "غير" المؤمنين حتى يدعوني للحاق بركبه ركب المؤمنين الصادقين؟ هذا النمط من التفكير الاقصائي عرفته البشرية في تاريخها بمحاكم تفتيش الضمير للحكم على عباد الله بالكفر والإيمان تعقيبا على ردود الاستاذ فرح أفيد بالآتي: 1 ــ تنظيم "القاعدة" يشوه قضية المقاومة الفلسطينية: أ ــ ان الموضوع المحوري لمقالي السابق الذي تفضل الاستاذ فرح بالرد عليه هو حادث ممباسا بكينيا الذي تم الاعتداء فيه على فندق له صلة باسرائيل كما جرت محاولة لضرب واسقاط طائرة مدنية اسرائيلية بها 261 راكبا مدنيا وقد دارت التهمة حول تنظيم "القاعدة" وقد قلت وما زلت أكرر ان هذا الحادث هو عمل ارهابي بكل المقاييس واني أدينه انطلاقا من موقف مبدئي وقلت ان مثل هذه الأعمال الارهابية تخدم اسرائيل لانها تحسن توظيف أي عمل ضدها وقد صدق استنتاجنا وذلك عندما حملت اسرائيل ملف هذا الحادث الى المجتمع الدولي واروقة الأمم المتحدة فصدر قرار من مجلس الأمن بالاجماع تقريبا بإدانة هذا العمل باعتباره عملا ارهابيا وقد رفضت سوريا وحدها التصويت لصالح القرار ليس لانها لا توافق على ان هذا العمل ارهابي وانما لأسباب شكلية منها كون القرار ولأول مرة ذكر اسم اسرائيل "بالاسم" وقد شرحت سوريا للعالم موقفها وقالت ان اسرائيل نفسها ترتكب مثل هذه الأعمال في الأراضي المحتلة لقد تعقل الاستاذ فرح حين لم يرد منه أي دفاع عن اعمال تنظيم القاعدة ونحسب انه تبرأ من اعماله وان كان استنتاجنا هذا خاطئا فليفصح الاستاذ فرح عن رأيه ب ــ لقد أكد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ماسبق ان قلناه من ان تنظيم القاعدة إذا حاول ان يربط "جهاده" بالقضية الفلسطينية فانه سوف يسيء الى هذه القضية العادلة المعترف بها دوليا واوضاعها مسنودة بقرارات من مجلس الأمن في حين ان بن لادن وتنظيمه منبوذ من المجتمع الدولي قال الرئيس عرفات بالحرف "بن لادن يستغل قضيتنا وكفاحنا" جاء ذلك في مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز وقد طلب الرئيس عرفات من اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الكف عن استغلال القضية الفلسطينية وشهد الرئيس عرفات بان "بن لادن لم يساعدنا يوما" ج ــ ان قضية تنظيم القاعدة وبن لادن تتعلق بالوجود الأميركي في الخليج كما تتعلق بالسلطة في المملكة العربية السعودية في حين ان قضية فلسطين هي لتحرير الأراضي المحتلة ولما كانت قضية تنظيم القاعدة تفتقر الى الشرعية الدولية ومرفوضة من كل الحكام المسلمين لكونها تستهدف سلطانهم والأهم من ذلك انها تفتقر الى السند الشعبي منذ تأسيس هذا التنظيم حوالي عام 1988 وحتى 10 سبتمبر 2001 بعد هذا التاريخ وجد تنظيم القاعدة تعاطفا من رواد المساجد الذين يخضعون عادة لتأثير خطب أئمة صلاة الجمعة الذين يستغلون منابر المساجد لبث أجندتهم الخاصة والتي تتعارض مع توجهات الدولة والمصلحة العليا للبلاد وهذا التعاطف الشعبي يعود في المقام الأول الى كره الشعوب لأميركا وهذا امر يحتاج الى معالجة مستقلة متى كانت قضية فلسطين جهادا في سبيل الله؟ 1 ــ ثابت تاريخيا ان القاموس السياسي الفلسطيني يعرف "النضال" ولم يعرف "الجهاد" وان السمة العامة لمنظمة التحرير والحركات الفلسطينية الأخرى هي الطابع اليساري والقومي العلماني وهو نضال يعم المسلمين والمسيحيين بوصفهم فلسطينيين يجمعهم الوطن وليس الاسلام ويقال ان لإسرائيل يدا في تكوين حركة "حماس" ــ حركة المقاومة الاسلامية" ولو من باب غض الطرف وذلك لان اسرائيل تريد ظهور قوة اسلامية تعمل على تفتيت وحدة صف التيار اليساري العلماني يقول الاستاذ فرح "أما اسقاط خيار الجهاد والمقاومة فهذا هو سبيل الذل والهوان والاستعباد والذي تعيش فيه الأمة هذه الأيام وللأسف" لست أدري على ماذا يتأسف الاستاذ فرح؟ هل اسقط "الجهاد" أبو بكر القاضي ام ان الجهاد قد توقف منذ مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان ــ ذي النورين ــ حيث قامت الفتنة الكبرى وتحولت سيوف المسلمين الى رقاب الصحابة عليهم الرضوان من واقعة الجمل وصفين ورفعت المصاحف وكان التحكيم وخرج الخوارج ثم اعتزل واصل بن عطاء وتشيع أهل العراق وتفرقت الأمة الى مذاهب وفرق وجاءت دولة بني امية وتم توظيف المساجد لمدة سبعين عاما لذم علي كرم الله وجهه واسقطت الأمة "الشورى" وانشأ بنو أمية الجيش النظامي على الطريقة الرومانية لحماية السلطة وغزو البلدان للغنائم والثروة باختصار لم يعد هدف السلطان سواء في دولة بني امية أو العباسيين وحتى آخر خلافة عثمانية في تركيا من ارسال الجيوش هو اعلاء كلمة الله ــ للجهاد في سبيل الله ــ وانما لاهداف سلطانية حتى انهم يأخذون الجزية من سكان البلدان المفتوحة وان دخلوا في الاسلام 2 ــ يقول الشهيد سيد قطب عن الجهاد ما يلي "والجهاد في الاسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم ولا بواعثها ولا تكييفها كذلك" ويضيف قائلا ان معناه تحطيم مملكة البشر لاقامة مملكة الله في الأرض او بالتعبير القرآني "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" ص14 15 من كتاب الجهاد في سبيل الله وجاء في المحاضرة العاشرة للاستاذ محمد علي الصابوني في كتابه روائع البيان في شرح الآيات من 190 ــ 195 من سورة البقرة والتي تتعلق بمشروعية القتال في الاسلام عن لطائف التفسير ما يلي: اللطيفة الأولى: لا يذكر في القرآن الكريم لفظ "القتال" او "الجهاد" الا وهو مقرون بعبارة "سبيل الله وذلك يدل على ان الغاية من القتال غاية مقدسة نبيلة هي "إعلاء كلمة الله" لا السيطرة اوالمغنم وقد وضح هذه الغاية النبيلة قوله عليه السلام "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" من هذا التأصيل لمفهوم الجهاد الاسلامي نستخلص النتائج التالية: أولا: ان القضية الفلسطينية بهذا المعنى ليست قضية جهاد وانما هي قضية مقاومة ومن مات وهو يقاوم فهو شهيد بمعنى الحديث الذي يقول معناه ان من مات دفاعا عن أرضه او عرضه فهو شهيد ولكنه ليس شهيد جهاد لأنها قضية تحرير "فلسطين" وليس لإعلاء كلمة الله ثانيا: وعلى فرض انها قضية "جهاد" فإن الجهاد في سبيل الله أمر لا يتجزأ ولا يقتصر على فلسطين وفي هذا الخصوص يقول الشهيد سيد قطب في المرجع السابع وبذات الصفحات 14 ــ 15 ان المهزومين روحيا هم الذين يقولون ان الجهاد في الاسلام للدفاع ويقول ان الجهاد هو إعلان لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد ويقول بالحرف "ان هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده الى الله وطرد المغتصبين له الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم فيقومون منهم مقام الارباب ويقوم الناس منهم مكان العبيد" إذن ان الجهاد لن يقتصر على فلسطين بل حتى يختبىء اليهودي وراء الشجرة والحجر على حد قول الاستاذ فرح ومن ثم سيشمل الجهاد كل العالم الغربي اوروبا وأميركا بل كل حكام العرب تماما حسب برنامج أسامة بن لادن ثالثا: إذا كانت القضية الفلسطينية هي قضية جهاد بأي منطق نطلب من أميركا وأوروبا تأييد ومناصرة هذه القضية؟ ولماذا نتهم أميركا بالتحيز لاسرائيل؟ اوليس من الكياسة ان تتضامن أميركا في هذه الحالة مع اسرائيل وتعتبرها دولة تحارب نيابة عن كل المستهدفين بالجهاد الاسلامي؟ ثم اليست فكرة تحويل القضية الفلسطينية الى جهاد لحرب اسلامية مقدسة هي تأييد لفكرة الصهاينة بان الاسلام هو الخطر المحدق بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانه يتوجب السيطرة على العالم الاسلامي قبل ان يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويتحول الى شيطان مارد يصعب إعادته الى الجرة؟ رابعا: ان الحديث عن تحويل القضية الفلسطينية الى "جهاد" يقودني الى عنتريات الاستشهاديين التي يرى الاستاذ فرح انها أعادت للأمة كرامتها وفي هذا الخصوص أقول ان العمل الاستشهادي سواء في احداث 11/9/2001 او في بالي وممباسا قد أصبح كارثة على الأمة الاسلامية لانه اعطى الغرب قناعة بان المسلمين كلهم يشكلون خطرا على الحضارة الغربية لذلك جدولت أميركا حربها وفقا لقائمة اولويات وتوصلت الى قناعة بانه يتوجب اعادة صياغة الإنسان المسلم صياغة جديدة وهذا يقتضي تغيير المناهج الدراسية والسيطرة على كل أدوات المعرفة بما في ذلك المسلسلات التليفزيونية وقد شاهدنا معركةفارس بلا جواد باختصار لقد فتح "الاستشهادي" معركة غير متكافئة مع اوروبا وأميركا لم يعد لها العالم الاسلامي العدة لانها ليست قراره لذا قلنا من الخطأ ان تقرر هذه التنظيمات المتطرفة مصير الأمة ونواصل في مقال الأربعاء القادم بإذن الله ونتناول المواضيع التالية: 1 ــ المزايدة باتهامي بالهجوم على القرضاوي وعمرو موسى 2 ــ نحن معنيون بـ "الصهاينة" وعلينا تحييد يهود العالم 3 ــ نعم "حماس" قليلة التجربة السياسية وينطبق ذلك على حركات إسلامية كثيرة 4 ــ طلب إعادة النظر في جدوى الانتفاضة الثانية لا يعني التحامل على حماس 5 ــ كرامة الأمة تعود بالممارسة الديمقراطية والتسلح بالعلم والمعرفة وليس بالعنف