د. كاظم الموسوي
&
أرسلت الحكومتان الأميركية والبريطانية قواتهما العسكرية إلى الحرب على العراق، على دفعات ودون إذن من برلماناتهما، او بتواطؤ مضمر من اغلبياتهما، ولم تعد قرارات شن الحرب مخفية، فالصحافة البريطانية مثلا لأيام غير قليلة، خاصة منذ منتصف ديسمبر تنشر صورة بلير ككلب بيد بوش وتفيد بإن الأوامر صدرت بإرسال القوات العسكرية، قريبا من الحدود وداخل الأراضي العراقية، في وقت واحد، هذا إضافة إلى القصف المتواصل من الجو، بطائرات الأف 16 والتورنادوس، شاملا اهدافا عسكرية ومدنية. وقد أنزلت الطائرات البريطانية وحدها مثلا حسب جواب وزير الدفاع البريطاني للبرلمانيين اكثر من 124 طنا من القنابل على الأهداف العراقية، وخلال فترة الأشهر الاربعة الأخيرة، بين أغسطس وديسمبر، غارت الطائرات الأميركية والبريطانية 62 غارة جوية، بمعدل غارة كل يومين، دون توقف، والضحايا غير مهم معرفتهم أو التأسف لوقوعهم، فهم عراقيون، لا يهم، ولماذا يقطنون في مناطق عراقية، قررت واشنطن ولندن لوحدهما أنها مناطق حرة لهما وممنوعة على الطيران الحكومي العراقي، وانهما الحارسان لها دون أي قرار من الأمم المتحدة ومجلس حربها أو من القانون الدولي أو حتى من قوانينهما الحربية الداخلية ودساتيرهما، لقد ابتدعا لنفسهما قرارا سريا ومنذ 1991 والى اليوم يمارسان حربهما السرية هذه ضد دولة العراق، عضو الامم المتحدة وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الاسلامي، بصمت أو بتواطؤ عالمي صارخ.
ادعاء الحكومتين انهما يحميان السكان في شمال العراق وجنوبه، وخاصة في الشمال حيث موطن الأكراد، وسمي بالأدبيات الإعلامية بالملاذ الآمن لهم، ولكن في السنوات الأخيرة، بدءا ما بين عامي 1995 و1997 قامت اكثر من مرة القوات التركية، جارة العراق الشمالية، بإدخال اكثر من خمسين ألف جندي تركي لملاحقة الأكراد الأتراك وقصفت طائراتها إف 14 المدن والقرى العراقية تحت ما سموه بالملاذ الآمن، بل والأكثر صلفا ووقاحة إن طيارين اميركان وانجليز صرحوا لصحف أميركية انهم أمروا بالانسحاب إلى الأراضي التركية فورا وترك الأجواء للطائرات الحربية التركية لأداء مهماتهما بتوفير الملاذ الآمن للأكراد في شمال العراق.
لا أحد سأل عن الضحايا الأكراد لهذه الحملات العسكرية التركية، بل ولا أحد أحصى كم من الضحايا والخسائر البشرية والمادية أحدثتها الغارات الجوية التركية أو الأميركية والبريطانية في نفس المنطقة المحمية من قبلهم. نقل الكاتب والفنان البريطاني جون بيلجر عن منسقي الأمم المتحدة شهاداتهم التي من اجلها استقالوا من وظائفهم الدولية احتجاجا على تدخل الولايات المتحدة في مهماتهم الرسمية وقصف المناطق المدنية التي يقومون هم بتوفير المساعدة الإنسانية لسكانها. كما أضاف نقلا عن البروفيسور دوج روكي، الذي كلف من الجيش الأميركي بدراسة آثار اليورانيوم المنضب بالكويت، عن وجود آلاف الحالات المرضية، أبرزها حالات السرطان، منتشرة بين سكان جنوب العراق من استخدام القوات الأميركية والبريطانية لهذا السلاح المحرم دوليا، وهو نفسه صار أحد الضحايا له أيضا. وهذا ما أكدته تقارير المنظمات الصحية العالمية واليونسيف خاصة.
في ظل نتائج هذه الحالات الواضحة والصارخة من تطبيقات الإدارتين الأميركية والبريطانية لقراراتهما بحماية سكان شمال وجنوب العراق، جاء قرار مجلس الحرب 1441 لاستمرار الحرب السرية بادخال المفتشين، الطيارين على الأرض، لتغطية المنطقة المحصورة بين حدود المنطقتين المحميتين من الطيارين في الجو، لاكمال مهماتها وللتصريح بالحرب العلنية التي بدأت نذرها واضحة الآن على جميع الأصعدة، فالاستعدادات العسكرية والمدنية لها استكملت ولم تبق إلا ساعة صفرها بخطبة من رئيس نظام الحرب الأميركي وكلبه المدلل والدليل له.
ضمن الاستعدادات العسكرية والمدنية للحرب التي ستعصف بالعالم العربي والإسلامي جاءت مبادرة كولن باول للشراك بنشر الديمقراطية الأميركية وبإغراء مادي قيمته فقط 29 مليون دولار أميركي، يمكن زيادته أو مضاعفته من الخزائن المحلية المتكدسة والمنتظرة لهذه الجزرة، قبل أن يرجئها مرة أخرى، وتتقدم عليها عصا مستشارة الحرب كوندوليزا رايس التي طرحتها بموازاتها، ونشرتها دون إبطاء كاستراتيجية أميركية لمواجهة أسلحة الدمار الشامل، أو أي اعتداء على مركز الشر الحقيقي أو حلفائه أو مريديه. وملخصها استخدام الأسلحة التقليدية وغيرها، بما فيها النووية في تنفيذ مبدأ رئيسها الجديد في الضربات الوقائية، وخاصة لمحور الشر المسمى والممتد من كوريا الشمالية وحتى جنوب أفريقيا ومن جنوب أوروبا حتى المحيط الهندي. حسب توصيفاتها أو ما يتسرب عنها لوسائل الاعلام، خاصة ما يتعلق بهذه الرقعة الجغرافية الواسعة، والتي قد لا ترضي غرورها لتتولى حكمها والتصرف بشئونها ومستقبلها، ودون اغراءات مالية، فالتكاليف مدفوعة مسبقا ومضمونة دائما، ومنها صرف 92 مليون دولار لتدريب قوات عسكرية من العراقيين الأحرار وإرسالهم طلائع للحرب لتنفيذ مشروع باول أو برنامج رايس، ومثلها في البلدان الأخرى، فليس ثمة فرق، بعد أحداث سبتمبر 2001، بينها، كلها الآن على المشرحة، ليس المهم من تكون وأين تكون، المهم كيف تصير وتمارس خطة جورج تينت، مدير الـ سي.آي.ايه ، ومشاورات ريتشارد بيرل وريتشارد هاس ودوج فيث وشركائهم من أحفاد أبي رغال، وامثالهم من العاملين المدنيين في وظائف صقور الدجاج في دوائر البيت الأبيض، أو في المؤسسات العاملة خلف الكواليس أو في الفنادق الأوروبية والمقررة لدمار العالم والنظام الدولي الجديد، هذا هو المهم والأولوية المباشرة للسياسة الإمبريالية الأميركية ومن يتبعها.
رسائل باول ورايس ودعوة بلير الأخيرة لمؤتمر جديد لمناقشة الصراع الرئيس في المنطقة لا تغير من الهم الرئيس لدى الإدارة الأميركية بغزو العراق وتجديد المخططات باحتلال المنطقة واستعمار ثرواتها بكل الطرق، العلنية والسرية، المباشرة وغير المباشرة، وتهيئة المجال السياسي في المنطقة للإمبريالية الأميركية الجديدة، عبر كل الوسائل المتقدمة لها، بدءا من تغيير المؤسسات إلى تدوير المعتقدات، وهذا ما تشير له الصحافة يوميا بمانشيتاتها العريضة وليس بين السطور.
قبل أن تسقط القنابل على العاصمة بغداد، هناك الكثير من الأسئلة الملحة والتي يجب أن تصبح هي الأولويات أيضا. هل ستهب رياح الحرية والديمقراطية في العالم العربي والإسلامي حقا، أم ما سربته الواشنطن بوست من إدراج سوريا وليبيا إضافة لمحور الشر الأول سيكون معيقا او مسرعا. أيهما الأهم عند بوش وإدارته مشروع باول أم ستراتيجية رايس، وايهما أوسع كلفة، واكثر ربحا لها. أين ستنزل القنابل الأميركية والبريطانية بعد بغداد؟! متى تبدأ ساعة الصفر؟ متى تقصف مكة المكرمة؟ متى تتحول المنطقة العربية إلى ملاذ آمن؟ من له عقل فليتبصر؟!!.