باتريك انيدجار&
&
واشنطن: لجأت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) الى مؤرخين قادرين على اعداد خرائط تفصيلية دقيقة لبلاد ما بين النهرين بهدف تجنب كارثة يمكن ان تلم بالمواقع الاثرية وتؤدي الى تدمير اور مهد الحضارات او دفن مدينة نينوى الاشورية، في حال توجيه ضربة للعراق. وتبدو مهمة العسكريين الاميركيين الذين يفترض ان يتجنبوا ايضا التسبب في خسائر بين المدنيين حساسة خصوصا بسبب كثرة المواقع الاثرية الذي يقدر بحوالي عشرة آلاف معظمها لم يشهد عمليات تنقيب واسعة بعد. وقد يؤدي قصف هذه المواقع القديمة لحضارات وديانات يعود اقدمها الى الالف الخامس قبل الميلاد، الى ازالة آثار تعود الى عصر السومريين الذي شهد اختراع الكتابة والعجلة وتعادل في اهميتها اللوحة التي حفر عليها قانون حمورابي. واتخذ مسؤولون في البنتاغون وموظفون في وزارة الخارجية ودبلوماسيون متقاعدون مبادرة عقد اجتماع لفريق من المستشرقين وعلماء الآثار.
وقال البروفسور تشارلز باتروورث من جامعة مريلاند لوكالة فرانس برس "لقد اتصلوا بنا لانهم يعرفون مجال اختصاصنا". واضاف ان "الاميركيين لا يريدون خصوصا ان تتم مقارنتهم بحركة طالبان التي دمرت تمثالي بوذا العملاقين في باميان". وكان هذان التمثالان مدرجان ضمن قائمة التراث العالمي.
ورأى هذا الخبير الذي درس اصول الاسلام والفيلسوف الفارابي (870-850 ميلادي) وعاش في بغداد ان "الاهم هو حماية هذه المواقع التي لا تقدر قيمتها التاريخية بثمن". وقد شاور العسكريون في البنتاغون اولا عالم آلاثار في جامعة شيكاغو ماكغواير غيبسون المتخصص بالشؤون العراقية ويزور هذا البلد بانتظام منذ اكثر من عشرة اعوام للقيام بعمليات تنقيب. ووافق غيبسون ومساعده باتروورث على التعاون. وعقد اول اجتماع في بداية تشرين الثاني/نوفمبر مع المسؤولين الاميركيين ثم لقاء آخر موسع في 23 و24 من الشهر نفسه في واشنطن.
وانضم الى فريق غيبسون وماكغواير حوالي اربعين من الجامعيين يقومون حاليا باحصاء كل المواقع التاريخية والاثرية في جميع انحاء العراق لاعداد لائحة ستسلم الى البنتاغون.
واوضح باتروورث ان "هذا العمل لا بد منه لان اللوائح التي اعدها العراقيون في الماضي غير واضحة بما يكفي حتى انها غير دقيقة في معظم الاحيان". وتبدو المهمة شاقة جدا لانها تقضي باستعراض دقيق لتقارير علماء الآثار منذ بداية عمليات التنقيب في القرن التاسع عشر وحتى مقارنة خرائط بلاد ما بين النهرين والعراق.
وتضم هذه المنطقة في وادي دجلة والفرات مدنا من عصور البابليين والكلدانيين والسومريين وحتى الساميين، من بينها اور وبابل وكيش واكاد وارك ونينوى ونيبور وكش. واذا كانت مئات المواقع القريبة من هذه المدن القديمة لم تخضع بعد لعمليات تنقيب، فان تلك التي كشفت يمكن ان تتعرض لاضرار لا يمكن اصلاحها وخصوصا الثيران المجنحة في كلخ (نمرود) والزقورات واشهرها برج بابل الذي تقول التوراة انه يبلغ السماء.
ويعرض بعض ما اكتشف في متحف بغداد. وحذر باترووث من ان "مكاتب تلفزيون بغداد التي يمكن ان تستهدفها عمليات القصف الاميركية قريبة جدا من هذا المتحف". اما جوش كيلير الخبير العسكري في اتحاد العلماء الاميركيين فيوضح مطمئنا ان الجيش الاميركي يملك الوسائل التقنية لاستخدام اسلحة "ذكية" توجه بالاقمار الاصطناعية. لكنه قال لوكالة فرانس برس ان "الصعوبة التقنية تكمن في ضرورة ان يتم تلقيم المعلومات المتعلقة بالمواقع الى البرامج الالكترونية في المنطقة التي ستقصف بالاستعانة بعملاء استخبارات على الارض". واضاف "انها مهمة يستحيل تقريبا تحقيقها في كل المواقع".