الرياض- ايلاف: اكدت مصادر دبلوماسية أمريكية وأوروبية أن إدارة الرئيس بوش ترفض تسليم الحكم في العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين إلى المعارضة العراقية المقيمة في الخارج والمتحالفة معها كما ترفض أن تحتكر هذه المعارضة السلطة، وتعلق في المقابل "آمالا كبيرة" على المعارضة العراقية الداخلية العسكرية والمدنية وتنوي إعطاءها دوراً أساسياً في تسيير أمور البلاد في المرحلة الجديدة المقبلة.
وأوضحت المصادر أن إدارة بوش ترفض على هذا الأساس إطلاع قيادات المعارضة في الخارج على خططها الحربية الحقيقية ضد العراق كما ترفض تقديم أية ضمانات واضحة ومحددة إلى هذه القيادات حول حجم دورها وتركيبة السلطة التي ستدير شؤون هذا البلد في مرحلة ما بعد صدام حسين.
ونقلت صحيفة الوطن السعودية عن مصادر مطلعة قولها أن المسؤولين الأمريكيين كانوا "صريحين للغاية" في لقاءاتهم مع عدد من قيادات المعارضة العراقية سواء في واشنطن أو في لندن على هامش انعقاد مؤتمر المعارضة الأسبوع الماضي، أو أنهم أبلغوا هذه القيادات بوضوح أن الولايات المتحدة هي التي ستكون مسؤولة فعلا عن مصير العراق بعد سقوط صدام حسين ولو تم وضع هذا البلد تحت وصاية دولية، لأن الأمريكيين "هم الذين سيحررون هذا البلد ويؤمنون قيام نظام جديد فيه".
وأكد المسؤولون الأمريكيون لهذه القيادات أن إدارة بوش "لن تجازف وتفرض على العراقيين بالقوة قيادة من الخارج تضم عناصر معارضة - ولو كانت صديقة لواشنطن - عانت سنوات طويلة في المنفى وليس لديها اطلاع دقيق على شؤون هذا البلد وكيفية إدارة أموره". بل إن زلماي خليل زاده مبعوث إدارة بوش لدى المعارضة العراقية أبلغ بعض قياداتها الأسبوع الماضي في لندن "أن الإدارة الأمريكية لن تسمح للمعارضة الخارجية باحتكار السلطة في العراق، وإذا كانت هذه هي خطط المعارضة فعليها أن تغيرها وتعدلها".
ونصح خليل زاده القيادات المعارضة "بعدم المبالغة في تقدير حجمكم وحجم قوتكم" وأكد "أن القرار الأساسي فيما يتعلق بالعراق سيكون في أيدي الأمريكيين بعد تحرير هذا البلد من نظام صدام حسين، وسيظل القرار الأساسي في أيدي الأمريكيين إلى أن يتمكن العراقيون من أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم ويتم استتباب واستقرار الأوضاع الأمنية وضمان بقاء هذا البلد موحداً". وأضاف خليل زاده وفقا لما كشفته المصادر المطلعة لـ "الوطن" أن "المسؤولين الأمريكيين هم الذين سيختارون بعد التحرير وبالتشاور مع أطراف عراقية عدة قيادة مؤقتة لحكم العراق في انتظار الانتقال إلى مرحلة إقامة نظام حكم دائم ومستقر".
وأكدت هذه المصادر أن إدارة بوش تريد في الحقيقة إعطاء "الدور الرئيسي" في قيادة العراق وتوجيه هذا البلد بعد ترحيل صدام حسين إلى "معارضة الداخل" وهي "معارضة كبيرة" وفقا لمعلومات الأمريكيين وتضم شخصيات عسكرية ومدنية مستعدة للانشقاق عن النظام لكنها لن تتحرك وتفرض وجودها في الساحة إلا بعد الحرب الأمريكية ضد هذا البلد.
ووفقا لواشنطن فإن "معارضي الداخل" يعرفون أفضل بكثير من "معارضي الخارج" حقائق الأوضاع في العراق وكيفية السيطرة على الأمن وتسيير الأمور، ولذلك لن تفرض الإدارة الأمريكية على هؤلاء قيادة جاهزة تضم المعارضين المنفيين المخالفين مع واشنطن، لأن ذلك سيؤدي إلى إيجاد تعقيدات في الساحة العراقية بعد انتهاء الحرب ومن شأنه أن يطيل أمد الوضع المتأزم. إضافة إلى ذلك فإن إدارة بوش مقتنعة بأنها تحتاج إلى مساعدة ودعم الجيش العراقي النظامي وقياداته للسيطرة على الأوضاع وإبقاء العراق موحداً ومنع نشوب حرب أهلية فيه مما يتطلب منح كبار ضباط الداخل المنشقين عن النظام دوراً أساسياً في المرحلة الجديدة المقبلة.
وكشفت المصادر ذاتها أن إدارة بوش تريد أن تلعب المعارضة العراقية المقيمة في الخارج والمتحالفة معها بقياداتها وقواها المختلفة أربعة أدوار رئيسية هي الآتية:
أولاً تريد واشنطن من هذه المعارضة أن تلعب دوراً استشاريا في المساعدة على إقامة نظام عراقي جديد ديمقراطي وتعددي ومختلف جذريا عن النظام الحالي.
ثانياً تريد واشنطن أن تؤمن هذه المعارضة "تغطية عراقية" للخطط الأمريكية الهادفة إلى إسقاط نظام صدام حسين بحيث تتخذ المواجهة العسكرية المقبلة طابع "حرب التحرير" من النظام الحالي وممارساته.ثالثا تريد واشنطن أن تكون هذه المعارضة جزءاً من الحكم الجديد في العراق وليس أن تنفرد بالحكم أو تحتكر السلطة وحدها.
رابعاً تريد واشنطن أن تلعب هذه المعارضة دور "الحافز" و"العامل المشجع" لقوى الداخل العسكرية والمدنية على التحرك ضد النظام في الوقت الملائم. والجهود التي بذلتها وتبذلها الإدارة الأمريكية لتوحيد حقوق هذه المعارضة ودعمها بوسائل مختلفة تهدف في جانب مهم منها إلى توجيه رسالة إلى المعارضة الداخلية بأن الولايات المتحدة جادة هذه المرة في عزمها على تغيير النظام القائم.
وأوضحت المصادر أن حجم دور المعارضة الخارجية وحصتها في الحكم سيتحددان وفقا لتطورات الأوضاع ولحجم الدور الذي ستلعبه معارضة الداخل في إسقاط نظام صدام حسين. وضمن هذا الإطار علمت "الوطن" من المصادر ذاتها أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل إدارة بوش تمتنع عن إطلاع تيارات المعارضة المتحالفة معها على مضمون خططها الحربية والسياسية الحقيقية المتعلقة بالعراق ومستقبله وهي:
أولا تريد أمريكا أن تكون هي الحاكم الفعلي في العراق الجديد ولو مؤقتا وتحت إشراف الأمم المتحدة، وهي لذلك ليست راغبة في تقاسم سلطتها مع المعارضة المتعاونة معها. كما أن واشنطن ليست لديها ثقة كاملة في قيادات هذه المعارضة لكي تطلعها على أسرارها العسكرية كما تفعل مع بريطانيا مثلا خوفا من تسرب معلومات عن خططها الحربية إلى بعض الجهات العربية الإقليمية ومنها إلى بغداد.
ثانياً إدارة بوش ليست راغبة في أن تكشف لهذه المعارضة كل أوراقها منذ الآن وليست راغبة في أن تطلع المعارضة الخارجية على حجم الدور الذي ستعطيه لها وللمعارضة الداخلية لأن ذلك يمكن أن يتسبب ببروز خلافات بين واشنطن وحلفائها من المعارضين، كما أن هذه المسألة سابقة لأوانها طالما لم تقع الحرب ولم يسقط النظام.
ثالثا تريد إدارة بوش أن تحتفظ لنفسها بحرية المناورة والمبادرة في العراق الجديد لذلك ترفض في إطار التشاور حول مستقبل العراق أن تقدم إلى تيارات هذه المعارضة أية التزامات أو ضمانات محددة قد تتراجع عنها لاحقا وفقاً لتطورات الحرب ومسار الأمور.