الكويت -عماد الحملي‏: يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن عزم كوريا ‏ ‏الشمالية على اعادة تشغيل مفاعلاتها النووية التي توقف العمل فيها بموجب اتفاق ‏‏وقعته مع الولايات المتحدة عام 1994 يندرج في اطار سياسية "حافة الهاوية " بهدف ‏‏تحقيق أكبر قدر من المكاسب .‏
وأكدت بيونغ يانغ أمس أنها قامت بنزع المعدات التي وضعتها الأمم المتحدة ‏ ‏لمراقبة منشآت نووية قادرة على تصنيع الأسلحة .‏‏ وقالت بيونغ يانغ أن الولايات المتحدة لم تف بتنفيذ اتفاق ينص على تزويدها بـ‏500 طن من الوقود سنويا لسد حجتها من الكهرباء فيما امتثلت باغلاق مفاعلات نووية ‏‏وفقا للاتفاق واعتبرت أنها بذلك في حل عن هذا الاتفاق.‏
واعتبرت الولايات المتحدة اجراءات بيونغ يانغ الأخيرة بأنها "غير مقبولة"‏ ‏ودعتها الى عدم تشغيل هذه المنشآت فيما حثت من جهة روسيا والصين واليابان ‏ ‏والاتحاد الأوربي في كيفية انهاء الأزمة ‏ قال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في كلمة أمام منتدى أمني أقيم في ‏‏هولندا الأسبوع الماضي أن بلاده أعدت بشكل فعلي خططا لتدمير منشآت نووية في‏‏كوريا الشمالية وأبلغتهم "عزمها على مهاجمتها اذا لم يوقفوا برنامجهم النووي". واعرب كلينتون عن اعتقاده أن بيونغ يانغ تعمد الى التهديدات " للحصول على مزيد ‏‏من المساعدات " . ‏
ويرابط نحو 37 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية التي شرع في قيادتها مؤخرا ‏ ‏الرئيس الجديد روه مو هيون الذى أعلن عزمه على "خفض التوتر الناجم عن المسألة ‏ ‏النووية مع الشمال". ‏‏ وكما يبدو للمراقبين فان الولايات المتحدة تتعامل مع الملف الكوري الشمالي على ‏‏أنه بالغ التعقيد ويحتاج الى خطوات دبلوماسية حذرة تتخذ في أوقات مواتية.‏ ففي الوقت الذي وضع فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش هذه الدولة الى جانب العراق ‏‏وايران في اطار "محور الشر" تبدو واشنطن وكأنها تميل الى تفكيك الخطر الكوري ‏‏باجراءات سياسية محضة خلافا لاجرائه مع العراق .‏
‏ وكان نائبوزير الخارجية الأمريكي ريتشارد ارميتاج قد اشار في تصريح أدلى به ‏‏مؤخرا الى وجود "توازن واستقرار صعب في شبه الجزيرة الكورية على مدى خمسين عام ‏
‏تقريبا". ‏ ‏ غير أن السؤال الذي يثير انتباه المراقبين هو الى أي مدى يمكن ‏ ‏لواشنطن أن تمارس ضبط النفس مع بيونغ يانغ التي تصعد باجراءات حاسمة يتمثل أخرها ‏ ‏في اعادة تشغيل مفاعلاتها النووية واعترافها بالقيام بمعالجة اليورانيوم ‏ ‏لاستخدامه في انتاج الأسلحة النووية" .‏
‏ ويبدو ان الملف الكوري الشمالي اجبر الأمريكيين على اتخاذ اتجاهين متوازيين في ‏ ‏التعامل مع بيونغ يانغ يتمثل الأول في اشراك كوريا الجنوبية والصين وروسيا ‏ ‏واليابان ودول الاتحاد الأوربي في تبني سياسات تعمل على الاحتواء والتهدئة ‏‏والثاني هو فتح واشنطن الباب لحوار مباشر مع الابقاء على عزلها دوليا. ‏غير أن بيونغ يانغ تبدو هي الأخرى ترد بسياسات من شأنها أن تحبط الخطط ‏‏الأمريكية فهي تعمد الى الدخول في حوار مباشر "رغم حالة التوتر التي تسودها ‏‏أحيانا" مع كوريا الجنوبية كاشارة متعمدة مفادها تجاهل واشنطن كما أنها تواصل ‏‏تكريس علاقات مميزة مع روسيا والصين .‏
‏ لكن بيونغ يانغ تعود بين فترة وأخرى لابداء نوع من الانفتاح مع الولايات ‏‏المتحدة ويشير دودج هيرمان من صحيفة "نيويورك تايمز" الى أن ذلك من شأنه أن يربك ‏‏السياسات بين التنسيقية الولايات المتحدة والدولة ذات العلاقة في المسألة .‏‏ ويعتقد هيرمان أن "سياسة توتير الأوضاع" التي تعتمدها بيونغ يانغ ستعزز من ‏‏التركيز الأمريكي حيالها في فترة لا تبتعد كثيرا عما وضعته في اجندتها الدولية ‏‏ويرى أن الظرف "غير متاح الأن لمزيد من المماطلة لاسيما وأن بيونغ يانغ تقوم بما ‏‏هو مثير فعلا " .

‏ ومما يعزز المناورات السياسية الحرجة التي تقوم بها كوريا الشمالية هو أنها ‏ ‏تتمتع بقاعدة قوية من الصناعات العسكرية الى جانب أيدلوجية تقضي بعسكرة المجتمع ‏‏ومن شأن ذلك أن يثير نزعة المغامرة لديها دون النظر الى العواقب ‏ ويرى مراقبون أن ذلك ميزة تعمل على تقوية التحرك الأمريكي في حشد المجتمع ‏‏الدولي ضد بيونغ يانغ بوصفها دولة "مارقة" تمد دول موضوعة في لائحة الارهاب ‏‏بأسلحة تشكل خطرا على العالم والأمن القومي الأمريكي خاصة ‏