نضال حمد
&
بعد عاصفة الطلب الذي تقدم به المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية, السيد اليكام روبنشطاين, والذي طالب عبره بإلغاء لائحة التجمع الديمقراطي لانتخابات الكنيست الإسرائيلي التي ستقام في فبراير شباط القادم. جاء دور وزير الداخلية الإسرائيلي من جديد, فأدوار هذا الوزير العنصري معروفة ومحروقة مثل بقية العصابة اليمينية المتطرفة التي تحكم البلاد بالفساد والرشوة وشراء الناس والأصوات.
أما الوزير الصغير, السيد شاي الذي تفتقت موهبته فأنجبت& قرارات عنصرية استعلائية جديدة,أمر عبر أحدها إغلاق صحيفة صوت الحق والحرية,الناطقة باسم الحركة الإسلامية الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح. فقد ورد في حيثيات القرار المذكور أن الصحيفة المذكورة& تنشر مواد تشكل خطرا على سلامة الجمهور. وأعتمد الوزير شاي في قراراته-كما كان اعتمد في القرارات السابقة- على مذكرات وتقارير جهاز الشاباك الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية النشطة, والمتخصصة أيضا في ملاحقة ومراقبة الجماهير العربية الفلسطينية وقياداتها السياسية والروحية في الداخل. بحيث تلفق التهم وتحاول تلبيسهم إياها بطريقة بوليسية استعلائية,عنصرية حديثة. ليأتي فيما بعد دور الجهات المختصة مثل المستشار القضائي للحكومة أو وزير الداخلية وأعضاء الكنيست& وغيرهم, بحيث يبدأ هؤلاء بالتباري على توجيه التهم وتنويع والاتهامات وتوزيعها على عرب الداخل.
&من المهم جدا فهم الهدف من تلك التهم الموجهة ضد أهل الأرض وسكانها الأصليين من أبناء فلسطين التاريخية. لأن التحركات الرسمية وغير الرسمية الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا في البلاد, ليست وليدة اليوم ولا تعتبر من عوامل الصدفة,إنها امتداد لسياسة تفريق ولا مساواة وتمييز في المواطنة, على أساسها تم إنشاء الكيان اليهودي وتمييزه بيهوديته,بحيث أنه أقيم ليكون وطنا لليهود فقط.
&كانت ذرائع الحركة الصهيونية في ذلك أن كل الشعوب لها أوطان ألا "الشعب اليهودي"& الذي بحث لنفسه عن مكان بين الشعوب فوقع اختياره على& فلسطين لأنها أرض الميعاد. ولسنا من المتفقين مع التعريف المذكور الذي يقول بأن اليهود شعب,لأن تعريف الشعب لا ينطبق على اليهود بل تنطبق عليهم تسمية ديانة,كما الحال مع الديانات الأخرى. ولنا عبرة بذلك ما حدث للاتحاد السوفيتي سابقا الذي كان يحاول بكل الوسائل تعميم تجربته,التي تفرض على مجموعة شعوب منوعة أن تكون شعبا واحدا بقيادة حزب واحد.
&الحركة الصهيونية اعتمدت أيضا ذاك الأسلوب و نجحت نوعا ما في تجميع يهود العالم& وجلبهم إلى فلسطين ومن ثم إسرائيل التي أقيمت بالقوة على جزء كبير من ارض فلسطين الانتدابية, بحيث أخذ معظم هؤلاء اليهود الوافدين إلى الكيان الحديث تعلم اللغة العبرية من الصفر. إذا كيف لناس من كل البلاد والأجناس أن يسموا أنفسهم شعبا واحدا تجمعه كل الشروط التي تأسست بناء عليها كل الشعوب.
& لقد كانت ولازالت الأطماع الصهيونية في فلسطين,المحرك الذي يحرك حملات العداء والعنصرية للشعب العربي الفلسطيني الذي يملك كل مقومات الشعب من الأرض حتى اللغة والحدود والاقتصاد والعادات والتقاليد والثقافة والتاريخ. أما الذين مروا من هنا مرور الغزاة في قديم الزمان لا يحق لهم أن يزوروا التاريخ& حتى يجعلوا عبورهم في قديم الزمان حجة لأعادة احتلال المكان والقيام بحملات شطب وإلغاء لحقوق سكان البلاد الأصليين من شعب كنعان الحضاري الذي أنجب للبشرية منذ آلاف السنين العلوم وقوانين الحب والطهارة والسلام,حتى الشعب الفلسطيني الذي أصبح بعدة أجزاء بفعل الاحتلال وعدم الأنصاف وانعدام العدل.
أما ما تقوم به إسرائيل هذه الأيام من لعب بالنار فقد يتسبب في حرق أصابعها وأصابع الكبار ممن يدعمون غطرستها وعنصريتها,ليس هذا جديدا لكنه تصعيدا في حملات العداء والتفرقة والتمييز والتقييد والحد من حرية العربي في البلاد. لأن هذه الهجمات العنصرية ليست سوى جزء من برنامج استيعاب ودمج يتم فيه إلغاء الشخصية الوطنية للعربي عبر إلهائه بأمور أخرى. وفي كل مرة كانت الجماهير العربية تثور فيها أو تهب للمطالبة بتحسين أوضاعها وبمعاملة أفضل, كانت السلطات الإسرائيلية تواجه تلك المطالب والهبات بالرد الجاهز والسريع,عبر قتل المواطنين العرب- يوم الأرض 1976- و إطلاق العنان للعنصريين من رجال الشرطة والأمن وجنود الجيش وزعران العصابات والأحياء من أوباش المدن والأزقة,حيث يقوم هؤلاء بتوجيه آلة دمارهم وأساليبهم السادية, وبنادقهم ورصاصهم ضد العرب وأملاكهم-هبة أكتوبر 2000- من أجل لجمهم وقهرهم وجعلهم يستسلمون ويتخلون عن مطالبهم العادلة. ولا يطلب العربي,صاحب الأرض سوى مواطنة كاملة مثله مثل اليهودي الذي جاء من كل بقاع الدنيا, فاستولى على تلك الأرض, وصار الآمر الناهي بينما أصحاب البلد وسكان الأرض الأصليين بالكاد يحصلون على بعض الحقوق. من حق العربي أن يقول لا لتهويد الدولة كما تهودت الدنيا,الأرض أرضنا والبلد بلدنا وكل ما نريده حقوقنا في المواطنة المتساوية وفي دولة لكل مواطنيها من اليهود والعرب. لكن المشكلة العصية والمعقدة جدا أن
العربي يطالب بمواطنة متساوية في بلد غير مؤهل للتساوي, فكيف تكون المساواة بين الجلاد والضحية. ثم كيف للجلاد أن يعطي الضحية حقها بالتساوي في وطن تم اغتصابه بالقوة وتم جعل سكانه الأصليين زوائد في المجتمع والدولة, مع أنهم أصحاب الأرض والحق. سؤال صعب ومعقد والإجابة عليه صعبة ومعقدة, لكن التجربة تؤكد إمكانية فرض فرص التعايش مع البعض ممن جنت عليهم الحالة اليهودية في أوروبا, بحيث هاجر أهاليهم إلى فلسطين الانتدابية, ثم إسرائيل المولودة بعملية قيصرية, حيث كانت فيما بعد ولادتهم على الأرض التي يسمونها إسرائيل ولازلنا نسميها فلسطين كما خلقها الرب وكونها التاريخ وكورتها الجغرافيا.
سوف يأتي اليوم الذي يصبح فيه الجلاد ضحية, ولازلنا كلنا نذكر الأيام التي كانت أيام سوداء وعصيبة للجلاد. لكن المشكلة تكمن في أن الضعيف الذي يقوى فجأة ويستمد قوته من هراء السياسة العالمية ودجل المجتمعات الدولية أو خوفها من ملاحقة الماضي الأسود وخطاياها بحق الضحية سابقا والجلاد حاليا. هذه المخاوف سوف تتبدد مع الأيام وسوف يزاح القناع عن وجه الضحية قديما ليظهر مكانها وجه الجلاد حاليا.