داود البصري
&
لاتختلف الصورة الحالية القائمة في المنطقة كثيرا عما كان سائدا من أجواء سياسية خلال أزمة غزو وإحتلال الكويت! وحيث لجأ النظام العراقي وإعلامه التضليلي الفاشل وقتها لخلط الأوراق ومحاولة "تجييش" الشعوب ضد حكامها؟ والإعتماد المبالغ فيه حد المرض والسادية على ما أسموه بموقف الجماهير العربية التي ستثور وتدمر المواقع والموانع وتنقذ النظام العراقي من الحشرة والمأزق الذي وضع نفسه به وأضحى عصيا على الحل؟؟ وقتها أي في عام 1990 كانت عناصر كبيرة مختلفة عن الموقف الحالي، فلم تكن هنالك فضائيات ممولة وتعمل بحس إستخباري وتدليسي مثل قناة "الجزيرة" وتوابعها من الصحف ووسائل الإعلام المعروفة؟ كما لم تكن قد تبلورت بعد إستراتيجية "البراميل النفطية" وكوبونات النفط مقابل الغذاء ومثقفو الحصار الذين يتمنون عدم رفع الحصار لأن عملهم سينتهي وتنتهي بالتالي خدماتهم المعلومة وهي النحيب والبكاء على الأطلال وهبش مايمكن هبشه من كعكة النفط مقابل الغذاء الدسمة الشهية!، وقتها ومنذ أيام الحرب العراقية / الإيرانية كانت للنظام العراقي صحفه الممولة ووسائل إعلامه المشتراة، ورجاله في عالم الإعلام العربي خارجيا وداخليا ورغم كل ذلك الحشد الإعلامي الإستراتيجي فإنه لم يستطع المقاومة بعد الإنهيار الذي أصاب إعلام السلطة العراقية على إثر تخلي أقرب حلفائه عنه لجفاف التمويل وشحة المورد؟ بعض الإعلاميين العرب كان ذكيا ولوذعيا وشاطرا إستطاع نقل البندقية من الكتف الأيسر للأيمن بخفة ورشاقة! فيما إختفى البعض الآخر بينما لجأ فريق آخر لتوديع الدعم الحكومي العراقي بعد أن أغلق المطبوعة بعبارة ( قلب القضية النابض )! ويقصد بذلك الرئيس العراقي، وبعد أن هبت رياح عاصفة الصحراء التي إقتلعت الناس والحجارة وأبقت على النظام المهزوم كرمز شاخص من رموز الهزيمة الحضارية العربية، عاد الهدوء للساحة وإختفت التهديدات التي كانت تهدد بضرب المصالح الأميركية في حال ضرب النظام العراقي! ودخل العراق والمنطقة والعالم في ترتيبات النظام العالمي الجديد وألإهتمام بأوسلو ومتفرعاتها وجوائز نوبل ثم اللعبة الداخلية الإسرائيلية ومتابعة سياسة الإحتواء المزدوج الأميركية التي عزلت النظام العراقي طويلا في قفص الحصار المحكم الذي أضر الشعب العراقي أكثر من النظام، وحصل التطور الأكير وتحريك الموقف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 والتي نبهت أهل القرار في واشنطن بخطل سياساتهم التهميشية لمشاكل المنطقة الشرق أوسطية وأزماتها المقيمة، وعادت القضية العراقية لتكون قطب الرحى في الإستراتيجية الأميركية والتي أعلنت بشكل صريح لالبس فيه عزمها على إسقاط النظام العراقي ونزع فتيل التوتر والأزمات وإكمال المهمة الناقصة التي لم تنهها ( عاصفة الصحراء ) ولا ( ثعلب الصحراء ) ولاجرذانها؟؟!
ومع إقتراب ساعة المواجهة وعجز النظام العراقي الواضح عن التعامل مع الموقف بعد أن فشلت سياسة التنازلات عن السيادة والكرامة في أن تعطي ضمانا للحكم العراقي بالإستمرارية عادت السياسة العراقية للمراهنة على الأحلام وعلى ماأسموه بتحريك الشارع العربي والدولي وإستجلاب لغة التعاطف السياسي وتجميع ضد الجماعات المناهضة للسياسة الأميركيةفي بوتقة واحدة للتخفي من ورائها من اليوم المحسوم! وإلتقط تجار ( الهمبكة ) في الشارع السياسي العربي الفرصة المهيأة سلفا عبر سياسة الأنابيب البترولية والكوبونات النفطية وتحرك تجار القضايا القومية في صورة بائسة لخلط الأوراق والمواقف و(نصرة ) الشعب العراقي كما يزعمون في الحين الذي صمتوا فيه عقودا طويلة عن الإرهاب السلطوي المنظم ضد العراقيين؟ ولم يتحركوا قيد شعرة وهم يشاهدون المجازر والإنتهاكات وعمليات التطهير العرقية وإستعمال الأسلحة المحرمة دوليا وتوريط العراقيين في حروب عدوانية وعبثية فاشلة لاناقة لهم فيها ولاجمل؟؟ ثم يتحركون اليوم للدفاع عن نظام بائس وصل لنهاية مطافه وباتت قضية تغييره من القضايا المقدسة عند العراقيين حسبما هو معلوم وواضح لكل ذي بصيرة؟
لذلك لم يجد النظام العراقي بدا ولاضيرا في ضرورة الإستعانة بخدمات تجار القضايا السياسية المعلبة لتنظيم تظاهرات بائسة وإعلان مواقف صبيانية، وتشكيلهم لدروع بشرية للحفاظ على السلطة العراقية المهزومة والمفرطة في السيادة الوطنية والقومية؟ وهنا أتساءل أين كانت دروعهم البشرية والقوات الصهيونية تجتاح رام الله وجنين مخلفة الموت والدمار؟
وأين توارت شجاعتهم قبل أعوام وهم يرون الحكم العراقي يبطش بالكويتيين ويروع الآمنين ويحتجز حتى اليوم المئات من الشباب الكويتي والعربي في معتقلاته السرية الرهيبة؟
أين كان أبطال الدروع البشرية العربية حينما كان النظام العراقي يغتصب شرف النساء العربيات في إقليم الأهواز العربي في إيران وصواريخه تدك بيوت الآمنين؟
بل أين توارى من يدعي الحرص على سلامة العراقيين والنظام يحصد مئات الإلاف في أحداث إنتفاضة آذار / مارس الشعبية العراقية عام 1991؟
الدروع البشرية العربية لن تصل؟ وحتى لو وصلت فلن تنفع نظام يعيش ساعات الإحتضار؟
والقضية من أولها لآخرها لاتعدو أن تكون سوى فقاعة هوائية لفرسان بلا جواد ولمقاتلين بلا قضية؟بعد أن أضحت "الهمبكة" سيدة الموقف!