&
كتب وبحث الكثيرون في تاريخ الكويت. وآخر ما نشر قبل ايام دراسة الدكتورة ميمونة الصباح في هذا الخصوص، ومع ان الجميع يزعم انه يبحث او يؤلف في تاريخ الكويت، الا ان الملاحظ ان البحث يتركز او هو في واقع الحال ينحصر في تاريخ الاسر "العتبية"، ويعتمد على نسبها ورواياتها في كتابة تاريخ الكويت. ومع الاسف، فإن كل ما يكتب او يؤلف عن الاسر العتبية، وبالتالي يحدد تاريخ وماهية المجتمع في الكويت هو تاريخ "مروي"، او منقول يعتمد على ذكريات البعض وعلى تخمين وحدس الآخر في معظم الاحيان. لهذا، فليس من العجب ان تكون هناك ثغرة "كبرى" في تاريخ الكويت او تاريخ الاسر العتبية وفق سرد من يؤلف فيه. هذه الثغرة هي العلاقة بين الاسر العتبية وبين الكويت كمرفأ تجاري ومغاص على اللؤلؤ.. اي مجتمع بحري اقام علاقات متقدمة زمناً وخبرة مع الهند وافريقيا.
فمن المعروف ان الزعم التاريخي يعود بالاسر العتبية الى وسط الجزيرة العربية، حيث لا بحر ولا سفين.. بل ان اكثر المؤرخين ـ او الرواة بالاصح ـ يرجع سبب هجرة تلك الاسر وحلها في الكويت الى القحط والفقر، وهذا يعني انها اسر كانت "تتعيش" اما على الرعي او الزراعة، فهاتان الحرفتان هما اللتان تتأثران بشكل مباشر بالقحط. الدكتور احمد بوحاكمة يتغلب على هذه العقبة حين يزعم ان العتوب سكنوا قطر لبعض الوقت، مما اتاح لهم تعلم فنون البحر وسبر غوره. ميمونة الصباح تزعم ان الموطن الاصلي للأسر العتبية كان يضم انهاراً جفت، مما دفع بالعتوب الى الهجرة. لا اعتقد ان ثلاثين او خمسين عاماً كما يورد بوحاكمة تكفي لأن يتعلم القادمون من وسط الصحراء فنون الغوص والسفر ويؤلفوا كتباً علمية، كما فعل حفيدهم المرحوم عيسى القطامي، في ركوب البحر. وبافتراض صحة زعم الدكتورة ميمونة الصباح، فإن الانهار ـ وهذه مستحيل وجودها ولو قبل آلاف السنين في الجزيرة العربية ـ لا تخلق شعوباً ملاحية، ولا تعلم الغوص على اللؤلؤ. هذا بالاضافة الى ان القادمين الى الكويت، كما يبدو، كانوا "تجاراً" يملكون المال، بل والسفن ايضاً ومستوى معيشياً في النهاية يتفوق على مستوى معيشة سكان الداخل من الجزيرة العربية.
اعتقد أنه لحل هذا الاشكال، لا بد من الافتراض بأن الاسر العتبية هي اسر "ملاحية" هاجرت الى الكويت من موانئ وحواضر بحرية، بحيث ان اختيارها الكويت، والجون بالذات، توافق مع تاريخها وخبراتها وطرائق معيشتها، إذ ليس من المعقول ان يختار الهارب من القحط ارضاً لا ماء ولا زرع فيها، او الافتراض من جهة اخرى أن الكويت، كمرفأ او على الاقل كمغاص على اللؤلؤ، قد نشأت قبل هجرة الاسر العتبية اليها، وان هجرة هذه الاسر زادتها اتساعاً وأهمية.. وهذا هو المرجح.