نجاح يوسف
&
لا يخف على أحد بأن نظام صدام الدموي قد وزع بركات قمعه وإرهابه على جميع العراقيين بدءا بمناضلي الأحزاب الوطنية العراقية العربية منها والكردية وانتهاء بأعضاء في حزب البعث القائم. كما لم تسلم أي مدينة أو قرية عراقية من بطشه ودمويته. ولا يمكن نكران أن من ارتكب هذه الجرائم أو شارك في تنفيذها بحق الشعب العراقي, جاء أيضا من هذه المدن والقرى المتعددة القوميات والمذاهب! ولا بد من القول أن فترة السبعينات قد شهدت حملة مسعورة للنظام لشراء ذمم الألوف من خريجي الجامعات والمعاهد, وإرسالهم إلى الخارج (أوربا الغربية والشرقية وأميركا ) للدراسة وبناء الأجهزة المخاباراتية في هذه الدول, بغية تحجيم دور المعارضة العراقية التي تتواجد في هذه البلدان من جهة, وبناء علاقات سياسية وتجارية مع الحكومات والشركات المتعددة من جهة أخرى. وبناء على ذلك كان النظام وعلى لسان الدكتاتور يهدد معارضي سياسته من ( إن ذراع الثورة تستطيع الوصول إلى أي مكان!), حيث كانت ترتكب عمليات القتل والاغتيالات لتلك العناصر الناشطة فيها.
واليوم, وبعد أن تعددت المنابر المعارضة للنظام في الخارج خاصة, نجد أن هناك العديد من العناصر وبعد حرب الكويت, انضمت أو شكلت تنظيمات صغيرة (معارضة), وهي التي كانت إلى أمد ليس ببعيد تأتمر بأمر النظام وتنفذ مخططاته, لا بل أن العديد منها ملطخة أياديها بدماء شعبنا البررة! وليس هذه فقط, لكننا نجدها تتقاسم منصة مؤتمر لندن وتعين في هيئاته ولجانه التي شكلت بعد انتهائه! لذلك أكرر ما قلته سابقا من أن هذا المؤتمر لم ولن يكن بمقدوره تجاوز الدور المرسوم له, وهو إضفاء الشرعية على الحرب الشعواء التي ستشنها الولايات المتحدة على العراق بحجة (تحرير العراق) من صدام, شيطانها المفضل عام 1991. وعندها فإن العربات الست التي ترتبط بماكنة قطار المشروع الأمريكي سوف تصطدم لا محالة بمعوقات ومطبات لا تنجو منها, لا على صعيد شعبنا العراقي الذي يتطلع إلى الحرية والديمقراطية بعيدا عن الهيمنة والاحتلال فحسب, بل سيجري كذلك تهميش دورها نزولا عند رغبة الدولة المنتصرة في الحرب وحلفائها ومصالحها الاستراتيجية. هذا إن وصلت العربات الست جميعها سالمة إلى محطة بغداد الكبرى!
ويرتبط بذلك واقع أن العديد ممن حضر وشارك في هذا المؤتمر يمثل أما نفسه أو مجموعة صغيرة من المغتربين ليس لها أي دعم حقيقي في داخل الوطن. ويبدو أن أحد الاخوة الذين حضروا المؤتمر من الولايات المتحدة الأمريكية كان معبرا حقيقيا عن الأهداف المرسومة للمؤتمر حين قال في معرض تقييمه له(أن الشيء المؤكد الذي نجح فيه المؤتمر هو إقناع أميركا بأن لا جدوى من العمل مع معارضة الأحزاب, والحل الأمثل هو تنصيب حاكم عسكري بعد زوال صدام!). ولا ندري ما هو رأي الأخوة في الأحزاب الكردية والمجلس الإسلامي الأعلى على مثل هذا السيناريو الذي يتعارض مع البيان الختامي وتصريحات بعض ممثلي الأحزاب الكردية والمجلس! وإذا كان ما قاله الأخ مازن يوسف وهو من الشخصيات المقربة من الدكتور احمد الجلبي صحيحا, فإن هذا يعني أن هناك صفقات سرية خارج إطار, أو على هامش المؤتمر قد تم عقدها بين ممثل الإدارة الأمريكية وعدد محدود من المشاركين فيه.
ولا بد من الإشارة أن الأسباب الحقيقية لابعاد أحزاب وقوى وشخصيات معارضة عراقية, لها ثقلها السياسي والتعبوي ومكانتها ودورها المشهود على ساحة المعارضة الوطنية العراقية في الداخل والخارج, وفي النضال ضد النظام الدكتاتوري, من المشاركة الجادة في التحضير والإعداد لهذا المؤتمر, كانت لتحجيم دور هذه الأحزاب والقوى, وإمرار المشاريع الأمريكية دون معارضة حقيقية, إلى جانب الدور السلبي الذي تلعبه بعض القوى وخاصة المجلس الإسلامي الأعلى التي تحاول الهيمنة وترسيخ الطائفية المقيتة في بلادنا بغية عرقلة البرنامج الوطني الديمقراطي الذي ينشده شعبنا. ونتيجة لذلك وبفعل الحضور الكثيف للمجلس فقد خرج المؤتمر بشعارات( ديمقراطية) فضفاضة تتعارض في مضامينها مع لائحة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان, وخاصة قيما يتعلق بسن دستور للبلاد.!
&لقد انتهى المؤتمر, وخرج ببيان ختامي ولجنة تضم 65 (معارضا) لمتابعة تنفيذ ما جاء فيه. ومن الجدير بالإشارة أن معظم العراقيين الذين اطلعوا على تلك اللائحة استغربوا, بل استهجنوا ورود أسماء عدد من الشخصيات التي خدمت نظام صدام لعقود من السنين وتبوأت مناصب حساسة فيه, كما كانت قريبة من دائرة صنع القرار. وهناك بعض الاتهامات لها بارتكاب جرائم ضد أبناء شعبنا وخاصة في كردستان, وأثناء وبعد انتفاضة الشعب الجبارة عام 1991. لقد ترك هؤلاء النظام بعد أن شعروا أن سكين الشعب الحادة قد اقتربت من رقابهم, قبل سكين صدام, وليس بسبب معاداتهم لنهج النظام وسياسته كما يدعون!
وفي ظل هذه الأجواء والوعود الكبيرة التي خرج بها المؤتمر, يستوجب على الجميع( معارضة الستة والمعارضة الوطنية المغيبة) السعي ويمسؤولية عالية للقيام بحوارات سياسية ومشاورات جدية من أجل عقد لقاء واسع بينها والخروج بأفضل الصيغ لخدمة طموحات شعبنا ووطننا ومن اجل التغيير الديمقراطي الذي يضمن الحقوق والحريات لجميع أبناء شعبنا دون تمييز أو تفضيل. وعندها فقط سينقشع الضباب الذي خيم على مؤتمر لندن وتثبت مصداقية قراراته!
&