نضال حمد
&
النرويج من أكثر بلاد العالم تمسكا بالأساليب الديمقراطية وبالحرية الفردية والصحافية, فيها يمكن للاجئ السياسي الهارب من قمع الحريات والرأي في بلاده, إمكانية إعادة الانطلاق بالحياة من جديد. كما أن قوانين البلد التي تراعي إنسانية الإنسان المضطهد والمقموع في بلاده التي لم تزل في عهد عاد وتحكمها حكومات أو أفراد من أشباه نيرون وهيلاسي لاسي وبوكاسا. لذا تجد أن معظم اللاجئين يفضلون اللجوء في النرويج على غيرها من الدول الأوروبية.
يعيش في النرويج أكثر من نصف مليون مواطن ومهاجر ولاجئ من أصول أجنبية, يتوزعون على معظم مناطق البلاد, مع خصوصية للعاصمة أوسلو حيث يقيم معظم هؤلاء. من السهل أن تجد بعض الأحياء في أوسلو ذات غالبية أجنبية, مثل "غرونلاند" و"ستوفنر" و"هولم ليا", هذه الأخيرة تعتبر الضاحية الأكثر كثافة سكانية في أوسلو, إذ يوجد فيها تنوع ثقافي وديني ولغات وناس و بشر من أكثر من 150 جنسية مختلفة.
في هذه البلاد التي تحترم نفسها وشعبها وساكنيها والمقيمون فيها, يحق للأجنبي الذي مضى على سكنه في بلدية معينة مدة ثلاث سنوات أن يشارك في الانتخابات البلدية, على الرغم من أنه لا يملك الجنسية النرويجية. بينما في بعض الدول العربية لا يحق للفلسطيني العمل أو التملك أو الوراثة ويعامل كأجنبي على الرغم من ولادته وعمله وتعلمه وحياته في تلك البلاد. وكنت أنا اللاجئ الفلسطيني, مارست العملية الانتخابية الديمقراطية لأول مرة في حياتي كساكن في أوسلو قبل 6 سنوات, حيث انتخبت من أريد في انتخابات بلدية أوسلو. ثم كمواطن نرويجي العام الماضي خلال انتخابات البرلمان. لكن شتان ما بين النرويج وبلادنا العربية التي تحتاج لعشرات أو مئات السنين حتى تعود لماضيها الذي مضى, حيث كان العدل والأنصاف في أزمنة عربية ذهبية ماضية.
&بلغ مجموع اللاجئين الأجانب الذي وصلوا إلى النرويج حتى نهاية نوفمبر من العام الحالي ما مجموعه16261 لاجئ من دول وأمم مختلفة ومنوعة. فمن أوروبا وصل عددهم إلى 6857 ومن أفريقيا 3750 ومن أمريكا 38 فقط, أما من آسيا فقد بلغ العدد 5155 بالإضافة للاجئين الذين يطلق عليهم صفة بلا وطن أو بلا جنسية - اللاجئ الفلسطيني مثلا- حيث يعرف في النرويج بإشارة - xxx- هؤلاء بلغ مجموعهم 461شخصا. أما العدد الأكبر من اللاجئين من دول الجامعة العربية هذا العام, كان من الصومال 1808 وتليها العراق 1595 ثم الجزائر 372 وليبيا 115 وسوريا 105 والبقية توزعت على باقي الدول العربية الأخرى بما فيها السعودية 2 والكويت 1. وكذلك هناك 31 لاجئ من الكيان الإسرائيلي. كما أنه حصل خلال العام الماضي 14766 شخصا على حق الإقامة عبر قانون جمع ولم الشمل. تجدر الإشارة انه يوجد لغاية يومنا هذا في النرويج 138 مركزا لاستقبال وتجميع اللاجئين والمهاجرين توزعت على كافة مناطق البلاد.وتقر السلطات النرويجية بحاجتها لأعداد من اللاجئين من اجل ملء الفراغ السكاني في شمال البلاد بالذات. لكن المشكلة تكمن في أن اللاجئين لا يريدون السكن في تلك المناطق النائية والباردة. ومعظمهم يفضل السكن في أوسلو وضواحيها.
&التاريخ النرويجي مع اللاجئين ليس ناصع البياض في كل فتراته, خاصة مع اللاجئين الفلسطينيين بحيث ترفض النرويج إعطاءهم حق الإقامة, ثم أنها إن فعلت ذلك فتفعله بالقطارة أي بالتقطير. ومن يحصل على هذا الحق يكون بعد جهد جهيد وعذاب مرير وانتظار طويل باستثناء قلة من المحظوظين. ولا يوجد لدى السلطات النرويجية تفسير مقنع حول إعطائها حق اللجوء للفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة ورفضها الاعتراف بلاجئي لبنان وسوريا والأردن ومصر من الفلسطينيين. مع أن لهؤلاء أيضا مشاكلهم الكثيرة.
&من الصعب على الإنسان فهم السياسة النرويجية المتبعة مع اللاجئ الفلسطيني. لأنها لا تعترف بالفلسطيني اللاجئ كمواطن فلسطيني, بل يقول أنه بلا وطن, ومن هو بلا وطن لا يوجد عنده مشاكل مع حكومة وطنه مادام هذا الوطن غير موجود. يعني أنت بلا وطن أي بلا مشاكل سياسية وعرقية وملاحقة, مع أن اللاجئ الفلسطيني يمضي حياته من بداية تكوينه في أحشاء أمه ومن ثم ولادته فحياته قهرا وشقاء وعناء ومكافحة ن أجل الوطن, بينما الذي ساهموا في إلغاء وطنه وحقه بالوطن من أجل ضحاياهم يقولون له أنت بلا وطن. هذه النظرية الغيبية والغبية كانت موجودة قبل اتفاقية أوسلو" لسلام الشجعان" بين الفلسطينيين والإسرائيليين, لا أعرف أن كانت لازالت مستمرة لغاية الآن. شخصيا واجهت تلك العقبة يوم تقدمت بطلب الإقامة هنا. وسمعت هذا الكلام من السلطات المختصة وجادلتهم به لكن دون فائدة. حسب معرفتي يوجد في النرويج ثلاثة فقط من الفلسطينيين الذين حصلوا على اللجوء السياسي, توفي أحدهم العام الماضي فبقي اثنان.
&من المحطات المظلمة في تاريخ اللجوء في النرويج, أيضا هناك الفترة التي شهدت هجرة مئات المقاتلين الفلسطينيين من تونس والجزائر إلى النرويج, وكانت أبان حرب الخليج الثانية في العام 1990 حيث استدعت المخابرات والشرطة النرويجي جهاز الموساد الصهيوني للتحقيق مع الفلسطينيين. وسوف تبقى تلك النقطة سوداء في جسد السياسة النرويجية البيضاء, لتتلاقى مع نقطة جديدة أيضا سوداء, أضيفت قبل أيام قليلة لسجل دائرة اللجوء و الهجرة.
فحتى في مثل هذه البلاد تحدث أحيانا مفاجئات من العيار الثقيل, أما يكون سببها الجهل والاستهتار من قبل القائمين على العمل المعين أو نتيجة سياسة حمقاء يتبعها بعض الحمقى من القائمين على بعض مؤسسات الدولة. وقنبلة الموسم الحالي التي أحدثت انفجارا قويا ومدويا في النرويج, كانت قضية توزيع سترات معينة وخاصة بلون معين ومحدد على كافة اللاجئين الجدد في البلد. وقد اتخذت دائرة شئون اللاجئين في النرويج المعروفة ب"UDI" قرارا بهذا الشأن. ينص على أن كل لاجئ يجب أن يحصل على سترة غامقة مميزة بخط برتقالي على الكتف. وبناء عليه قامت السلطات المختصة بشراء آلاف الستر من النوع المخصص للاجئين في مراكز التجمع التي تؤويهم بانتظار البث بقضاياهم. على الرغم من معرفة المعنيين أن مثل تلك القضايا تستمر دراستها لأشهر طويلة وأحيانا لسنين عدة. هنا تكمن المهزلة أو الجهل في القرار, إذ كيف لهؤلاء أن يقضوا تلك الأشهر أو السنوات من الانتظار وهم يرتدون اللباس الموحد الذي يذكرنا بصين ماو تسي تونغ, والساحة الحمراء في موسكو أيام الاحتفالات بأعياد الثورة البلشفية. هذا إذا أخذنا الأمر من ناحية عادية, أما من الناحية الأخرى فأن اللباس الموحد يقودنا فورا إلى المعسكرات النازية والمعتقلات الجماعية حيث كان المعتقل يعج بالأسرى والمعتقلين الذين يرتدون اللباس الموحد, كما يذكرنا نحن أبناء فلسطين بمعسكرات الاعتقال الجماعي الإسرائيلية الشبيهة بمعتقلات النازية أبان الحرب العالمية الثانية في أوروبا. ومجرد التفكير بهذا يجعلنا نلوم القرار والقائمين عليه, لأنهم أكدوا أنهم ليسوا إنسانيين لدرجة تجعلهم يعملون في دائرة الهجرة واللاجئين.
وقد أحسن فعلا مدير أحد المراكز التأهيلية التي يتجمع فيها عدد من اللاجئين حين رفض توزيع السترات على سكان المركز. وقد برر السيد "هارالد نيسيث" مدير مركز" ليير" للاجئين قرب أوسلو- مخصص للاجئين من أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفيتية سابقا-, قراره بأنه من المؤسف جدا أن يتم تمييز اللاجئين بهذه الطريقة بحيث يعرف الناس من هو اللاجئ من خلال لباسه. لذا لن يتم توزيع الستر على اللاجئين في المركز المذكور.
أما الناطق باسم دائرة اللاجئين آري ساورين فقد أعتبر الموضوع عائدا لدوافع اقتصادية فقط.
هنا بالضبط يؤكد المسئول المذكور أنه والمسئولين عنه في تلك الدائرة تصرفوا بشكل غبي وغير مسؤول وبدون مراعاة مشاعر اللاجئين ومن يعمل معهم في مراكز التجميع والانتظار. أن المنطق يقول بأن الدولة يجب أن تتصرف كدولة وتوقف هذا التصرف الشاذ, وتقوم بمحاسبة المسئولين عنه. ومن خلال تجربتي الشخصية في بعض مراكز اللاجئين في النرويج فأن اللباس الموحد الذي قد يفرض على اللاجئين في نرويج حكومة اليمين الحالية, قد يؤدي لمشاكل وعواقب وخيمة, البلد في غنى عنها وليست بحاجة لها البتة. فصورة النرويج جميلة وليس من العدل تقبيحها بهذه الصبيانية الغبية.
تعتبر النرويج من الدول المحببة والمفضلة لطالبي اللجوء السياسي والإنساني بحكم ثقافتها المتسامحة ونظامها الديمقراطي ومستوى الحياة الجيد فيها. لكن بعدها وموقعها الجغرافي يجعلان الوصول أليها صعبا. فلكي يصل المرء إلى النرويج عليه التوقف بمحطات أخرى في دول أوروبية أخرى. لأن حركة الطيران مباشرة بين النرويج ودول العالم تعتبر معدومة ولا يوجد غير القليل من الخطوط المباشرة بين النرويج وبعض دول العالم, بالأخص دول أوروبا. وبما أن اتفاقيات اللجوء تنص على أن اللاجئ يجب أن يقدم طلب اللجوء في أول دولة يصلها على شرط أن تكون تلك الدولة من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لمنح اللجوء. فأن معظم المهاجرين أو اللاجئين يضطرون لتقديم لجوئهم في دول أخرى وقبل أن يتمكنوا من الوصول إلى النرويج.
على السياسة النرويجية أن تكون أكثر انفتاحا على اللاجئين وأن تراعي الشعور الإنساني والشخصي لكل من يقيم أو يلجأ مؤقتا لمراكز التجميع. فقرار غبي كالذي اتخذ حول السترات المميزة التي تميز اللاجئ عن غيره من سكان البلد. يعتبر قرارا عنصريا حتى لو كان الذي اتخذه غير عنصري, فيكفي الغباء لتصبح النتيجة سوداء وشديدة الوقع على الناس داخل وخارج جدران مراكز تجميع اللاجئين والمهجرين في النرويج.