يحي أبوزكريا
&
تزامن تخرجه من كلية الصحافة مع انطلاقة المشروع الديموقراطي في وطنه وبداية التعددية السياسية, ولأنه من جيل الشباب أو جيل النكسة فقد كان شديد الحماس للعمل الصحفي من جهة وللمشروع الديموقراطي من جهة أخرى. وأنضم فور تخرجه من الجامعة الى جريدة الحقيقة كي يساهم في نشر الحقائق التي ظلت مخفية عن الناس عقودا تلو العقود لم تسد فيها الا الحقيقة الوحيدة حقيقة السلطة القائمة.&وأصبح صاحبنا الذي لا يريد أن يذكر اسمه ضمن هيئة تحرير الجريدة وكان مكلفا بالملفات السوداء ورجالات العهود السابقة الذين بينهم وبين رجالات العهد الجديد أوشج العلاقات وأمتنها. وكان رئيس التحرير على الدوام يشجعه ويدفعه باتجاه المزيد من العطاء الصحفي والمزيد من الاستكشافات في مجال رجالات العهود السابقة وحتى الراهنة مادامت الديموقراطية سيدة الموقف. وعندما كان صاحبنا يسأل رئيس التحرير عن سر اهتمامه بما يكتب كان يجيبه بأنه زمن الديموقراطية والشفافية وكشف المستور وانصاف الامة المخدوعة دوما برجالات القرار فيها.
أما مدير التحرير فقد أعطى الضوء الاخضر لكي تنشر كل مقالات صاحبنا وفي الصفحة الاولى أحيانا, و كان على الدوام يعتبر مقالات صاحبنا رمز المرحلة الديموقراطية الراهنة, وبدوره فان سكرتير التحرير كان يعطي الاولوية لموضوعات صاحبنا, حتى عجب صاحبنا من هذا الاهتمام المتزايد. ودفعه حماس مسؤوليه الى الكر والفر في مجال كشف خبايا السلطة وزواريبها وطرقها الملتوية ورجالاتها التجار و كيفية أدائها لمختلف الادوار حتى تلك المتناقضة منها. وكتب صاحبنا عن المثقف والسلطة, الدبابة والمسجد, العسكريتاريا والديموقراطية, الفقهاء والسلاطين, رجال المخابرات ورجال الصحافة, أئمة السلطة وسلطة الائمة.
كتب صاحبنا عن رجال المخابرات الذين أطلقوا لحاهم وأرتدوا الجلابيب,& وظل يكتب ويكتب و لم يكن يدري على الاطلاق أن كل ذلك كان بايعاز وتحت الرصد والمراقبة. وأنقضت سنوات وصاحبنا يتميز بنفس الحماس وفجأة قرر رجال القرار تغيير الثوب واللجوء الى لعبة جديدة, باعتبار أن السلطة عندنا تعتمد على اللعب والمناورة لا على المؤسسات. وتقرر اسدال الستار على المشروع الديموقراطي و فرض حالة الطوارىء.
وبموجب حالة الطوارىء أستدعي صاحبنا الصحفي في جريدة الحقيقة الى الدائرة اياها -الاستخبارات بصريح العبارة- وعندما دخل الى غرفة التحقيق ذهل صاحبنا وألمت به الدهشة عندما شاهد رئيس التحرير ومديرالتحرير وسكرتير التحرير.
فسألهم بتعجب هل أستدعتكم دائرة المعلومات في جهاز الاستخبارات أنتم أيضا؟
وهاهنا أطلق الثلاثة ضحكات وقهقهات مدوية لم يجد لها صاحبنا تفسيرا, وبعد أن هدأ الضجيج قال الثلاثة لصاحبنا ؛نحن ضباط في جهاز الاستخبارات, ونحن هنا لنستمع الى أخر أقوالك,&وهنا قال رئيس التحرير أو ضابط الاستخبارات لا داعي للانكار, فالمسودات والمخطوطات كلها معنا وفي متناول ايدينا من أول مقالة الى اخرها وهي المقالة المتعلقة بالمعتقلات والاغتيالات المضادة.
وهنا أخذ صاحبنا يقهقه ويقول يا لها من حقيقة من جريدة الحقيقة, ان ما أراه يكشف عن سر الديموقراطية والعجيب أن السلطة وحسب مقتضيات مصلحتها تجنح الى نقد نفسها و بأدوات تضعها هي تبريرا للمرحلة وتكريسا للخطة.
ان ما أراه - قال صاحبنا- يكشف عن الكثير, فالوضع برمته ملغوم والكمائن في كل مكان, لكن قبل أن أحال حيث الصراصير والذباب دعوني أكتب مقالي الاخير, وهنا قال رئيس التحرير أو ضابط المخابرات وماذا سيكون عنوانه وهنا رد صاحبنا الصحفي بلوعة وحزن وأسى, طبعا سيكون عنوانه ؛حقيقة الديموقراطية في أوطاننا.