مونتيفيديو- هنري اوريغو: حقق اليسار في اميركا اللاتينية في العام 2002 في البرازيل احد اهم انتصاراته الانتخابية تاريخيا، تحت ضغط ازمة اقتصادية قوضت التقدم الطفيف الذي حققته الليبرالية الجديدة خلال العقد الفائت.
وتمكن العامل السابق في صناعة التعدين لويز ايناسيو لولا دا سيلفا، خلال معركته الانتخابية الرابعة للرئاسة في 27 تشرين الاول/اكتوبر، من الحصول على 52 مليون صوت، وهو مستوى لم يسبق لليسار ان سجله في بلد غربي.
وبعد شهر من ذلك، اضيف الى ذلك الانتصار الذي حققه في الاكوادور الكولونيل السابق لوسيو غوتيريس، الذي ايد قبل عامين عصيان السكان الاصليين الذي قاد الى قلب نظام الرئيس السوري الاصل جميل معوض.
وفي المقابل، فان الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي حصل على دعم اليسار الاميركي اللاتيني، واجه طيلة العام معارضة نجحت في اقصائه عن السلطة 47 ساعة في انقلاب في نيسان/ابريل الماضي، ثم عادت في مطلع كانون الاول/ديسمبر وبدأت اضرابا عاما مفتوحا لدفعه الى الاستقالة.
ورغم ان الرؤساء الثلاثة من اليسار، فانهم يختلفون في مقارباتهم السياسية. ويقول المرشح اليساري السابق الى الانتخابات الكولومبية لويس ادواردو غارسون ان "شافيز يتمتع بصفات الزعيم السياسي. لولا يعبر عن حزب قوي ومستقر، في حين يشكل غوتيريس رد فعل على غياب المرجعيات السياسية".
وفي الجانب الاخر، وجد زعيم القارة المخضرم، الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، الذي يتمتع بصداقة شافيز وبتقدير لولا، نفسه خارج اللعبة قليلا مع هبوب رياح ديموقراطية على اوساط اليسار منذ نهاية الحرب الباردة.&وحقق اليسار تقدما في الانتخابات في بوليفيا وكولومبيا.
وحصل ايفو موراليس، الزعيم البوليفي للسكان الاصليين ولمزارعي الكوكا، على 21،1% من الاصوات في 30 حزيران/يونيو وخاض السباق الى الرئاسة، لكن الغلبة كانت للمحافظ سانشيز دو لوزادا.
وفي كولومبيا، نجح لويس ادواردو غارسون، وهو عامل سابق مثل لولا، في احتلال المرتبة الثالثة في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية في 26 ايار/مايو. وابرزت هذه الانتخابات قوة اليسار الذي عانى كثيرا بسبب الاغتيالات التي شملت خمسة الاف من قادته طيلة 15 عاما، والذي بدا وكانه يلعب دورا رديفا لحركة التمرد التي تتجه اكثر فاكثر نحو الخيار العسكري.
وليس للفوز الكبير الذي حققه لولا وحزب العمال الذي يتزعمه ما يضاهيه سوى فوز الاشتراكي التشيلي سلفادور الليندي، الذي كان فوزه في ايلول/سبتمبر 1970 قد عزز التطلعات الى تحقيق الثورة عن طريق صناديق الاقتراع وليس عن طريق السلاح.
ولكن وبخلاف الليندي، اعتمد لولا سياسة تقوم على الجمع بين مختلف اقطاب السياسة والاقتصاد. فاعتمد على فريق مكون من رؤساء شركات - ومن بينهم اختار نائبه جوزيه الينكار - وشخصيات ممثلة لليمين والوسط، مع ضمان دعم الجيش، في مقاربة اشبه بالتي اعتمدها الرئيس التشيلي الحالي الاشتراكي ريكاردو لاغوس.
ويحكم لاغوس، الذي يدير منذ اذار/مارس 2000 اقوى اقتصاديات المنطقة، باسم تجمع كبير من اليسار الوسط الذي وصل الى السلطة قبل 12 عاما مع العودة الى الديموقراطية، ويضم بشكل خاص الاشتراكيين والديموقراطيين المسيحيين.
وبعد الحنكة التي ابداها في التعامل مع قضية محاكمة الدكتاتور السابق اوغوستو بينوشيه، وفي ابقاء الاقتصاد بمنأى قدر الامكان عن الاضطرابات التي تشهدها الارجنتين المجاورة، يتعين على لاغوس ان يبرهن الان على مزيد من المرونة السياسية حتى يتمكن من مواجهة اكبر فضيحة فساد يواجهها الحكم المتعدد الاقطاب.
وعلى العكس من ذلك، يبدو اليسار عاجزا في الارجنتين عن استقطاب غضب السكان لتجميع اصواتهم اذ تبدو فرصه قليلة في تشكيل قوة بديلة خلال الانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل 2003.
ويبدو لولا، على راس دولة كبيرة تضم 160 مليون نسمة، 54 مليونا منهم من الفقراء، الخيار الوحيد الذي يملكه اليسار لتقديم حل للمشكلات الكبيرة التي تعاني منها المنطقة حيث يعيش 221 مليون انسان في فقر مدقع (44%)، وفق تقديرات اللجنة الاقتصادية لاميركا اللاتينية (سيبال).
وقد اقر لولا بذلك في 10 كانون الاول/ديسمبر، بقوله ان على البرازيل ان "تساهم ليس في تنمية اميركا الجنوبية فحسب، وانما في الحفاظ على السلام، وفي مكافحة الاتجار بالمخدرات وخصوصا مكافحة الفقر".