بغداد بلد السحر والجمال وخيال الإبداع والثراء على امتداد الحقب التاريخية، قصص ألف ليلة وليلة، وعلي بابا والأربعين حرامي، حيث الكنوز المكدسة بالذهب والفضة والجواهر والحلي.. بغداد عصر الرشيد، وبغداد عصر المقتدر بالله في أوائل القرن العاشر الميلادي ، حيث استغنى هذا الخليفة عن زراعة النخيل والكروم والأشجار الحية الخضراء، لقد بلغ به الثراء أن شيد له حدائق من النخيل وأشجار الفاكهة، والورود والأزهار من الفضة والذهب والزمرد والياقوت، وعليها الطيور والعصافير من الذهب والفضة تغرد وتصفر وتحاكي الحية ذات الأرواح، وأقام هذا الخليفة بحيرة عليها ثلاثون فارسا يمتطون خيولهم ويرتدون أجمل الثياب وتتحرك الخيول في استعراض بديع مع فرسانها.. بغداد لم تشتك من فاقة ولا جوع إلا بعد أن نهب خزائنها لصوص العصر.. رجالهم ونساؤهم وأبناؤهم، ونهبت خزائن بغداد قبل أن يأتي الحصار مشجب المعاذير الأخيرة.. وكما نهبوا خزائن بغداد نهبوا دولة كاملة بأموالها الرسمية والشعبية وأباحوا كل شيء وما تعذر حمله دمر وأحرق.. رغم ذلك تشكو بغداد من الفقر بعد أن نهب كل شيء.
? سيدة العرش الأولى:
اتصلت السيدة (س) الأولى ساجدة هاتفيا طالبة من وزير المالية أن يحضر إليها حالا عداً ونقداً مليون دينار عراقي أيام هيبته وقوته بين العملات الرنانة، لما كان هذا الدينار من العملات الصعبة النادرة، وقالت إنها سوف تتبرع بالمليون دون تأخير علما أنها "أبخل من الحجامة".
وزير المالية: نعم مولاتي، مليون؟ يا سيدتي العظيمة كيف أصرف هذا المبلغ بالتلفون.. هذا المبلغ لا يدخل ضمن صلاحياتي فلابد من الرجوع إلى مولاي وسيدي القائد المنتصر بالله حفظه الله تعالى وأبقاه.
غادر وزير المالية لكي يستأذن رب المال في جمهورية العجائب، وتوجه نحو القصر الجمهوري ليشرح مشكلته وقد يتلقى من الرئيس كتابا أو شيكا بناء عليه يتم صرف المليون وقبل أن يطأ عتبة المقر الرسمي لرئيس النظام سمع من "الراديون" إعفاءه من منصبه، ولكي لا تغضب سيدة العرش العراقي ولا يطلب المال من جهة رسمية، أصدر صدام أمرا (ثوريا) يقضي بإنشاء دائرة مالية في (قصره) فيها غرف نوم مشحونة بأكياس وكراتين وصناديق من أنواط نقدية بعملات العراق والدولارات وجميع العملات الصعبة.. كل ذلك حتى لا تتعثر الأوامر على أصحاب وصاحبات العرش، هكذا نقل البنك المركزي إلى القصر.. الله يكون بعون الشعب العراقي.. (المرجع: فندق السعادة، حكايات من عراق صدام حسين) تحت عنوان الصبر من صفحة ..63 مع التصرف.. الكاتب الدكتور جليل العطية.. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في الكويت 72 ـ .1977
واختتم باب الصبر بقوله: صبر أيوب عرف كناية عن الصبر الطويل على الأذى الشديد وصبر الشعب العراقي هو صبر القرون كلها.. والقائد الضرورة يطالب الأمهات اللائي فقدن أولادهن في حروبه ومغامراته بترديد الزغاريد فرحا بذهاب أبنائهن لمحرقة القادسية ويقول العطية إن المطربة الراحلة أم كلثوم تقول (للصبر حدود) و(الحدود) كانت ذريعة العدوان على الجارتين إيران والكويت.
? سيدة العرش الثانية:
وهي (س) الثانية.. حفلات الأنس والدق والطرب في منزل ضابط صغير (م. الصفي) يعمل في الحماية الشخصية، زوجته ذات حسن ودلال وجمال، الموسيقى والصخب والشراب واللهو حتى الصباح، بينما الحرب العراقية الإيرانية تحصد الشعبين.. على أثر هذه الحفلة رقي (م. الصفي) إلى رتبة عقيد، وأرسله الرئيس القائد إلى دورة خاصة إلى الدول الاشتراكية لعدة شهور.
اتسع بيت الضابط إلى قصر منيف قرب المطار إنها لمكرمة رفيعة من السيد الرئيس.. استدعاه يوما لحفلة كبرى سوف تتحدث عنها بغداد حديث العجب العجاب.
الرئيس: سأكون ضيفك.. وأريدها حفلة خيالية في ليلة ليلاء، تنسيني الحرب الطاحنة.
تم الاتصال بالسيدة (م) المسؤولة عن الاتحاد النسائي العربي الاشتراكي.
ـ سيدتي اختاري أجمل بنات ونساء بغداد..
ـ ولكن كيف الحال والأرامل كثيرات وجثث قتلى الحرب في كل حي؟
ـ هذه تعليمات السيد الرئيس.
ـ أمر.. وطاعة.
عقدت الحفلة الصاخبة ودارت الخمور في الرؤوس، الموسيقى الصاخبة تصدح، والرئيس يتنقل بين أعضاء الاتحاد النسائي الاشتراكي العربي، ووسط الردح والرقص الغربي والشرقي تحلقت النساء حول السيدة (س) لقد أغمي عليها، إما حقيقة، أو لعبة اتفقت عليها مع السيد الرئيس، انحنى عليها وأخذ يداعب خديها، فتفتحت عيناها مع ابتسامة ناعسة، الله أكبر إنها يد الرئيس الحانية الشافية، إذن لم تكن إغماءة الموت.. إنها (س) زوجة م (الصفي).
ـ شعرت يا سيدي بيدك الحانية الدافئة وكأنها تدخلني الجنة.. بهمس ورومانسية جذبها السيد الرئيس من يدها وانفرد بها في حجرة جانبية، وفي هذه الخلوة اتفقا على كل شيء.
شكا صدام من زوجته (النسرة) الطماعة مكدسة الأموال وحمالة الذهب.
ـ السيدة (س): وماذا عن زوجي؟
ـ سأرضيه بالأموال والترقيات والدراسة في الخارج والسياحة.. هكذا حتى منح الزوج صلاحيات الوزراء.
السيدة (س) هذه نزعت من زوجها لتكون سيدة العرش الثانية (سميرة الشاهبندر) أم علي صدام حسين. (المرجع السابق د. العطية ـ فصل الزوجة الثانية) ـ مع التصرف ـ صفحة 35 ـ .38 هكذا نهبت خزائن بغداد لأول مرة في التاريخ.