* هل يصلح (العطار) الديموقراطي ما افسده الدهر من ديموقراطية العود عبدالله السالم؟
لندن -ايلاف: باستقالة نائب الكويت "المعمم" الوحيد في البرلمان حسين القلاف فان الجدالات بدأت تطفح على سطح الحال التشريعي والسياسي في الكويت وهي الدولة الأقدم ديموقراطيا وبرلمانيا في الساحة العربية.
وبغض النظر عن الاتهامات التي كالها القلاف لزملاء العمل التشريعي ضد كل الاطياف السياسية التي تمثل البرلمان، الا انها تظل "صفارة انذار ملغومة" تفجر قضايا كثيرة، لا بد من مواجهتها في اسلوب ديموقراطي سليم.
لقد عانت دولة الكويت منذ استقلالها العام 1960 كثيرا، وهي تحملت تبعات انفتاحها السياسي وتكتاثرت عليها الضغوط من الجوار للحد من مسيرة الاصلاح، فتعرض مجلسها البرلماني الى الحل او التعليق لفترات في سنين عجاف متباعدة.
ومن بعد لبنان فإنه يذكر لدولة الكويت الصغيرة المتربعة على كتف الخليج الشمالي انها كانت المستضيف الأهم لحركة القوميين العرب التي كانت منابرها في الجامعة الاميركية في بيروت في اربعينات خمسينيات القرن الفائت.
وهي كانت الأرض التي ترعرعت فيها حركة الثورة الفلسطينية في الستينيات، وكانت الى جانب البحرين الدولة الخليجية التي لجأ اليها الناصريون في التعبير عن طموحات المد القومي في مواجهة آخر ايام الاستعمار البريطاني في الخليج.
واذ مرحلة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات شهدت نموا ملحوظا للحركات التي الاسلامية (المتناقضة) على نهج طائفي، فإن ساحة الكويت كانت اول من شهد هذا الصراع الطائفي (شيعة وسنة)، ولهذا، فأنها دفعت ثمنا كبيرا حين انتصرت الثورة الاسلامية في ايران.
الثمن الكبير
وهي دفعت الثمن الأكبر خلال خلال سني الحرب العراقية الايرانية، فكل واحد من الدشمتين الكبيرتين طهران وبغداد، كان يضع عينه على الكويت على اعتبارها خط الدفاع الثاني له.
واذ غزا الرئيس العراقي صدام حسين، الجار الحليف، عاشت الكويت بديموقراطيتها وشعبها ومالها وأخضرها ويابسها اصعب ظرف ممكن ان تعيشه دولة وشعب لأكثر من عقد ولا تزال تداوي جراحها وتلعقها.
صحيح ان الكويتيين عادوا بعزم مكلوم الى وطن محروق في العام 1991 ، واذ مرت احدى عشرة سنة في المحاولة فانه يبدو ان الجرح كان عميقا، وان الهوة تزايد اتساعا رغم محاولات الاطباء ونطسهم الذي لم يعافي الحالة.
قلوب مليانه
وقد تتناسى الكويت خسارتها البترولية بمئات المليارات "فالمال يأتي"، وقد تشكل حكومة اثر حكومة فالرجال موجودين والكفاءت ايضا، ولكن الذي واضح انه يفرض نفسه على هذه الساحة الصغيرة هو "انها ليست رمانة بل قلوب مليانة" والشاهد على ذلك ما يجري تحت قبة البرلمان الذي لازال ممهور قيامه بمداد قلم امير الاستقلال الراحل الشيخ (العود) عبدالله السالم الصباح.
الكلام في الاسبوعين الاخيرين كويتيا تكاتف وتكاثف عبر الديوانيات التي هي سمة ديموقراطية الكويت وثقافتها التقليدية وعبر صفحات الجرائد التي حققت اهم حرية عربية، كان حول جلية انشاء التجمع الوطني الديموقراطي، الذي هو نتاج تزاوج تاريخي بين جيل عريق مخضرم من بناة العمل القومي الصادق المخلص الذي لم يشذ بعيدا عن المصلحة الكويتية اولا ثم الالتزام بقضايا الامة وبين جيل الشباب المتحمس (ديموقراطيا) لـ(الكويت اولا).
هذا التجمع الديموقراطي كما يعتقد محللو السياسة الكويتية العارفون بأنه امر مشروع ولا يمكن لأحد الا ان يباركة خدمة للمسيرة وتقويم حدب ظهرها واهترائه لحمها الذي بدأ في التآكل من ضربات سنوات السوء والتراجع وتنامي الداء التشددي الوبيل على منحى ديني.
شاهدان من اهله
ولعل ما يمكن الاشارة اليه في مرجعية الكلام عن التجمع الوطني الديموقراطي الكويتي هو ما شهد به شاهدان من اهل البيت الديموقراطي العريق كويتيا وقوميا، فعبداللطيف الدعيج وصاحب "والله من وراء القصد" (شيخ كتاب الاعمدة في الكويت) محمد مساعد الصالح.
فالدعيج والصالح اضافة الى كثيرين ادلوا بدلائهم في التحليل والنقد والتشريح حول قيام التجمع الذي معلق عليه آمال ببناء مداميك الديموقراطية اولا ومن ثم استعادة الثقة في نفس الانسان الكويتي وخصوصا الاجيال الجديدة.
هذه الاجيال التي نفسيا وسياسيا ضاعت في معامع الحرب مع الجوار والشتات في الغربة سواء بسواء في ارض الوطن هذا فضلا عن ضياع اموال صندوقها بسبب الفساد والسرقة والنهب على ايدي مسؤولين كبار استغلوا غفلة الغزو ونتائجها فعاثوا في اموال الاجيال فسادا وسطوا.
العودة الى الجذور
والكويت الحكم والحكم والمحكومين يعشون هم العودة الى الجذور التي رسخها الشيخ العود الراحل عبدالله السالم، فإن التجمع الوطني الديموقراطي في المسعى الى تأكيد حقيقة وجوده تلاقي مباركة كاملة وتشجيعا كبيرا.
والى هنا يقول عبد اللطيف الدعيج الآتي: ( لا يمكن لأي مهتم بالعمل الوطني إلا ان يبارك انشاء "التحالف الوطني" وان يشد على أيدي اعضائه. فنحن اليوم وفي ضوء الهجمات الرجعية المتواصلة في حاجة الى رص صفوف القوى الوطنية الديموقراطية، والى ارساء قواعد تقدمية ووطنية للعمل السياسي. إلا انني لا أملك ايضا الا ان ألاحظ ان التحالف لا يزال اسير الأفكار الرجعية السابقة، ورهين المسلمات التي أدت الى خراب الوضع الوطني الديموقراطي.
كلهم طيبون
أولاً.. كل الناس وطنيون.. من احمد بشارة الى محمد طبطبائي الذي يهاجم الفن والفنانين.. من موضي الحمود الى كل من يريد للمرأة ان تتقاعد في البيت قبل أو بعد عشر سنوات عمل. لذا فإن اضفاء صفة الوطنية على التحالف هو تحصيل حاصل، هذا رغم قناعتنا بأن الكثير من القوى هنا هي قومية أو اسلامية أو أممية الاتجاه، بمعنى انها تضع المصلحة القومية أو الدينية أو الأممية أو حتى العالمية "العولمة" قبل المصلحة الوطنية.
إلا ان هذا ما كان يجب وليس مبرراً حقيقياً لاختزال اسم التحالف. لأن هذا يخفي أو يقلل من أسباب ودوافع الصراع الاجتماعي والسياسي الحالي.. لأن الصراع في حقيقته هو صراع سياسي بين من هو ديموقراطي ومن هو ديني، وليس للوطنية أو غيرها شأن فيه. لذا فإن اسم التحالف كان يجب ان يعلن بخط واضح وعريض وهو التحالف الديموقراطي، اللهم إلا إذا كان "الوطنيون" خجلين من انتمائهم الحقيقي!.
اسير الاوهام
ربما هذه ملاحظة شكلية، ولكن الملاحظة الأساسية والسياسية الأهم تبقى في ان التحالف لا يزال على ما يبدو أسير ورهين الأوهام الوطنية والديموقراطية السابقة، فوفقاً لما تسرب من البيان الأول، فإن التحالف يهدف الى "توحيد العمل الوطني الديموقراطي وحماية المكتسبات الدستورية والدفاع عن الحريات العامة وحماية حقوق الأفراد والمجتمع واشاعة مبادئ الوحدة الوطنية ودعم الجهود الاصلاحية.. وذلك بالتعاون مع نواب مجلس الأمة.." آه من "وذلك" حيث يبدو ان التجمع قد وضع على الأقل ثلاثة أرباع بيضه في سلة مجلس الأمة وفي وقت، مع الأسف، تكشف فيه ضعف مجالس الأمة ووقوفها بشكل تام بمتخلفيها ووسطها وقواها التقدمية ضد المصلحة الوطنية الديموقراطية وضد المكتسبات الدستورية، التي يزعم التحالف الوطني الدفاع عنها..
التحالف ضد من؟
سؤالنا هنا: ضد من يتحالف الوطنيون؟ ومن هو المتعدي الأكبر على المكتسبات الديموقراطية التي التزم التحالف الوطني بالدفاع عنها؟!
هل هي الحكومة أم مجلس الأمة من وافق على استمرار كل القوانين المتخلفة المتعارضة مع الدستور.. من اصدر المادة 35 الخاصة بتقييد حرية الرأي؟ هل هي الحكومة أم مجلس الأمة من اصدر قانون التمييز في الديانة بين المسلم وغير المسلم في التجنيس؟ هل هي الحكومة أم مجلس الأمة من أصدر بعد ذلك التمييز في التوظيف بين المسلم وغيره.. هل الحكومة أم مجلس الأمة من منع الاحتفال والغناء؟ هل الحكومة أم ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الأمة من بارك التمييز والتسيب والفساد في الجهاز الوظيفي قبل أيام.. وهل.. وستين ألف هل؟).
امر مشروع
ومن جانبه يعلق محمد مساعد الصالح بالقول (التحالف بين المنبر الديموقراطي والتجمع الوطني الديموقراطي امر مشروع تلجأ إليه التنظيمات والتجمعات السياسية في الانتخابات العامة.. وأحياناً يكون التحالف بين مجموعة متعارضة في الافكار، ولكنها تلجأ الى التحالف المرحلي المؤقت لخوض معركة الانتخابات فقط، كما حدث في مصر في التحالف بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد.. وفي التحالف بين الإخوان وحزب العمل.
ويبدو ان تجمع المنبر والوطني الديموقراطي قصد به خوض معركة الانتخابات ضد القوى والتحالفات الإسلامية المسيطرة على مجلس الأمة الحالي، ومن غير المستبعد ان يكون لها وجود أقوى في مجلس الأمة المقبل نتيجة المستجدات التي تحدث في المنطقة،
وإذا لم تنشط القوى الأخرى.
ايمان بالليبرالية
ومن واقع ما هو مسجل في ورقة التحالف بين الجماعتين من إيمان بالليبرالية وعدم القطيعة نتيجة الاختلاف، فإن على كل فرد قادر على ايصال رأيه ألاّ يتردد في قوله، وهذا ما يجعلني أبدي رأيا صريحاً رغم صداقتي للمجموعتين.. ولا أقول التنظيمين لأنه، مع الأسف الشديد، الحكومة لم توافق على اشهار الجماعتين رغم وجود عدد كبير من المواطنين الليبراليين، ورغم ان تعدد الاراء واختلافها منصوص عليهما في الدستور.
بعد هذا، ورغم التحالف فإن هناك اختلافاً بيّنا وشاسعا بين المنبر الديموقراطي والتجمع الوطني الديموقراطي.. فالمنبر يخلف حركة القوميين العرب التي تعود أصولها الى عام 1948 في جماعة العروة الوثقى في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم تحولت الى تنظيم سري باسم حركة القوميين العرب التي انشقت على نفسها بين تنظيمات الجبهات الشعبية الثلاث.
وتأثرت حركة الكويت بهذا الانقسام حيث انشق عنها الدكتور أحمد الربعي وعبداللطيف الدعيج وغيرهما من جيل الشباب، وبقي الدكتور الخطيب والمرحوم سامي المنيس وعبدالله النيباري وغيرهم. هذا بالنسبة للمنبر.. اما التجمع الوطني الديموقراطي فلقد تشكل مؤخراً من اشخاص لم يتمرسوا في العمل السياسي التنظيمي.
الكويت فقط
وتكاد تكون نظرتهم الى الكويت فقط.. ومع وجود الاختلافات في ظهور الجماعتين وافكارهما فإن تحالفهما ممكن لتأييد المرشحين الديموقراطيين ووضع برنامج للعمل داخل البرلمان.
وهذا ما يحتاج اليه التحالف.. وورقة العمل التي وزعت في الاجتماع ونشرتها الصحف لا تفي بالغرض، بل مطلوب برنامج انتخابي متكامل يناقش مشاكل الكويت السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية والدينية.. ثم دور كل وزارة وكيف تعمل.. وكيفية اختيار الوزراء وعلاقات ابناء النظام بعضهم ببعض ومع المواطنين، بحيث يلتزم المرشحون ومن يفوز منهم بالبرنامج الوطني، وذلك لوضع حد للخلافات الحادة التي قد تنتصف بالتحالف.. والله من وراء القصد).
التصادم ثم الحوار
اذن فإن الكويت الشعب والحكم، مقبلان في مرحلة آتية قريبة الى التصادم الذي يقود الى الحوار في الهزيع الخير من الليل ايذانا بفجر جديد، وهي مهمة ليست بالهينة او اللينة عظما مع تصاعد جماعات التشدد في الصفين الطائفيين داخليا، ومع التهاب حرارة الطقس سياسيا في الجوار مع ما يتطلبه ذلك من اهل الكويت ومجاوريهم ومجاوري مجاوريهم من صبر في المواجهة وانتظارا لنتائج قد لا يقدرون عليها الا بالحكمة والمرونة والتعاضد.
دائما ظلت الكويت ودول الخليج في فوهة مدافع ريحا غريبة شريرة، وهي اذ صمدت مع هزات وزلازل ادت نتائجها الكارثية رغم استمرار البناءات السياسية والانظمة، الا ان الآتي هو الأصعب، وكأنه قدر هذه المنطقة ان تظل ساخنة على رمال تلتهب ونفط يحترق ومؤامرات لا تنتهي.
الحوار والديموقراطية والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي العريض ممكنات من دونها لا بقاء او استمرار الا من مثل بقاء سرطان كامن ينهش جسدا نأى بنفسه عن مبضع الجراح القادر.
لا سبيل ولا بديل عن الديموقراطية القائمة على مناهج ذات اهداف وطنية بالدرجة الاولى على نحو ليس اقليمي حاقد بالطبع وبالضرورة، فلا يمكن لأحد ان يعيش وحده في عالم متصارع ويتصارع دائما.