كتب نصـر المجالي: كلام علي عبد السلام التريكي المكلف ملفات عديدة في الساسة الخارجية الليبية عربيا وافريقيا حول مقاطعة انسحاب الجماهيرية من تحت مظلة الجامعة العربية، مع التاكيد على حضورها القمة في المنامة في مارس (آذار) المقبل، له دلالات ومعان كثيرة وذات مساس في كل الحال عربيا.
والتريكي في اليومين الأخيرين عبر عن سياسة العقيد معمر القذافي الصامت الى اللحظة عن موقف طرابلس العربي ومقاطعة الجامعة، مؤكدا ان الجماهيرية حاضرة وباستمرار لمناقشة قضايا الأمة كلها.
ويؤكد التريكي ان الجماهيرية ستشارك في قمة المنامة المقبلة، لكن مسألة مقاطعتها للجامعة العربية وانسحابها منها امر نهائي، ولا رجعة فيه، فالتريكي يميز بين عمل عربي مشترك، و"بين جامعة للعرب لم تلتزم بميثاقها والقيام بمهمامها في اعادة الروح للعمل العربي المشترك".
وقال مراقب سياسي عربي امام "إيلاف" الآتي : "يبدو ان ما حدا بالجماهيرية اتخاذ قرار الانسحاب من جامعة العرب هو عدم رضائها عن الاداء الذي تحققه الجامعة في عهدها الجديد بقيادة الوزير المخضرم عمرو موسى".
وكان عمرو موسى الذي اقصي عن منصب وزير الخارجية في مصر وهي أكبر بلد عربي قبل اكثر من سنتين، أثار تساؤلات عديدة حول قرار ترشيحه للمنصب العربي الكبير من جانب القيادة المصرية.
وفي تلك الاحيان، قيل ان الرئيس المصري حسني مبارك، انقلب على وزير خارجيته المؤهل لخلافته ودفع به الى المنصب في ميدان الحرية حيث مقر الجامعة العربية "متخلصا من جدالاته المثيرة وطموحاته الى المنصب العلى في البلاد".
وعلى سبيل المزاح والنكتة على (الاسلوب المصري) فإن الاغنية الشعبية التي غناها شعبان عبد الرحيم وقالت "انا بكره اسرائيل وبحب عمرو موسى" قادت الى مزيد من التصادم واثارة الحساسية بين موسى والقيادة التي كانت تخشى ان يكون الخليفة المنتظر على خلاف ما يتم تخطيطه من فوق.
واذ حل عمرو موسى في الموقع القيادي العربي خلفا لعصمت عبد المجيد الامين الاول للجامعة من بعد عودتها من منفاها التونسي، فإنه اعلم مرارا وتكرارا وبقرارات عملية عن تثوير مهمات وافعال وآفاق الجامعة العربية لتكون مؤهلة للعمل على صعيد عالمي على تداعيات ما يجري من حول العالم العربي.
فهو قرر من دون ان يناكفه احد تعيين مفوضين لشؤون الحريات وحقوق الانسان والاعلام وخلافها من متطلبات ما هو يعتقده تطوير لعمل جامعة العرب من بعد اهترائها.
وفي قراراته (الثورية) على الورق اعتبرت مصادر عديدة ومنها مصادر القرار في قصري القبة وعابدين ان "اول طائر مصري بدأ في الخروج عن السرب منذ الراحل عبد الرحمن عزام باشا والراحل عبد الخالق حسونه وصولا الى الوزير المخضرم الهادىء عصمت عبد المجيد"، كآخر امين عام".
وقرارات التثوير الصادرة عن موسى على ما يبدو اعتبرت خروجا على (التابو) المصري تاريخيا في التحكم في مصير الجامعة العربية وقراراتها وتجييرها باستمرار لصالح الدور المركزي القيادي المصري للعالم العربي.
آخر تغريدات عمرو موسى الدبلوماسية قادته الى جدال صدامي عنيف مع دولة الكويت على خلفية موقفه غير الواضح وغير الحاسم من خطاب الرئيس العراقي صدام حسين الاعتذاري في الشهر الماضي للشعب الكويتي.
هذا الخطاب الذي اعتبرته دولة الكويت اعلان غزو جديد، لم يواجه من جانب الامين العام عمرو موسى بكلام حاسم ضد موقف بغداد، فهو اجتبى الدبلوماسية الهادئة في التعليق على الخطاب ولم يدخل في تفاصيل تحليله او الرد عليه كأمين على مصالح بلدين عضوين في اطار الجامعة.
وحين ضاعت خطوات وكلمات وتعبيرات "الجهبذ الدبلوماسي" عمرو موسى في تحديد موقف جامعة العرب استطرادا لضياعات سبقت، فان موقف الجماهيرية العربية الليبية جاء ليوجة الضربة القاصمة له في شكل شخصي اولا، ومن ثم الى عمل هو يرعاه، وهذا يعطي في البدء شهادة مكتوبة من اول بلد عربي لفشل الامين العام "الذي يحاول التفرد بالقرار حيث يحاول العمل منفردا خارج سربه وخارج هيمنة القرار الاساس التي تستضيف مقر الجامعة ولا بديل عنها بعد تجربة تونس الفاشلة البائسة".
معلومات "إيلاف" التي توافرت منذ شهور ان الامين العام عمرو موسى قدم طلبات كثيرة لدول عربية كثيرة تخص شانه الشخصي، فهو كما طالب سلفه الأسبق 0التونسي) الشاذلي القليبي بطائرة خاصة تحت تصرفه لتنقلاته بين عواصم العرب، فانه قدم نفس الطلب .
ونفس الجواب تلقاه موسى من وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل الذي كان اجاب به القليبي "في اللحظة التي تريد في التحرك الى اية عاصمة او اية اجواء فإن طائرات الملكية السعودية جاهزة وغب الطلب والاحتياج في اية لحظة تريد".
ولم يقف اذا ذاك، أي بلد عربي لمناقشة عمرو موسى في شان تعيينات المفوضين العامين، بل انهم لزموا الصمت تاركين لعميد دبلوماسيتهم التحرك في منتهى الحرية في اتخاذ القرار.
واذ المسائل المالية في عجز ميزانية الجامعة عرقلت مهمات وطموحات الامين العام في تنفيذ ما وعد به فإنه عمد شخصيا الى مخاطبة دول عربية منها الجماهيرية الليبية والصومال وموريتانيا وجيبوتي بضرورة تسديد اسهاماتها السنوية المستحقة للجامعة، وهو هنا ، كما لاحظ مراقبون تحدثوا الى "إيلاف" لم يطالب بغداد علنا او سرا بتسديد الالتزامات المستحقة عليها، وهي التزامات لو دفعت كان يمكنها انقاذ الوضع المالي المتردي.
هذه المطالبات وشؤون اخرى هي التي كانت المقدمة الاولى لموقف طرابلس من الناي بنفسها عن العضوية في الجامعة العربية.
ولذلك، فانه كما ورد على لسان علي عبد السلام التريكي، فان طرابلس حين تقرر الطلاق البائن بينونة كبرى عن الجامعة، فإنها في تبريراتها توجه اتهامات من وراء ستار الى اداء الامين العام الذي قالت انه لم يحقق شيئا منذ تسلمه الولاية في تأصيل برنامج عمل يحقق انفاذية ميثاق الجامعة المترهل الى حيز النور خدمة للقضايا الكبار.
واذ نفت ليبيا ما تردد من أنباء عن أنها ستقاطع القمة العربية المقرر انعقادها بالبحرين في مارس (آذار) المقبل، فإنها أكدت أنها ستحضر هذه القمة لكنها لم تحدد بعد مستوى تمثيلها فيها.
وقال التريكي "وهو اهم ناطق موثوق للعقيد القذافي" في تصريحات دأب عليها في اليومين الأخيرين إن بلاده مصممة رغم ذلك على الانسحاب من الجامعة العربية، مشيرا إلى أن طلب الانسحاب مازال معروضا أمام الجامعة ولايزال يدرس في إطار ميثاقها.
وقال التريكي المخضرم "موقفنا هو تعبير عن حال عربي شامل حيث اننا نرى ان الجامعة بدت قاصرة في تنفذ مهماتها"، وكانت معلومات افادت بأن الزعيم الليبي معمر القذافي قرر عدم مشاركة بلاده وعلى أي مستوى في القمة العربية المقبلة.
وقالت مصادر دبلوماسية ان قرار القذافي هو أول خطوة عملية لتأكيد تصميم ليبيا على الانسحاب النهائي من الجامعة العربية.
ونقلت فضائية(الجزيرة) تزامنا مع تطور الحدث عن الناطق باسم جامعة الدول العربية هشام يوسف إن أي جديد لم يطرأ على الطلب الليبي "وهذا يعني أنه مازال مجمدا".
يذكر ان اللائحة الداخلية للجامعة العربية تنص على أن الانسحاب لا يصبح فعليا إلا بعد سنة من قيام البلد المعني بالإبلاغ بذلك رسميا, وهو ما لم تقم به طرابلس بعد.
وأعلنت الجماهيرية في 24 أكتوبر (تشرين الأول) قرارها بالانسحاب من الجامعة احتجاجا على عجز الجامعة في التعامل مع قضيتي فلسطين والعراق.
يشار إلى أن العقيد القذافي هدد في مرات عديدة بسحب عضوية بلاده في الجامعة احتجاجا على ما وصفه بـ"الجبن العربي" في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة وأعرب عن خجله لكونه عربيا، مؤكدا أنه سيركز بدلا من ذلك على دعم وتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية غير العربية.
وظل الزعيم الليبي لشهور العامين الماضيين مركزا الجهد على بناء الاتحاد الافريقي ليقوم كمنظومة سياسية واقتصادية على غرار الاتحاد الاوروبي بديلا لمنظمة الوحدة الافريقية التي عانت فشلا ذريعا منذ تأسيسها.
واعتبرت مصادر كثيرة موقف العقيد القذافي على انه ادارة ظهر للحال العربي الذي ظل هو تاريخيا الأمين على القومية العربية "منذ رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر في العام 1970 ".
واليه، فإن قمة المنامة وهي محتملة الانعقاد بالتأكيد في هذا الأرخبيل الخليجي الصغير الذي صار مملكة قبل شهور ستشهد نقاشات سجالا من وراء ستار اذا تمكن الزعيم الليبي من الحضور "فالجميع بانتظار مفاجآته".