نجاح يوسف
&
أغلقت الأبواب..واسدلت الستائر.. وتدثر المشاركون في مؤتمر المعارضة الستة بالأغطية الحريرية والفراء.. وها هم يحلمون, ومن حقهم أن يحلموا, بعد أن انفض مؤتمرهم, وخرج بقرارات وأفكار ومقترحات مشبعة بعبارات وشعارات لا يمكن لأحد إلا أن يبارك الجهود التي بلورتها!. ولم يبق غير تنفيذ ما جاء في هذا المؤتمر! ومن أجل ذلك شكلت لجنة متابعة تضم في صفوفها أطياف المجتمع العراقي (الكردي البهديناني والسوراني, والعربي بشقيه السني والشيعي, والتركماني والآشوري, وكذلك الهاربون من خدمة النظام, وأخيرا المغتربون العراقيون والذين حضروا من جميع أصقاع الدنيا)..وأما نحن المثقفون والمستقلون وأطراف المعارضة والقوى والشخصيات التي يطلق عليها (الوطنية) بسبب مواقفها المعارضة للنظام الدكتاتوري والمشاريع الأجنبية معا, فلم يكن هناك من يمثلها في هذا المؤتمر, إذ إنها لعبة الديمقراطية الجديدة, والتي لا تختلف كثيرا عن لعبة الدكتاتوريات التي ورثناها منذ زمن بعيد, منذ احتكم العراقيون وهم تحت حراب الإنكليز وانتخبوا الملك فيصل الأول (ديمقراطيا), ومن خلال لويا جيركا بريطانية الصنع!! وما علينا إذن سوى أن نزغرد وننثر الهيل والورود أمام جحافل العسكر الأمريكي التي ستنقل المؤتمرين بالدبابات إلى بغداد وهم في طريقهم إلى القصر الجمهوري..أو لربما إلى القصر الملكي.. فكلاهما سواء! لقد قرروا ذلك وكفى, أو هكذا يحلمون!!
لقد تم توزيع المقاعد والأدوار في هذا المؤتمر ليس حسب حجم ودور ونضال تلك الأحزاب والشخصيات في مقارعة الدكتاتورية, إذا استثنينا الحزبين الكرديين والمجلس الأعلى, وإنما حسب التقسيم الطائفي والأتني, وبهذا أراد المؤتمرون, أو القيمين على المؤتمر تكريس الطائفية في بلادنا,رغم ادعائهم العكس, والذي حاول النظام العنصري في العراق العزف على أوتارها منذ وصوله للسلطة.. فهل من المنطقي أن تقترف معارضتنا الخطأ القاتل نفسه, وهي التي تدعي بناء عراق ديمقراطي تعددي, يحترم حقوق الإنسان؟؟ أليس واحدة من الأسباب التي أدت إلى إجهاض إنتفاضة آذار الباسلة, هو إلباسها لباس الطائفية مما دفع الأشقاء قبل الحلفاء الحاليين لاستلال سيوفهم وتوحيدها مع سيوف صدام, ونحر مئات الألوف من المنتفضين البواسل؟ فماذا تغير الآن؟ هل أصبحت الطائفية المقيتة هي البلسم الشافي لامراض العراق السياسية والإقتصادية والإجتماعية؟ أم أن معارضة آخر زمان تناضل وفق المثل القائل "وداوني بالتي كانت هي الداء!"
إن بقاء العقل العراقي (المعارض) أسير رغبات وأوامر تأتيه من ممثلي الإدارة الأمريكية لن يستطع أن يقود البلاد وشعبها إلى جنان الحرية والمساواة والديمقراطية والفيدرالية, لسبب بسيط جدا, أن هذا الحلم الجميل يصطدم بواقع أن مصلحة الولايات المتحدة الآنية, ورغم توافقها مع هدف المعارضة العراقية في التخلص من نظام صدام, إلا أن التناقض الواضح بين مصالحها الستراتيجية في العراق والمنطقة, مع مصالح وطننا وشعبنا الذي يعشق الحرية كباقي شعوب العالم, ويأمل في بناء الوطن الذي هدمه النظام الدكتاتوري بإرهابه وقمعه ومغامراته العسكرية الفاشلة وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد, سيقود بالضرورة إلى هيمنة الولايات المتحدة على مقدرات ومستقبل البلاد, كونها الطرف المنتصر في الحرب, وإنها لم تأت بجيوشها إلى المنطقة للنزهة, أو من أجل سواد عيون المعارضة العراقية!! وهذا ما يأكده السيناتور الأمريكي بايدن في مقالته في صحيفة الواشنطن بوست في22/12/2002, في مجرى تقييمه للزيارة التي قام بها إلى كردستان العراق قبل أكثر من ثلاثة أسابيع!!
فالسواد الأعظم من أبناء شعبنا, ورغم الصعوبات والظروف الصعبة التي يعيشونها تحت ظل آلة قمع النظام, فإنهم أولا يرفضون أن يكون وطنهم حقل تجارب لأسلحة الولايات المتحدة الفتاكة, فلقد كفاهم ما عانوه من بركاتها عام 91 وما تلاه.. وثانيا يرفضون أن يعيشوا تحت الاحتلال الأجنبي ومستحقاته.. وثالثا لقد أدرك شعبنا بأن مشاكله لن تحل إلا بترسيخ مبادئ الديمقراطية والتعددية واحترام تام لحقوق الإنسان, والتي لن تتحقق عبر المشروع الأمريكي, أو المشاريع الطائفية...
&يا ترى ما ذا يخبئ لنا محررنا الجديد هذه المرة ؟؟؟ ألم يكفه اليورانيوم المنضب الذي استخدمه في حرب (تحرير الكويت), أو بالأحرى حرب تحطيم العراق, والتي ما زال شعبنا يعاني من آثاره الكارثية لحد هذا اليوم ؟؟ لماذا لا نسمع من معارضتنا الموقرة أي احتجاج على هذه الجريمة والتي من المحتمل تكرارها, أو ارتكاب أسوأ منها من قبل الجنتلمان الأمريكي عند تحرير العراق من (شيطانه) الرجيم صدام ؟؟ فبماذا تبرر صمتها هذا ؟ إذن ما الفرق بين المجرم صدام الذي يهدد بتسليم العراق أرضا يباب, ومعارضة لندن التي تدفع باتجاه تدمير العراق وطنا وشعبا من خلال مشروع حرب (تحرير العراق) المزعوم ؟؟
وإلى أن تستيقظ هذه المعارضة من نومها العميق, وتنفض عن ردائها ما علق به من غبار ثقيل, فسنبقى نطالب ونطرق جميع الأبواب الموصدة من اجل أن نجنب شعبنا ووطننا الدمار والمآسي والويلات, ولربما ستجفل معارضتنا من شدة الطرق, وتراجع مواقفها, وتوحد جهودها مع جهود جميع المخلصين من الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية التي لها باع طويل في النضال والتضحية ضد همجية النظام الدكتاتوري ووضع نهاية له, وبناء النظام الديمقراطي التعددي الفيدرالي الموحد.. فهل يا ترى سيطول الانتظار؟
&