&
&النزلاء يحسدونه: جال العالم قبل أن يأتينا
عقارب الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهراً، ممر طويل لا يتجاوز عرضه ثلاثة امتار، غطت سنوات الاهمال على جدرانه.. صبغ حديث تكفل السجناء بتكاليفه.
"صحافة.. صحافة"
ركضوا "شيبون.. حياكم الله.." كلمات تداخلت وسط جمعة المساجين الذين التفوا حولنا في العنبر رقم واحد.
سجين يريد توصيل رسالة، وآخر يريد ان يعبر عن ظلم، لكن ثمة سجين غير "شكل" او كما اطلق عليه احد زملائه "سجين الملايين" يراقبنا، اقتربنا من غرفته او من الزنزانة وهي عبارة عن غرفة مساحتها 6 امتار تقريباً زين صدرها تلفزيون صغير وفوقه منبه "ساعة" يراقب عقاربها باستمرار تماماً، كما كانت الحكومة تتابع تحركاته في بلاد العالم، قبل ان تخوض معركة قضائية، وتستعيد اشهر سجين عرفته الكويت حسن علي قبازرد.
القبس: بوعلي الله بالخير.. انا صحافي من "القبس".
ـ لم يبال اولاً.. رمقني بطرف عينه وهو يمسك القرآن الكريم.. اغلقه وأنصت وتوجه الى بوابة الزنزانة "اهلاً وسهلاً"؟ بلهجة باردة تخفي عتباً ان لم يكن غضباً من شيء ما.
القبس: هل تسمح لنا بالحديث معك قليلاً؟
قبازرد: اسف لا اود ان اتحدث معكم؟
القبس: ليتسع لنا صدرك.. وتحدث عما تشاء وسننقله لك حرفياً؟
لم يعجبه الكلام توجه وهو يرتدي دشداشة مقلمة وينتعل "نعلا" بلاستيكياً الى وسط الزنزانة واقترب من الحائط، حيث نصب حبلاً استخدمه كمنشر للغسيل، تناول منه فوطة بيضاء ومسح بها جبينه وعاد "لن اتحدث لـ "القبس" انتم تتهكمون علي وتقولون بأني بطل قومي.. كما انكم لا تكتبون سوى عن حسن قبازرد ولا تكتبون عن الآخرين، انتم لا تعرفون سوى حسن قبازرد من القضية كلها".
بينما كان يتحدث ظهرت على وجهه علامات اللاارتياح.. يريد ان يتكلم ولا يستطيع وكأن الزمن ضاق به.
القبس: ابو علي انا الآن معك تحدث بكل ما يجول في خاطرك بدون تردد ولتوضح اي امر تريده للرأي العام.
لم يقتنع، بدا كأنه خائف من انه لو بدأ الكــلام، فإن صفحات الجرائد
كلها لن تستطيع ان تستوعب ما سيقوله "لدي الكثير الكثير من الكلام ولكنني لا اريد التحدث".
نحاول ان نأخذه الى جانب آخر من الحديث لنسأله "ابو علي كيف سارت الامور في الجلسة الماضية؟
- قبازرد: لا تعليق!
القبس: لماذا لا تغتنم فرصة وصولنا اليك؟
- قبازرد (وقد بدا مصرا على رأيه): آسف.. شخصيا لا اعرفك.. ولا يوجد اي خلاف شخصي وانما كما قلت لك لا اريد التحدث.
يعود قبازرد الذي وضع في العنبر الخاص بالمتهمين بقضايا قتل وامن دولة ومخدرات الى داخل عالمه الجديد وهو الذي جال على بساط الملايين العالم من اقصاه الى ادناه يحاول الجلوس على الحصيرة داكنة اللون وقد لفها فرشات صغيرة للنوم.
> القبس: هل ينقصك شيء داخل السجن؟
- قبازرد: ماذا ترى انت؟
قبازرد الممتنع عن الكلام يصفه اغلب زملائه في السجن بانه منعزل لا يحب الاختلاط باحد، كما انه يرفض دوما الخوض في حديث عن قضية الناقلات التي هو المتهم الثاني فيها.
لكن في الجانب الآخر فان جولة داخل العنبر واحد بالسجن المركزي تكشف كم استطاع هذا الرجل ان يؤثر في محيطه اذ يقول احد السجناء "نحن متعاطفون معه.. والصحافة ظلمته ماذا الا يوجد غيره في القضية لماذا لا تثار تلك الاسماء؟".
كما ان اخرين في العنبر نفسه ينظرون الى حسن علي قبازرد بنوع من الحسد ويقولون "لقد جال العالم.. وشاف الدنيا قبل ان يدخل السجن، بينما نحن لم نر من العالم سوى زواياه المظلمة".