حسين السكاف
&
ترد إليَّ الكثير من الرسائل الإلكترونية، كلما كتبت موضوعاً يتناول الجرح النازف فينا، نحن الملايين من العراقيين في المنافي وفي داخل السجن الكبير "العراق"، العراق بلد الحضارات والثقافات والأديان، بلد النخيل والجبال، بلد االمتنبي والسسياب والجواهري والملائكة، ذلك البلد الذي أصبح سجناً كبيراً تتسول به الأرامل واليتامى، ومَنْ كانوا بالأمس أبطالاً أصبحوا يتعكزون على أطرافهم الصناعية، كل ذلك بفضل " القائد الملهم " ابن أبيه الذي أتى إلينا فقيراً بائساً من منطقة لا يعرفها التاريخ، ليصبح بعد كل الخراب الذي حل ببلاد النفط والتمور، من الأغنياء العشرة في العالم.. كيف !!؟؟
بعض هذه الرسائل التي تصل إليَّ تحمل ألفاظاً لم أسمعها من قبل، ولا أستطيع حتى التفكير بها، لا لأكتبها. ليس هذا المهم، فعليَّ أن أتحمل عواقب ما آمنت به ومن أجله أعيش، ولكن المهم هو أن فيها من يقولون بأن صدام حسين هو مثلهم الأعلى، وهم لا يرون فيه الخطأ، بل هو المُخَلّص الوحيد لهم من ظلم الأرض !!.
أقول لهؤلاء .. إذا آمنتم بذلك فعليكم أن تتبعوه، عليكم أن تعلموا أبنائكم القتل، كما علم مثلكم الأعلى أبناءه على ذلك، فلقد كان صدام دؤوباً على اصطحاب أولاده إلى ساحات الإعدام من أجل أن ( تموت قلوبهم ) على حد قوله، وعليكم أيضاً أن تعلموهم اغتصاب الفتيات ووسم أفخاذهن بعلامات مميزة كما يفعل " عدي " ابن الطاغية، عليكم أن تعتدوا على حرمات جيرانكم، تقتلوهم وتسرقوهم وتهتكوا أعراضهم وتنسوا وصية رسولكم العظيم (ص) التي توصي بالجار، تماماً كما فعل مثلكم الأعلى بالكويت، وتعلموا كيف تنقضون العهد، وكيف تكذبون، وعليكم أن تجدوا لأنفسكم أصلاً وشجرةً لعائلةٍ كريمةٍ تنتمون إليها تماماً كما نَسَبَ الدكتاتور نفسه إلى الإمام علي ابن أبي طالب (ع)، وعليكم ..؟ ثم عليكم ... !، ولا تنسوا أن& تقتلوا أزواج بناتكم لتجنوا أحفاداً يتامى تربوا على الثأر والدماء ... لا أريد أن أطيل عليكم فربما هذا يكفي لكي تشاهدوا بشاعة صورتكم المستقبلية إذا ما بقيتم على عهدكم في اتخاذ ذلك الطاغية مثلاً أعلى لكم.
الهم العراقي كبير جداً لا أحد يستطيع أن يفهمه بصورته الحقيقية إلا من عاش بداخله وذاق مرارة الخوف والجوع والترويع، هذا هو قدر العراقيين اليوم وأنا واحد منهم. في اليوم الأول لاغتصاب الدكتاتور مقاليد الحكم في العراق، كان لدى العراق مخزوناً ماليا يقدر بالمليارات، لا أريد أن أذكر رقماً محدداً، ولذلك لأن هناك من يقول أربعة مليارات وآخرين يقولون غير ذلك حتى يصل الرقم إلى أربعين مليار، المهم هو أن للعراق فائضاً مالياً في خزانه، وكان الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات وعشرون سنتاُ، الآن وبفضل " القائد الشجاع " أصبحت بذمة العراق ديون لا تقدر بثمن لأنها قد تؤدي في بعض الأحيان إلى احتلال العراق من قبل قوى أجنبية بسبب هذه الديون، وأصبح الدولار الواحد يساوي ألفين دينار عراقي، هذه الكارثة لا يحس بها غير العراقي وحده، فالديون محسوبة على العراق وليس على الدكتاتور شخصياً، والجوع والعوز وشحة الدواء يعاني منه العراقي، والعراقي وحده، وليس الدكتاتور الذي يحتفل كل سنة بعيد ميلاده المشؤوم الذي يكلف ملايين الدولارات.
إن مأساة العراق وحجم الكارثة التي يعيشها الفرد العراقي بشكل يومي منذ عشرات السنين أكبر من أن تُذكر في مقال صحفي من صديق إعلامي عربي، أو كلمة مجاملة تُقال على شاشة فضائية الغرض منها إراحة ضمير قائلها، الكارثة أكبر من الخطب السياسية والتصريحات الفارغة التي يتشدق بها المسؤولين من الأصدقاء والأشقاء.
إلى اللذين اتخذوا من جلاد العراق مثلاً أعلى لهم أقول: خذوه، هنيئاً لكم ودعوناً نعيش بعراقٍ آمن يحكمه الفنانون والشعراء والأدباء، فقلد كرهنا السياسة والسياسيين، كرهنا الأحزاب والتنظيمات والخطب السياسية، نريد أن نبني عراقنا بالفن والإبداع وليس بالبدلات الكاكية والعسكرتارية.
&