داود البصري
&
في الوقت الذي ينشغل العالم فيه بتطورات المراحل القادمة من صيغ وأشكال الترتيبات السياسية المحمومة في المنطقة!، وفي الحين الذي يسابق فيه العراقيون الزمن من أجل الإستفادة من الرياح الدولية الهابة حاليا لخلق حالة من الحلحلة في الحالة والعقدة العراقية المقيمة؟ لاتتوقف توابع الكوارث التي سببها النظام العراقي لتتهاطل على العراقيين الذين لم يزالوا يعانون من نتائج وتداعيات "أم المعارك" السيئة الصيت والسمعة والتي لم تتوقف إفرازاتها الكارثية حتى اليوم؟ فمع إنشغال العالم بأعياد الميلاد ة وإستقبال عام جديد في قرن جديد لاتتوقف أجهزة النظام العراقي عن "الإبداع" في صيغ وأساليب مضايقة العراقيين حتى من الذين لايعيشون تحت خيمته المثقوبة وسلطته الكئيبة ! وما أقصده بالضبط هو مايعانيه المواطنون العراقيون في دولة الكويت وأعدادهم تقدر بعشرات الآلاف وهم يعيشون حياة عادية وطبيعية تتناقض بالكامل مع الدعايات المغرضة التي يبثها النظام وأنصاره في "الجزيرة" أو صحف الإرتزاق والتشويه المعروفة بقلبها للحقائق وتجنياتها الظالمة التي تخلط الأخضر باليابس، فالسلطات الكويتية وبرغم كل الجراح العميقة التي سببها الغزو الجاهلي الأحمق لم تتنكر للعلاقات والروابط التاريخية والوشائج المرتبطة مع الشعب العراقي، كما أنها لم تتعامل بروح إنتقامية وتدميرية، بل تركت الحقائق تفصح عن نفسها مؤمنة بأن خير وسيلة لمحاربة الأكاذيب وأساطير التشويه هي إحتقارها وعدم الإنجرار لمهاتراتها ، وقد يبدو أمرا غريبا ومفاجئا لبعض العرب وجود أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين والذين يحملون جوازات سفر عراقية وبإقامات قانونية في الكويت برغم كل ماحصل؟ ولكن الواقع الفعلي المعاش يؤكد من أن الإرتباط الشعبي الكويتي / العراقي أكبر من كل الرزايا والمصائب التي سببها حاكم العراق بقراراته الفردية وعدوانيته المتأصلة، المهم في الموضوع أنه وبعد سنوات التعايش والهدوء تطرأ اليوم مشكلة من نمط خاص لها علاقة بتصرفات السلطة العراقية غير المتوازنة والتي تتعمد تكريس سياسة الإستفزاز بصيغها الفجة وذلك عبر رفض السلطات الكويتية تجديد وختم إقامات العراقيين على جوازات السفر العراقية الجديدة التي تحمل صورة الرئيس العراقي؟ وهو أسلوب غريب لجأت إليه السلطات الحاكمة في بغداد للإبتزاز وخلق مصادر توتر تزيد النار إشتعالا؟ ولايستطيع أحد بالقطع إلقاء اللوم والمسؤولية على السلطات الكويتية التي ترفض التعامل مع كل مايمثله النظام العراقي وهذا حق من حقوقها السيادية التي لانقاش حولها ولاجدال، ولكن العجب كل العجب يتأتى من إصرار السلطات العراقية على إتباع هذه الوسائل الصبيانية لتسبب الأذى والتشريد لألاف مضافة من العراقيين بعد أن أبدعت في تدمير العراق وتمزيق الأمة العربية وخرق الأمن القومي العربي وتبديد كل مصادر الثروة الوطنية والقومية ، وأمامنا دول العالم المعاصر، وأمامنا كل الدول والتجارب الثورية والمحافظة والملكية والأميرية والسلطانية والإمبراطورية ... فهل أقدمت دولة معينة على طبع صورة حاكمها فوق جوازات السفر والتي هي وسيلة تنقل دولية وإعتبارية؟ وهل في تصرف السلطات العراقية مايخدم توجه تهدئة "الحالة" بين العراق والكويت والتي هي في حقيقتها ( حالة ميؤوس منها )! وهل من الضروري الإقدام على خطوة إستفزازية من هذا النوع وفي هذا الوقت بالذات؟ من أين يستوحي النظام العراقي كل هذه الأساليب الصبيانية للتلاعب بمصالح الشعوب؟ قد يعترض البعض ويقول من أن وضع ولصق صورة الرئيس على جواز السفر هو حق سيادي للدولة المعنية؟ ولكنني أتساءل هل أن السيادة الوطنية تتوقف حدودها عند الصور الملونة وبالنفخة العسكرية الكاذبة التي لاتخفي كل صور الهزيمة والتردي؟ وأين مظاهر وصور السيادة المزعومة والنظام يفرط بكل مقوماتها علنيا وعلى عينك ياتاجر وأضحى العراق مكشوفا للجميع من أجل هدف واحد لاغير وهو الحفاظ على رأس النظام سالما مسلحا لينشر صوره على المعجبين والمعجبات في عالمنا السعيد؟
هل يستطيع أيا كان أن يدلنا على دولة واحدة طبعت صورة زعيمها على جوازات سفرها؟ حتى الشاه الإيراني الراحل لم يفعل ذلك؟ إذن من أين إستورد صدام هذه البدعة المضللة والتي تعطي مؤشرات غير مريحة لوقارناها بالسوابق التاريخية لطبع صور الرئيس "المنتصر"؟ فقبل الحرب الماراثونية مع إيران كانت قيمة الدينار العراقي تمثل أكثر من ثلاثة دولارات أميركية للدولار الواحد ؟ فلما إستبدل صدام صورة "الحصان العربي" المطبوعة في الدينار ووضع صورته بدلها ظل الدينار يشهد سقوطا مريعا إبتدأ بمساواته بالدولار حتى تلاشت قيمته اليوم وأضحى لايساوي قيمة الورق المطبوع عليه! ونفس الحال ينطبق على جواز السفر العراقي الذي فقد إحترامه أمام مداخل كل السفارات وشبابيك الجوازات في مطارات الدنيا؟ وبعد أن وضع الرئيس صورته عليه ستحل الكارثة لامحالة إن لم تكن قد حلت بعد؟
لذلك فإن العراقيين في الكويت في حيص بيص حاليا بين خياري صورة الرئيس وختم الإقامة؟ وأعتقد أن الحيرة لن تطول في ظل الشواهد المتجسدة حاليا ، فصورة الرئيس على جواز السفر هي من أولى علامات الرحيل؟