ظاعن شاهين
كثيرة هي الدعابات والنكت التي يروجها الهنود عن أنفسهم قبل الآخرين، فرغم الذكاء الذي يتحلى به هذا الشعب والقدرة على التأقلم
مع كافة الطوائف والملل والأطياف، إلا انهم يقسون على أنفسهم كثيراً، ولا أدري إن كان ذلك يندرج تحت بند التواضع أو يأتي من باب الحكمة التي يشتهر بها هذا الشعب الدؤوب.
فالنكتة تقول ان أحد المشترين وقف طويلاً أمام لافتة مكتوب عليها، عقول للبيع، وقد وضعت العقول ورتبت على الطاولة بعناية، وكان العقل الهندي أغلاها ثمناً، فاستشاط المشتري غضباً وصرخ في البائع: كيف يكون ثمن العقل الهندي أضعاف العقول البريطانية والأميركية والكندية والفرنسية؟! أجابه البائع الهندي بهدوء: لأننا نفتح رأس ألف هندي يومياً بحثاً عن عقول صالحة ولا نصفي منها إلا على ثلاثة فقط! ويبدو ان هذه الدعابة ثقيلة ظل على الهنود الذين يثبتون يومياً انهم غير ذلك، خاصة لدول متقدمة علمياً وتكنولوجياً وثقافياً مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تهيمن على سوق البرمجيات وبريطانيا وألمانيا ودول السوق الأوروبية المشتركة، فالعقول الهندية في هذا المجال تكاد تتفوق على كل العقول الأخرى، خاصة إذا ما عرفنا ان هناك صراعاً علنياً ظاهراً للهيمنة على صناعة خدمات الانترنت تتنافس عليه شركتان هما «مايكروسوفت» و«صن مايكرو سيستمز» العملاقتان بتقديم الحوافز وهما تحاولان اغراء المبرمجين وخاصة في الهند من أجل تبني برامجهما المتنافسة.
ففي الهند تشير التقديرات إلى ان أكثر من عشرة في المئة من المبرمجين في العالم يعملون هناك بأقل الأجور في الصناعة، ولهذا علينا قبل أن نصدق أي نكتة تطلق على العقل الهندي، أن نقف عند مؤشرات الدعابة، وعلينا أن نستعيد ذاكرتنا الالكترونية قبل أي شيء، وعلينا أن نعي لماذا تعمل الشركات الأميركية على اغراء تلك العقول برحلات مجانية للولايات المتحدة مع اعلان مثير يقول: كل ما تستطيع هضمه من الوجبات السريعة سيكون في متناول يدك ولو كنت متخصصاً في إعداد برامج الكمبيوتر! المثير ان السوق الهندية بمبرمجيها تكاد تتفوق على نفسها وعلى الآخرين بعيداً عن الاغراءات والوعود والأحلام الأميركية، فحوالي 70 في المئة من مبرمجي الكمبيوتر الهنود هم مهندسو تصميم، وهم الذين يضعون التصميمات للبرامج التي تصبح نموذجاً يحتذيه المبرمجون الآخرون بما يعني اعتبارها من المعايير القياسية.
وتلك القدرات الابتكارية للمصممين الهنود تساعد في الترويج لبعض المعايير القياسية التي يساعد انتشارها بدوره في زيادة الطلب على الأجهزة الخاصة بتطبيقها.. وهنا تدور المنافسة وتحتدم بشدة بين الشركات الكبرى نحو استقطاب تلك العقول المثيرة التي يعتقدها البعض انها لا تصلح إلا «للسمبوسة والبراتا والبرياني»!! ويبدو ان الأمر مختلف جداً في ولاية بنغالور الهندية التي هي مركز صناعة البرامج في جنوب الهند، فالمحاولات مستميتة من قبل أكبر وأعظم شركات البرمجيات في العالم لكي تحظى بالعقول الهندية في هذا المجال، حيث تعمل أغلب تلك الشركات على تنظيم ندوات هي مزيج من التحديات العقلية والتقنية والمتعة والترفيه.
إذن علينا ان نسقط من حساباتنا تلك الدعابات والنكت المثيرة التي يرددها الكثيرون عن تواضع العقول الهندية، فالتواضع صفة غالبة وطاغية على شخصيته، ولكن ليس على عقله، وإلا ما كان هذا التكالب المحموم على المبرمجين الهند.
الأمر الذي يثير الاهتمام والاعجاب في التكاتف الهندي هو محاولة عبور فجوة التكنولوجيا بشكل عقلاني، إذ بدأت شركات هندية تعمل في المجال التقني بطرح كمبيوتر محمول أسمته «السمبيوتر» لا يتعدى ثمنه 200 دولار يهدف لنقل الفقراء عبر الفجوة التكنولوجية، حيث سيعمل السمبيوتر الذي يرمز اسمه الى التبسيط على مساعدة الفقراء الهنود وسكان الريف الذين لا يقرأون ولا يكتبون في ايجاد فرص لتحسين امكانياتهم التكنولوجية، بحيث ينتقل بائع السمبوسة بواسطة السمبيوتر إلى آفاق وامكانات جديدة ومثيرة تنقله من بائع متجول إلى صاحب فكر يجول عبر الواقع الافتراضي! ورغم تخوّف البعض من الإقدام على هذه الخطوة، إلا أن المصنعين يرون عكس ذلك، فالبرامج المطروحة راعت القدرات الفكرية والذهنية، إذ ستعتمد البرامج على اللمس والرسومات بعيداً عن الكتابة، بحيث تنقل أولئك البسطاء من الناس بشكل سلس وتعبر بهم عقدة الخوف من التكنولوجيا أو ما يسببه التعامل من جفوة مع معطيات العصر.. فالبرامج صممت بشكل يدعو إلى الالتصاق بالسمبيوتر وعدم الخوف منه، فهو بمثابة لعبة محببة للصغار والكبار.
لذا لا تستغربوا إذا ما وجدتم عيون بائع السمبوسة زعلانة لأن واحدة على السمبوسة والثانية على السمبيوتر!
الاتحاد