داود البصري
&
ما تعلنه السلطات الإيرانية من أسباب لحالات الهيجان والتصادم بين السلطة والناس في مدينة "الأحواز" المعروفة بالأهواز وبقية مدن إقليم (عربستان) الإيراني والذي تصر السلطات الإسلامية على تسميته بإقليم (خوزستان) لا تثير العجب والتعجب فقط؟& بل تزرع كل عوامل ومسببات الخيبة وتنزع الأمل في إمكانية أن يقوم نوع من التفهم الحكومي الإيراني لحاجات الإقليم العربستاني وتلبيتها والتعامل معها وفقا لروح الشفافية والموضوعية والانفتاح والتسامح الذي يتيح للجميع التعبير عن الرأي& والقناعات دون إشهار سيوف التخوين والتكفير وخصوصا وأن إيران تعيش مرحلة جديدة ومتميزة في تاريخها تتمثل بسيادة المنطق الإصلاحي ومحاولة معالجة جراح وتقيحات المراحل الملتهبة الماضية من التاريخ الإيراني الحديث منذ ثورة 1979 وحتى اليوم؟& فلم يعد مقنعا للرأي العام الدولي أن تكون أسباب اضطرابات شعبية ومصادمات عنيفة ودموية مع السلطة تتأتى فقط بسبب حملات بوليسية لمكافحة أفلام وأقراص الفيديو الإباحية !! ففي ذلك تبسيط ساذج لحقائق ومؤشرات لم يعد من الممكن إخفاؤها أو التلاعب بتداعياتها ومسبباتها !! فالحديث عن ثورة وانتفاضة شعبية سببها أفلام الفيديو الإباحية لا يشكل إهانة لشعب الإقليم العربي المسلم بقدر ما يمثل إهانة واضحة للسلطات إيرانية ذاتها!! والتي تتعكز على أساطير إعلامية بائسة لطمر حقائق المعاناة الإنسانية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية التي يعانيها شعب الإقليم وفي غالبيته المطلقة اليوم شباب يريدون ويطمحون بممارسة حقهم الديمقراطي والاستفادة من رياح المتغيرات الدولية ودخول الألفية الكونية الثالثة برؤى ومنطلقات حضارية وسياسية تتجاوز حالات الإقصاء والتهميش بل والاحتقار التي يعانيها المواطن الأحوازي وفي إقليمه الذي يشهد تشوهات ديموغرافية فظيعة وكبت شديد ومحاربة فعلية وقائمة ضد الحرف والثقافة العربية هناك وفي مفارقة واضحة بين المباديء المعلنة للشعارات الثورية الإيرانية وبين تطبيقاتها التي تنفذها بحرفنة واضحة قطعات ( الحرس الثوري ) المهيأ للتعامل مع الحالة الأحوازية بأقصى درجات العنف المسموح؟
لعل الظلم الواقع على أهل الأحواز قد توارت حقائقه وصوره البشعة ضمن الملفات الساخنة التي تحفل بها المنطقة حاليا والتي لاتسمح بطبيعة الحال بتسليط الأضواء الكاشفة على العديد من الملفات المتأزمة في الشرق الوسط الحافل بما لذ وطاب وتنوع من قوائم الأزمات، فالأزمة العراقية وتفرعاتها واحتمالاتها المفتوحة قد أضحت اليوم مالئة الدنيا وشاغلة الناس، والأزمة الفلسطينة بمآسيها الدموية اليومية تظل ملفا ساخنا ينتظر المعالجة والحسم أيضا، بينما الأزمة الأحوازية وهي واحدة من أقدم أزمات المنطقة التي نسيها التاريخ وتخلى عنها أهلها تضيع في زحام الأزمات ما تقدم منها وما تأخر ! وليس سرا إن إقليم عربستان الإيراني يعاني على العكس من باقي الأقاليم الإيرانية من كل مظاهر التهميش والإقصاء والهيمنة العسكرية والاستخبارية يضاف إلى ذلك سياسة التجهيل ومحاربة الثقافة العربية في منطقة عربية الأصل واليد والوجه واللسان..! وكل مافي الأحواز ينضح عروبة بدءا من الطبيعة الجغرافية بإعتبارها إمتداد واضح للسهل الرسوبي العراقي وليس إنتهاءا بالإنتماءات الديموغرافية والتشكيلات العشائرية التي لاتختلف عما هو سائد من عشائر وعوائل في العراق أو الخليج العربي كبني كعب وبني لام وبني أسد...إلخ يضاف إلى ذلك كله خزين لاينضب من البترول والذي يعتبر العصب الحساس للإقتصاد الإيراني ! هذا غير الموانيء والموقع الإستراتيجي الذي يشكله الإقليم ليجعل من إيران الجارة الشرقية المباشرة للعالم العربي؟& فهل إنعكست الثروة البترولية على الواقع الأحوازي؟& بل هل أضافت شيئا لعناصر التنمية التي لم تحدث أصلا رغم الخراب المقيم الذي تسببت به الحرب العراقية / الإيرانية المجنونة التي ظلت آثارها بعيدة نسبيا عن الداخل الإيراني وتعرضت مدن عربستان لأبشع صور التدمير والقتل والتشريد خلال تلكم الحرب المجنونة والتي عانى الأحوازيون ماعانوا حتى اليوم من ذيولها وتبعاتها، والظلم الذي تعرض له الشعب الأحوازي نابع في جانب من جوانبه بصفحات تلك الحرب وهي صفحات لايعرفها العديد من العرب في العالم العربي، فالنظام العراقي الذي كان يخطط لدخول الحرب ضد إيران إستطاع بوسائله المعروفة في أن يجعل من الخلفية العربية لإقليم الأحواز قميص عثمان في أطروحته الإعلامية ! فهو أي النظام العراقي قد صور نفسه للأحوازيين بصورة ( المنقذ القومي والبطل المخلص ) في ظل مرحلة كانت تصطدم بها كل الرؤى والتيارات وإستطاع النظام اللعب بذكاء على المشاعر القومية النقية لعرب الإقليم لتسويق شعاراته وهي شعارات بان زيفها منذ إنطلاقة الرصاصة الأولى في الحرب ضد إيران ظهيرة الثاني والعشرين من أيلول / سبتمبر عام 1980 وحيث زرعت بذور الموت في مدن الإقليم فميناء المحمرة الزاهر ( خرمشهر) تحول لإطلال ولم يستعد عافيته مطلقا حتى اليوم؟& وعرب الإقليم تعرضوا لأبشع سياسة تهجير منظمة كانت مؤقتة وأضحت دائمة للمدن الإيرانية البعيدة كبوشهر وشيراز وبندر عباس ولم يعودوا حتى اليوم لمدنهم وقراهم وحقولهم وصواريخ صدام كانت تنهال على رؤوس المواطنين العرب هناك وهي تبشرهم بالنصر الموعود والذي تحول لهزيمة من الهزائم العسكرية الكبرى منذ ربيع 1982 حينما إستعادت القوات الإيرانية زمام المبادرة لتطرد القوات العراقية من أراضيها وتنقل المعركة للعمق العراقي حتى نهاية الحرب في صيف عام 1988، ليعود الأحواز إقليما محطما يعاني من النقص الواضح في كل الخدمات والتجهيزات التحتية التي لابد من توفرها في إقليم هو العصب الإستراتيجي والإقتصادي للدولة الإيرانية؟& ولكن عجلة التنمية قد توقفت دورتها عند حدود الأحواز، فالكهرباء مقطوعة في صيف الأحواز القاسي الملتهب، والمجاري في أسؤأ أوضاعها؟& لابل أن الإقليم الذي ينبع فيه أحد أكبر الأنهار الإيرانية وهو نهر الكارون بات يعاني من العطش الشديد والقاتل؟& لابل أن الفلاحين في الأهواز قد أضحوا من ضحايا الخصاص المائي وفي منطقة عرفت تاريخيا بخصوبتها؟& فما هو السر في كل ذلك؟& وهل هذه النواقص مجرد صدف غير سعيدة للأحوازيين أم أن خلف الأكمة ماورائها؟
الجواب على ذلك يتمثل في حالة الغبن التاريخية التي يعانيها سكان الإقليم المعروفين بطيبتهم ونجدتهم وأخلاقهم العربية الأصيلة، وشخصيا سبق لي زيارة الأحواز والتنقل في مدنها وقصباتها عام 1985 وفي عز إندلاع الحرب العراقية / الإيرانية، وعايشت على الطبيعة معاناة المواطنين العرب هناك؟& بل أنني عانيت شخصيا من ندرة الحرف العربي وإنعدامه وعدم وجود صحف الدولة الإيرانية ذاتها التي تطبع بااللغة العربية بينما يستطيع أي زائر أي مدينة إيرانية أن يرى الصحافة والكتاب العربي دون بالغ عناء إلا في الإحواز؟ ؟؟ وفي الأمر أكثر من مفارقة بالطبع؟& لا بل أن النوايا والتوجهات واضحة ولا تحتمل التأويل؟ وحيث ظل أهل الإقليم موضع شك في ميولهم وانتماءاتهم وتطلعاتهم القومية والثقافية المشروعة والتي يقرها الإسلام ولا تتناقض ومبدأ السيادة الوطنية الإيرانية بأي شكل من الأشكال.
إن تكرار بعض الأحداث المؤسفة في عربستان الإيرانية وقيام أجهزة السلطة هناك بالتعتيم عليها لا تلغي حقيقة أن الأحوازيين يتطلعون شأنهم شأن باقي الشعوب للاستفادة من رياح المتغيرات الدولية والمساهمة الفاعلة في بناء وطنهم الذي دمرته رياح الترتيبات الدولية أوائل القرن الماضي، أما ترداد الأساطير الملفقة حول شرائط الفيديو الإباحية وحول بعض الادعاءات الأخرى فهي تثير السخرية لأوضاع إقليم غني وعريق لم يعد يجد المواطن فيه مايشربه؟& بعد أن أتخم الجميع بشعارات التضليل الإعلامية المعروفة؟
فهل هي انطلاقة جديدة لحركة الحقوق المدنية الأحوازية؟&