شهد عام 2002 عربيا أحداثا اتسمت بقدر من السخونة ‏‏التى انعكست على أداء الجامعة العربية أبرزها المشكلة العراقية ومحاولة تجنيب ‏‏العراق ضربة عسكرية اضافة الى القرارات المهمة لقمة بيروت بالنسبة للحالة بين ‏ ‏العراق والكويت.‏‏ كما أن مبادرة السلام العربية التى تم طرحها خلال تلك القمة كانت أيضا من ‏‏الاحداث المهمة رغم محاولة اسرائيل اجهاضها غداة طرحها باجتياحها الاراضى ‏‏الفلسطينية ثم هناك أيضا الاصرار الليبي على الانسحاب من الجامعة العربية وتخوف ‏‏البعض من أن يكون ذلك الانسحاب بداية لاتفراط عقد الجامعة.‏
ولاحظ الخبراء هنا أن الجامعة العربية واجهت العديد من الملفات الصعبة على ‏ ‏الصعد السياسية والاقتصادية التى يستعصى معظمها على الحل و أن عام 2002 لم يشهد ‏ ‏تقريبا غلق أى ملف وانما مازال هناك الكثير من القضايا المعلقة والنهايات ‏‏المفتوحة.‏ ‏ وبالنسبة للقضية العراقية فان بدايات العام لم تكن تشي بالنهايات اذ أن ‏ ‏البداية شهدت محاولات للتعامل بشكل هاديء و مختلف مع هذا الملف وجهود عدة فى ‏‏اتجاه أن يكون العراق أكثر مرونة خصوصا بالنسبة لقضية عودة المفتشين.‏
وفى هذا الاطار اعتبر خبراء الشؤون العربية الزيارة الاولى التى قام بها ‏ ‏الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى العراق فى يناير الماضى نقله ‏ ‏نوعية فى التعامل العربى مع هذا الملف اذ اعلن العراق بعدها قبوله عودة هؤلاء ‏‏المفتشين.‏
‏ ورغم تحسب البعض من المرواغات العراقية الا أنه كان هناك مايشبه التفاؤل ‏ ‏المشوب بالترقب والحذر بحدوث انفراجات فى هذا الملف خصوصا بعد تعهد العراق فى قمة ‏ ‏بيروت باحترام سيادة وأمن الكويت وعدم تكرار ماحدث عام 1990.‏‏غير أن الأحداث سرعان ماجرت فى الاتجاه المعاكس نحو السخونة ‏‏والالتهاب خاصة أن العراق لم يحترم تعهداته خلال تلك القمة الامر الذى يؤخذ على ‏‏العراق الذي عرف عن نظامه عدم احترام تعهداته وتهديده لجيرانه.‏
ويذكر أن الفقرة الخاصة بمسألة الحالة بين العراق والكويت فى البيان الختامى ‏ ‏للقمة تضمنت "تأكيدات من العراق على احترام استقلال وسيادة الكويت وضمان سلامة ‏ ‏ووحدة أراضيها بما يؤدي الى تجنب كل ما من شأنه تكرار ما حدث فى عام 1990 وتبنى ‏ ‏سياسات تؤدي الى ضمان ذلك فى اطار من النوايا الحسنة وعلاقات حسن الجوار".‏ ‏ كما تضمنت دعوة القادة العرب العراق الى وقف الحملات الاعلامية والتصريحات ‏ ‏السلبية تمهيدا لخلق أجواء ايجابية تطمئن البلدين بالتمسك بمباديء حسن الجوار ‏‏وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اضافة الى مطالبة بغداد "بالتعاون لايجاد حل سريع ‏ ‏ونهائى لقضية الاسرى والمرتهنين الكويتيين واعادة الممتلكات وفقا لقرارات الشرعية ‏ ‏الدولية".‏
‏ وشهدت الفترة التى اعقبت التهديدات الامريكية بشن حرب على العراق اذا لم يمتثل ‏ ‏للقرارات الدولية ذات الصلة ويسمح بعودة غير مشروطة للمفتشين مناشدات عربية ‏
‏واجتماعات على مستويات عدة منها الاجتماع الطاريء لوزراء الخارجية العرب في‏
‏نوفمبر الماضى وذلك فى محاولة لاقناع العراق بالتعامل الايجابى مع الوضع الدولي ‏
‏الذى يسير باتجاه الحرب.‏
كما أن غالبية الدول العربية رحبت بقرار مجلس الأمن رقم 1441 لانه لايجيز ‏ ‏الاستعمال التلقائى للقوة ضد العراق فيما استمرت المناشدات للعراق بالتعامل ‏‏الايجابى مع القرار باعتباره الفرصة الاخيرة فى تجنب العراق لضربة عسكرية.‏‏ وفى غضون ذلك وفي ظل دعم عربي للعراق ومحاولات مستميتة للحيلولة دون ‏‏هذه الضربة جاء خطاب الرئيس العراقي في السابع من هذا الشهر والذي أعلنه وزير ‏‏اعلامه محمد سعيد الصحاف والذي هاجم فيه الكويت وحملها تبعات غزه لها وهو ما ‏‏رفضته الكويت فيما اعتبره البعض عودة بالقضية الى الوراء.‏
وعلى صعيد القضية الانسانية لم يتحرك الملف الا خطوات بطيئة منها عودة العراق ‏ ‏مرة أخرى لاجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بقضية الاسرى والمفقودين ‏‏الكويتيين وبدء خطوات اعادة الارشيف الكويتى والذى شاركت الجامعة فى اجراءات ‏‏استلامه كما وافق العراق على استقبال المنسق الدولى الخاص بالاسرى والممتلكات ‏‏الكويتية يورى فورنتسوف لبحث هاتين القضيتين.‏
أما بالنسبة لقضية الصراع العربى الاسرائيلى وعملية السلام اهتمت الجامعة ‏ ‏العربية بهذه القضية من جوانب عدة وعبر اجتماعات على مستوى القمة ومجلس وزراء ‏ ‏الخارجية ولجان متعددة منها لجنة المتابعة العربية وعدد كبير من الاجتماعات ‏ ‏الاستثنائية على مستوى المندوبين الدائمين.‏‏ وباستثناء الحدث الاهم والأكبر وهو طرح مبادرة السلام العربية عبر قمة بيروت ‏‏فى مارس الماضي تركزت معظم هذه الاجتماعات على كيفية توصيل الدعم المقرر من جانب ‏‏القمة العربية أو وزراء الخارجية العرب للسلطة الفلسطينية والانتفاضة فى الاراضى ‏‏المحتلة.‏
&وكان قادة الدول العربية قد أقروا مبادرة السلام العربية بالاجماع الا أن رئيس ‏ ‏الوزراء الاسرائيلى ارئيل شارون لم يرد أن تحصد الدول العربية أية ثمار لهذه ‏ ‏المبادرة دوليا حيث رد عليها باجتياح مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وحصار رئيس ‏ ‏السلطة الفلسطينية ياسر عرفات فى رام الله ليكون هذا الحصار المستمر حتى اليوم ‏ ‏حالة غير مسبوقة فى تاريخ الصراع العربى الاسرائيلى.‏‏ ولم يكن قد مضى على قمة بيروت سوى عدة أيام حتى عقد مجلس الجامعة ‏‏اجتماعا عاجلا على مستوى وزراء الخارجية بعد ختام القمة بأقل من أسبوع لمناقشة ‏‏تنفيذ قرارات القمة بشأن النزاع العربى الاسرائيلى ومواجهة التدهور الخطير ‏‏للأوضاع فى الاراضى الفلسطينية.‏
‏ وتم وضع خطة تحرك عربية على الساحة الدولية لمواجهة الأوضاع المتردية فى ‏ ‏فلسطين من خلال اعادة طرح قضية النزاع العربى - الاسرائيلى برمته على الأمم ‏ ‏المتحدة وعدم تجاوبها مع مبادرة السلام العربية.‏‏ كما توالت الاجتماعات الوزارية العربية لمناقشة هذه التطورات حيث عقد اجتماع ‏‏آخر لوزراء الخارجية فى يوليو الماضى بشان العدوان الارهابى الاسرائيلى على ‏‏المدنيين فى غزة وثالث فى بداية سبتمبر لمناقشة المسالة نفسها ورابع فى 23 من نفس ‏‏الشهر لبحث استمرار تدهور الوضع فى الاراضى الفلسطينية.‏
‏ كما عقد اجتماع خاص فى العاشر من نوفمبر لبحث قرار الكونغرس الامريكى بشأن ‏
‏القدس حيث تم اعتباره خروجا على أحكام القانون الدولى والشرعية.‏‏ وانشغلت الجامعة وأمينها العام فى التصدى لافكار اسرائيلية وغربية تريد خلط ‏‏الاسلام بالارهاب خصوصا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر فكان مؤتمر حوار الحضارات ‏ ‏الذى نظمته الجامعة فى نوفمبر 2001.‏ ‏ ووسط هذا التطورات المتلاحقة فى القضايا المختلفة جاء الاعلان الليبى عن الرغبة ‏ ‏بالانسحاب من الجامعة العربية فى شهر اكتوبر الماضى ليدق ناقوس الخطر فى امكانية ‏ ‏انفراط عقد الجامعة الذى يعتبر المنظومة الوحيدة التى تجمع وتربط بين كافة الدول ‏‏العربية.‏ ‏وواكب طلب ليبيا للانسحاب من الجامعة حركة عربية غير عادية حيث كانت ‏ ‏العاصمة الليبية طرابلس محط عدد من المسؤولين العرب الذين سارعوا لزيارتها ‏ ‏ومحاولة اقناع الرئيس القذافى العودة عن هذه الرغبة وكان فى مقدمة هؤلاء الزعماء ‏‏الرئيس المصرى حسنى مبارك وامير قطر الشيخ حمد بن خليفه آل ثانى والامين العام ‏‏لجامعة الدول العربية.‏
‏ وقد علقت بعض الدوائر العربية علىالطلب الليبى بانه اذا انسحبت ليبيا فستكون ‏ ‏هناك انسحابات عربية اخرى وهذا سيكون امر غاية فى الخطورة يهدد مستقبل منظومة ‏
‏العمل العربى التى تأسست عام 1945.‏‏ وخلال هذا العام قام الامين العام للجامعة العربة باكثر من زيارة الى ليبيا ‏‏لاقناعها بالعدول عن هذه الرغبة وقد اسفرت هذه الجولات عن تجميد الطلب الليبى ‏‏الذى اصبح فى حوزة الامين العام للتصرف فيه.‏
‏ وبعد الزيارة الاخيرة لعمرو موسى الى ليبيا نسبت وكالات الانباء للدكتور على ‏
‏التريكى امين اللجنة الشعبية العامة للوحدة تصريحا اكد فيه ان ليبيا مصممة على ‏
‏الانسحاب من الجامعة.‏ ‏ وعلى الفور اكد المتحدث الرسمى باسم الامين العام هشام يوسف ان الوضع كما هو ‏‏عليه ومازال فى حوزة الامين العام ولم يحدث فيه اى تطور جديد ولم يحدث اى تغيير.‏‏ ورفض الامين العام الدخول من جديد فى التعليق على قضية انسحاب ليبيا وقال ‏‏"لانريد فتح هذا الملف مرة اخرى".‏
‏ ولم تكتف ليبيا بفكرة الانسحاب بل اعلن وزير التعاون والاتصالات ‏ ‏الخارجية الليبي عبدالرحمن شلجم طان الجامعة العربية اصبحت مضاد حيوى بلا فائدة" ‏‏مما يعنى ان هناك توجها ليبيا نحو الانسحاب من الجامعة وتعزز هذا بعد تبنى ليبيا ‏‏للتوجه الافريقي فى علاقاتها وتعزو ذلك لقيام دول الاتحاد الافريقي بكسر الحصار ‏
‏عن ليبيا بعكس الدول العربية التى لم تستطع ذلك.‏
‏ وكانت ليبيا قد اثارت فكرة الانسحاب من الجامعة خلال العام الماضى 2001 بعد ‏
‏تولى الامين العام عمرو موسى مهامه خلفا للدكتور عصمت عبدالمجيد والذى شهد ايضا ‏
‏الفصل الاول من التهديد الليبي بالانسحاب من الجامعة العربية احتجاجا على ‏
‏ماتعتبره ليبيا عدم ارتقاء العمل العربى الجماعى الى مستوى التحديات التى تواجه ‏
‏الامة سواء فى فلسطين أوالعراق أوالسودان.‏
‏ وكان الموقف الليبى قد أحدث جدلا عربيا وادى الى مناقشات ساخنة بشأن الوضع ‏
‏العربى المتردى وما اذا كانت هناك حاجة لعقد قمة استثنائية وهو ما دعت اليه قطر ‏
‏رسميا فى الاجتماع الوزارى الطاريء الذى عقد فى نوفمبر الماضى لتدارس الأوضاع ‏
‏التى تغضب ليبيا.‏ ‏ الا أن فرص انعقاد هذه القمة لم تكن كبيرة نظرا لقرب انعقاد القمة العادية ‏ ‏الدورية المقبلة فى مملكة البحرين.‏
‏ وعلى الرغم من أن ليبيا أكدت على لسان أكثر من مسؤول أن طلب الانسحاب مازال ‏
‏قائما وأنه لارجعة فيه أعلنت الجامعة أن الطلب مازال بحوزة الأمين العام من غير ‏
‏جديد قد طرأ على الموضوع فيما أكد وزير الخارجية المصرى أحمد ماهر أن ليبيا ستحضر ‏‏القمة العربية المقبلةة الامر الذى يشى بفصول جديدة فى هذ الملف.‏ ‏ من الملفات التى شهدت تقدما فى التعامل معها وان كان من جانب اقتصادى الملف ‏‏السودانى حيث شهد عام 2002 تحولا فى الدعم العربى للسودان من مجرد دعم سياسى الى ‏‏دعم مالى واقتصادى.‏
‏وكانت قمة بيروت قررت انشاء صندوق لدعم السودان بقيمة 450 مليون ‏
‏دولار وادراكا للمشكلات التى تواجه توفير المال لهذه الصناديق قرر الأمين العام ‏
‏للجامعة انتهاج أسلوب جديد للتعامل مع هذه المشكلة فقرر انشاء هيئة عربية لاعمار ‏
‏جنوب السودان.‏
‏ ومهمة هذه الهيئة التنسيق بين الدول والمنظمات التى ستقدم الدعم لمشاريع ‏
‏البنية الاساسية والخدمية فى جنوب السودان.‏كما شهد نهاية العام اجتماع بين صناديق التمويل العربية والمحلية ومسؤولي ‏‏حكومة السودان بالجامعة لتقديم المشاريع التى تحتاج الى دعم وتمويل بشكل عاجل فى ‏‏جنوب السودان لجعل الوحدة عنصرا جذابا لابناء الجنوب.‏‏ ويعتبر اتفاق (ماشاكوس) من الاحداث المهمة فى هذا الملف بعد أن دخلت الولايات ‏‏المتحدة على خط الضغط السياسى فى الازمة السودانية من اجل توصل الحكومة وحركة ‏‏التمرد فى جنوب السودان لاتفاق بدلا من التركيز على العقوبات على حكومة السودان.‏
وقد تم التوقيع على بروتوكول (ماشاكوس) بعد تعثر فى المفاوضات بين الجانبين ‏
‏فيما شهد نهاية العام الحالى مفاوضات مكثفة بين الجانبين بهدف التوصل لاتفاق ‏
‏سلام ينهى حالة الحرب والبدء فى عملية تنمية واعادة اعمار فى ولايات الجنوب حيث ‏
‏قدمت الحكومة لصناديق التمويل العربية مشاريع تنموية تبلغ تكلفتها مليار دولار.‏
‏ ويظل هناك الكثير من القضايا والملفات الساخنة على جدول أعمال الجامعة التى ‏
‏مازالت مفتوحة والتى لم تحرز اى تقدم خلال عام 2002 مثل الملف الصومالى وغيره ‏
‏اضافة الى قضايا اقتصادية مثل منطقة التجارة الحرة ومالية تتعلق بموازنة الجامعة ‏
‏والعجز الذى أصبح شبه مزمن واعادة هيكلة الجامعة وغيرها من القضايا المرشحة ‏
‏للاستمرار فى عام 2003 وربما غيره من الاعوام.