حسين السكاف
&
أعترف بأني سأستغل المشاهد التي لا تزال ساخنة في ذهن المشاهد العربي للجرائم البشعة التي ارتكبها هولاكو أثناء احتلاله بلاد الرافدين " العراق "، تلك المشاهد التي جسدها مسلسل " هولاكو " الذي عُرضَ في الفترة الرمضانية الأخيرة، أعترف بأني سأستغلها للمقارنة بين هولاكو المغول وصدام "الغرب ".
أترك للقارئ تحديد الزاوية التي يختارها في عبارة " الغرب " فللغرب زوايا كثيرة، وأبدأ بالفوارق الطبيعية والمعروفة بين هولاكو ودكتاتور العراق، فهولاكو ليس عراقياً وبالتالي فهو ليس عربياً أو كردياً وبالضرورة فهو لا ينتمي إلى أرض العراق التي احتلها وعاث بها خراباً وفساداً، ولكن دكتاتور العراق محسوباً على الشعب العراقي، فلقد " ولد " في العراق وشرب من مائه، وله في أرض العراق أمواتاً قد دفنوا بها وأقصد بذلك " التاريخ "، فماذا كان جزاء تلك الأرض التي احتضنته؟، عندما كان شاباً شارك في محاولة اغتيال أول رئيس جمهورية في العراق ألا وهو عبد لكريم قاسم، كان ذلك في عام 1959م، قد تكون هذه العملية لها مبرراتها السياسية آذاك، ولكن المهم في هذا الموضوع هو أن ذلك الشاب المدعو صدام حسين قد استهوته لعبة المؤامرة، واستحلى طعم الاغتيال، فلقد لعب دوراً بارزاً في التخطيط إلى اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر ( كتاب " عبد الناصر وثورة ليبيا " تأليف فتحي الديب، مسؤول الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية المصرية 1956 - 1970 )، على الرغم من أن الحكومة المصرية وشعبها قد آوته وأعطته الأمان لعدة سنوات عند فراره من العراق أثر محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، ثم يؤسس مع طارق عزيز مباشرةً بعد تسلم البعثيين السلطة في إنقلابهم المعروف عام 1968، منظمة " حُنَينْ " التي كانت تختص بالاغتيالات والتي راح ضحيتها الكثير من العراقيين وعلى رأسهم بعض رجالات حزب البعث الذين كانت لهم اليد الطولى في وصول ذلك الحزب إلى السلطة والذين يعرفون الماضي المشين لهذا الشخص المدعو صدام حسين، بالإضافة إلى اغتياله بعض الرموز السياسية العراقية من الأحزاب الأخرى مثل ستار خضير و& محمد أحمد الخضري الذي اغتاله صدام حسين شخصياً وبيده النجسة، وتمتد قائمة الاغتيالات والتي تضم مئات العراقيين، وأكثرهم من كانوا قريبين جداً منه، حتى تصل إلى ابن خاله وشقيق زوجته ووزير دفاعه عدنان خيرالله، لتصل فيما بعد إلى أبناء عمومته وأزواج بناته حسين كامل ( وزير الصناعة والتصنيع العسكري ) وصدام كامل ( المرافق الأقدم للدكتاتور )، لا أعتقد بأن هولاكو قد فعل ما شبه هذه الأفعال الإجرامية بعائلته وأصدقائه !!.
لقد عمد هولاكو إلى إتلاف الكتب العلمية والثقافية التي كانت تزخر بها مكتبات بغداد آنذاك حتى اصطبغت مياه دجلة بألوان أحبار تلك الكتب، فماذا حل بدجلة والفرات أيام حكم الدكتاتور الذي دخل العراق من الغرب ؟، لقد جف نهر دجلة حزناً على جفاف شقيقه نهر الفرات وأصبحت بلاد النخيل والزراعة الوفيرة صحراء تستورد البطاطة والطماطم والحبوب من الدول الأجنبية، وماذا حل بالثقافة والمثقفين ؟ لقد أعدموا وتشردوا في دول المنافي الباردة والذين يقدر عددهم بأربعة ملايين شخص بين شاعر وكاتب وفنان وعالم وطبيب ومهندس وغيرها من الاختصاصات، ومُنِعتْ كتبهم من المكتبات العراقية وحُرِقَتْ في محرقة خاصة بناها الدكتاتور خصيصاً لذلك وهي الآن على ملاك وزارة الداخلية ببغداد.
كم من العراقيين قُتلوا في زمن هولاكو ؟، لنتفق بأن الرقم كان مليون عراقي على الرغم من أن هذا الرقم مبالغاً فيه لنسأل، كم من العراقيين قُتِلوا في زمن ابن العوجة، الدكتاتور الذي دخل بغداد من الغرب؟ والجواب بسيط وموجود في كتبٍ كُتِبَتْ منذ زمن قصير، ما يزيد عن مليون عراقي قُتِلوا في الحرب التي امتدت ثمانِ سنوات بين العراق وإيران، ومثلهم أو أقل بقليل قد أعدموا طيلة هذه السنوات الثمانية لأنهم رفضوا المشاركة في هذه الحرب، أو ممن كانوا ينتمون إلى أحزاب سياسية أخرى غير حزب البعث، بالإضافة إلى ومئات الآلاف من معوقي الحرب ثم تتوج قائمة تلك الحقبة الزمنية بحرب ما أطلق عليه من قبل الدكتاتور اسم " الأنفال " والتي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب العراقي الكردي أثر قيام قوات الدكتاتور المسلحة بقصف مئات القرى الكردية في كردستان العراق بالأسلحة الكيماوية، ثم ما يقارب المائة ألف شاب عراقي قُتِلَ في حرب تحرير الكويت، تشهد على ذلك الجثث التي كانت متناثرة على طول الطريق الممتد بين محافظتي البصرة والناصرية والتي أصبحت طعاماً للكلاب السائبة والذئاب، يضاف إلى ذلك العراقيين الذين قتلوا نتيجة القصف الوحشي الذي تعرضت له المدن العراقية أثناء تلك حرب، وأذكر منها على سبيل المثل لا الحصر، العراقيين الذين قُتلوا في ملجأ العامرية ببغداد والذي اعترفت به القيادة العسكرية الأمريكية في حينه، لتأتي بعد ذلك أحداث انتفاضة آذار المجيدة والتي شملت أربعة عشرة محافظة عراقية انتفضت على الدكتاتور، لتنتهي وللأسف على يد القوات المتحالفة مع القوات الأمريكية، لتبدأ بعدها مباشرةً أعمال الإبادة الجماعية التي تعرض لها العراقيين من قبل قوات الدكتاتور المسلحة، والتي تم بث بعض الصور التلفزيونية منها في القنوات التلفزيونية العربية.
ترى هل كان هولاكو يعرف معنى المقابر الجماعية؟، وهل كان هولاكو يمتلك الأسلحة الكيماوية؟.
ثم تبدأ بعد كل ما ذُكر مأساة الشعب العراقي منذ عام 1991 حتى يومنا هذا، مع مسرحية الحصار الاقتصادي، والتي يدفع ثمنها العراقيين كل يوم جوعاً وحرماناً وموتاً مخيف، ففي كل يوم يموت المئات من الأطفال العراقيين نتيجة سوء التغذية وشحة الدواء - ترى هل مات أحد من أبناء الطاغية أو أحد أقاربه أو حتى من عشيرته أو حرسه الخاص بسبب نقص الغذاء أو الدواء؟ - ولا أريد أن أتطرق إلى المضايقات البغيضة التي يتعرض لها العراقيين خارج العراق من قبل الأشقاء والأصدقاء على الرغم من أنهم ضحايا لذلك الطاغية الذي احتل العراق قادماً من الغرب.
أرجو أن تسامحوني عن عدم مقدرتي كي أحصر ما تقدم من أرقام في رقم واحد، خوفاً من الذهول.
يبقى أن أقول أن هولاكو لم يكن عراقياً أو عربياً أو كردياً، وما فعله " ابن " العرب والعراق يفوق ما يفعله ألف هولاكو.
كل ذلك وكل ما تخبئه الأيام القادمة لنا نحن العراقيين نبقى كنخيلنا شامخين نعطي الدفء والظل والثمر والجمال ولا نأخذ شيئاً، فجذور النخلة جديرةً كفيلةً باكتشاف المياه، نبقى أنقياء، أبرياء من كل أفعال الطاغية الذي احتل عراقنا في غفلة من التاريخ، لسبب بسيط جداً هو إننا ضحايا ذلك الجلاد.