إيلاف طارق السعدي: لايترك الإسلاميون المغاربة وخصوصا الممثلين منهم بمجلس النواب أية هزة إعلامية أو فضيحة مالية تمر دون استغلالها بشكل فاحش عبر اصطناع المبررات ودواعي الهجوم وإشعال الفتائل تلو الأخرى.
صحيح أن الواقع الاجتماعي مهترئ بفعل الأزمات الاقتصادية المتوالية وقضايا الفساد المالي التي تحول دون انطلاقة فعلية للاقتصاد والتنمية بالمغرب وهي كلها مظاهر محبوبة لدى الإسلاميين المغاربة لكونها تشكل فرصة ذهبية و"موضوعية" للانقضاض على النظام ككل بما فيه رمزه الأكبر الملك، "أمير المؤمنين" محمد السادس.
وأمام التصاعد الملحوظ في وتيرة خطاب الإسلاميين ضد النظام السياسي يرجع المغاربة بذاكرتهم إلى الوراء ويدندنون في صمت "من كان يتصور قبل سنين قليلة تجرؤ أحدهم على الملك الراحل الحسن الثاني وهو أيضا كان يحمل لقب "أمير المؤمنين"؟"..تبدو الأمور خطرة فعلا لأن المغرب - وبإجماع خبراء المنطقة -& سيكون لا محالة أقل صلابة ومناعة من الجزائر في مواجهته لتصاعد الدكتاتورية الدينية على وجه الخصوص.
فالإسلاميون الذين حصلوا على عدد من المقاعد الهامة بالانتخابات التشريعية الماضية على سبيل المثال صاروا اكثر شراسة في القول والفعل فبعد أسابيع قليلة على تعيين الحكومة الجديدة 38وزيرا بقيادة التكنوقراطي إدريس جطو رفع إسلاميو حزب العدالة والتنمية جماعة العدل والإحسان بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين من إيقاع تصعيدهم ضد النظام منتقدين بلهجة قوية البرنامج السياسي للحكومة وقانون المالية الذي عرض قبل أسابيع قليلة بالبرلمان المغربي...وإذا كان اللغط السياسي من قبيل تقاليد البرلمانات العربية فان الإسلاميين الشرعيين& بالمغرب صاروا كمن أصابته هلوسة قصف كل شيء يتحرك.
لقد كان النائب الإسلامي لحسن الداودي أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس من حزب العدالة والتنمية أول من أشعل فتيل الهجومات فقد انتقد بشدة من خلال يومية التجديد التابعة للحزب (4/12/2002) الحكومة بأكملها بوصفها بالمقطوعة من أية مرجعية إسلامية وخاصة وزير المالية الاشتراكي فتح الله ولعلو الذي أشبع تجريحا من قبل الإسلاميين، ومن يومها لم يستطع هذا التنظيم السياسي كبح جماح انتقاداته التي لا تنتج سوى مزيد من القلق والسلبية والخوف في أوساط المجتمع.
وحتى الفيضانات التي عرفها المغرب لم توقف هجمات الإسلاميين على النظام بل على العكس من ذلك تم استغلالها للكشف عن "بعد الحاكمين عن شرع الله". لكن المغاربة فهموا بان تطاول الإسلاميين واشتعال منجدهم الانتقادي يجد أحد مبرراته في حملات انتخابية سابقة لأوانها يقودها الإسلاميون استعدادا للاستحقاقات المحلية في يونيو المقبل.
وإذا كان إسلاميو حزب العدالة والتنمية بدستورية الملكية بالمغرب ولا يهاجمون شخص الملك بشكل مباشر فان نادية ياسين ابنة الشيخ عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان تكون قد حققت كل الأرقام القياسية في انتقاد النظام السياسي المغربي بخصوصيته الملكية بل ومهاجمة الملك.
ففي حوار بالقدس العربي اللندنية (3/12/2002) تكلمت عن القصر وعن الملك بلغة مباشرة متهمة الخير بأنه يريد& الهيمنة على الفعل الحكومي من خلال تعيينه لإدريس جطو. كما نادت بضرورة& تعديل الدستور وخاصة الفصل 19 منه للتقليص من اختصاصات الملك.
وحتى الانتخابات التشريعية الأخيرة بالمغرب فان نادية ياسين الناطقة الرسمية باسم والدها الشيخ ياسين فإنها تصفها بالمزورة باستثناء الأرقام التي حصل عليها الاسلاميون الآخرون والذين تنقد مشاركتهم للحكم في "لعبته السياسية".
وتهاجم نادية ياسين بكل جرأة لقب إمارة المؤمنين لنه في رأيها لابد من توفر شروط لاستحقاق اللقب ك"إجماع الأمة واقرار مبدأ الشورى. إضافة لقول الجماعة بضرورة تربية الشعب وأنها مستعدة للقيام بذلك لو أتيحت لها الفرصة.
إن الانتقادات المكثفة والعشوائية إلى حد ما- لجماعة العدل والإحسان المغربية لرمز النظام السياسي بالبلاد مرفقة بالهجمات الكبرى لحزب العدالة والتنمية على الحكومة من شأنه أن يضع البلاد في وضع "هدية" لكل من يرغب العبث بالبلا د والناس بل وبالمنطقة، مادام المغرب لا يتوفر على أحزاب وازنة ونخب سياسية مؤثرة تستطيع ملء الفراغ - الهدية.