&
نعرف ان النظام العراقي يكذب، لكن علينا ان نسير معه الى آخر نقطة في قضية الأسرى، فموافقة العراق على استقبال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في شأن الأسرى، وموافقته على حضور اجتماعات اللجنة الثلاثية بعد مقاطعة استمرت أكثر من أربع سنوات يجب ان نتعامل معهما تعاملاً فنياً وليس سياسياً، ويجب الابتعاد عن تسييس اجتماع اللجنة الثلاثية والتعامل معه بأبعاده الانسانية على أمل ان نصل الى شيء.
النظام العراقي كان يرفض عودة المفتشين، وكان طارق عزيز يردد دائماً ان العراق لن يقبل بعودتهم، ويعتبر ذلك إهانة لـ "الكرامة" الوطنية، ثم عاد العراق وسمح بعودة المفتشين بشروط قاسية، ووصل الأمر الى تفتيش القصور الرئاسية وغرف نوم الرئيس العراقي. وكان العراق يرفض التحقيق مع العلماء المشاركين في برنامجه النووي والجرثومي، فأصبح يوافق الآن على استدعاء هؤلاء العلماء للتحقيق معهم خارج العراق.
النظام العراقي يمكن ان يفعل الشيء ونقيضه، والنظام العراقي عدو نفسه، ويتصرف بطريقة لا علاقة لها بالعقل والمنطق، ولذلك فعلينا عدم الاستهانة أو التقليل من أهمية اجتماع اللجنة الثلاثية، والذهاب الى ذلك الاجتماع برغبة حقيقية في حل هذه المشكلة الإنسانية، بعيداً عن محاولة اثبات كذب النظام الذي لا يحتاج الى اثبات، أو إحراجه بعد ان تخلى عن كل شيء ووافق على كل شيء.
علينا ان نبدأ اجتماعاتنا في اللجنة الثلاثية من حيث انتهت في عام 1998، فالعراق اعترف بوجود "ملفات" لعدد محدد من الأسرى تجاوز المائة، وهي بداية جيدة للعمل التفصيلي والبحثي في كل ملف، وإذا استطعنا ان نأخذ من الجانب العراقي ما يمكن ان يشكل بداية صغيرة ولكنها جدية، فعلينا عدم تفويت الفرصة، والبعد عن خلط الأوراق، فالظروف النفسية والضغط الكبير الذي يحس به النظام العراقي ربما تدفعه إلى تقديم شيء.
لا نراهن على موقف انساني من حكام بغداد، لكننا تحت الحالة التي يعيشونها نحتاج الى هدوء وحكمة في التعامل من خلال اللجنة الثلاثية، فقضية الأسرى هي قضية حساسة يجب فصلها عن النزاع السياسي والتعامل معها كقضية انسانية، والذهاب الى آخر نقطة ممكنة لحلها بعيداً عن التراكمات الكبيرة في نفوسنا، والجرح الغائر الذي أحدثه الغزو، وهي مهمة تحتاج الى مفاوضين بأعصاب باردة وعقول نيرة.