ولد بقرية من قرى الجنوب التونسيّ في 3-10-1957 والتحق بكليّة الحقوق ثمّ اشتغل بتدريس اللغة العربية قبل أن يتفرّغ للكتابة منذ مطلع الثمانينات. نشر قصائده
منذ سنة 1980 بأهمّ الصحف والمجلاّت التونسيّة والعربيّة (الكرمل، الحياة الثقافيّة، اليوم السابع، الصباح، الرأي، أوراق، الأيّام، الشعب، الحياة، الشروق، القدس، الملاحظ، أخبار الأدب إلخ...) وقد أشرف على الأقسام الثقافيّة لعدد من الصحف (الموقف، الطريق الجديد) كما راسل جريدة القدس اللندنيّة طيلة سنتين... يشارك باستمرار في جلّ الملتقيات التي تهتمّ بالأدب العربيّ (باريس، القاهرة، أبوظبي، عمّان، بيروت، سترازبورغ، الدار البيضاء، دمشق، بغداد إلخ...) لإلقاء أشعاره أو المساهمة بمداخلات نقديّة... أعماله الشعريّة المطبوعة والمنشورة (حتّى الآن) "سبعة أقمار لحارسة القلعة" (دار بين قوسين للنشر. 1982)، "حكاية خضراء والأمير عدوان" (شعر في شريط مسموع مع كتيّب / دار الشرقي للنشر 1984)، "أغنية النقابي الفصيح" (دار التقدّم.1986)، "أناشيد لزهرة الغبار" (دار أقواس للنشر 1991) و"المعلّقة" (شعر في شريط مسموع مع كتيّب / دار أقواس للنشر.1994)
الأعمال المنشورة التي ترجمها عن الفرنسيّة: "يوميّات بودلير" (دار الجمل.1999)، "ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان" رواية لج سينويه. (دار الجمل. 2000) و"وداعًا بابل" رواية لنعيم قطّان. (دار الجمل.2000 )
تغنّى بأعماله (المكتوبة بالفصحى أو العاميّة) فنّانون عديدون من بينهم لطفي بوشناق (تونس)، الشيخ إمام ( مصر)، ميشلين خليفة (لبنان) والشابّ خالد (الجزائر) إلخ...
أحرز على عدد من الجوائز التونسيّة والعربيّة والعالميّة في هذا المجال، من بينها: جائزة RFI الإفريقيّة الأوروبيّة لدورتين. الجائزة الكبرى لمهرجان الأغنية التونسية لثلاث دورات. ثلاث جوائز لمهرجان الإذاعة والتلفزيون بالقاهرة لدورتين... وله كتب للسينما : حوار الشريط القصير " مسار " إخراج منيرة بحر. ( تونس 1995)، حوار الشريط القصير " كنز " إخراج منيرة بحر ( تونس 1996)، جينيريك شريط " حيّ درابك " إخراج محمد دمّق . ( تونس 1997)، جينيريك شريط " صيف حلق الوادي " إخراج فريد بوغدير . ( تونس 1998)، جينيريك الشريط الطويل "كن صديقي" إخراج الناصر القطاري. (تونس 2000)، جينيريك الشريط الطويل "صندوق عجب" (تحصّل على جائزة لجنة التحكيم لمهرجان أيّام قرطاج السينمائيّة لدورة 2002) إخراج رضا الباهي (تونس) 2002
كتب للتلفزيون : حوار وجينيريك مسلسل "يا زهرة في خيالي" إخراج عبد القادر الجربي (تونس)، جينيريك مسلسل " غادة "إخراج الحاج سليمان . ( تونس )
ينتج ويقدّم للتلفزيون: برنامج "رواق الكتب" وهو برنامج ثقافيّ أسبوعيّ يعدّه ويقدّمه على الفضائيّة التونسيّة منذ سنة 2000. ينتج ويقدّم للإذاعة التونسيّة: برنامج "زورق لعبور الليل" وهو برنامج ثقافيّ أسبوعي استضاف له محمود أمين العالم، محمود المسعدي، عبد الرحمن الأبنودي، واسيني الأعرج، محمود طرشونة، مارسيل خليفة، نجا المهداوي إلخ...)
وللسيرة بقيّة...
الشعر يدٌ والقصيدة عصًا
بها يرى عابر السبيل طريقه
بها يقود الأعمى أوركستراه...
الشعر مجرّد يد.
إنّه اليد التي تحاول أن تشقّ لعابر السبيل طريقه في الأشياء والأسماء والأبعاد. تحاول أن تمسك بالثمار المتدلّية من شجرة الحياة، تلك الثمار السحريّة (لفرط معقوليّتها) والخياليّة (لفرط واقعيّتها) والروحيّة (لفرط ماديّتها) التي تُخفِي أكثر ممّا تبين والتي تَتْلَفُ وتتلاشى ما أن يهمّ بها عابر السبيل. وحدها يد الشعر (في كلّ فنّ) تستطيع الاقتراب من هذه الثمار ومن أطرافها المترامية دون أن تُتْلِفَها، أو لِنَقُل دون أن تُتْلِفها على الفور، ممكّنة بذلك عابر السبيل من أن يرجئ هلاكه قليلاً...
فإذا امتدّت هذه اليد تتحسّس هذا العالم وأناملها الكلمات، أصبحت قصيدة، أصبحت عصا الشاعر الأعمى، وأمكن أن نكتب: الشاعر "يرى" بقصيدته كأن نقول الأعمى يرى بعصاه.
لا يقين للشاعر ولا برهان. يتيمُ الجميع هو وابنُ كلّ ما فات وكلّ ما يجيء. يجد في الفقدان والنقصان والغياب حطبًا يتدفأ به في برد الزحمة والهشاشة. يتمنّى أن يستظلّ بشمسه العابرون لكنّه لا يعرف كيف يبتعد عنهم بما يكفي ولا كيف يقترب منهم كما يحبّ. وعليه أن يبتعد وعليه أن يقترب. بوصلته حدسٌ بالحريّة والجمال والاختلاف لكنّ طريقه إلى كلّ ذلك متاهة وسلاسل. طريق زلوقٌ ملتوية محفّرة لا حدود لها ولا خرائط، يتقدّم فيها (أو يتقهقر لا يدري) وهو عربةٌ محشوّةٌ بشظاياه وهُوِيّه وجراحه العميقة. وعلى كلّ حجر ومع كلّ حفرة تهتزّ العربة قليلا فيسقط منه شيء، قد يكون حبيبًا أو فكرة، قد يكون حلمًا أو سؤالاً، قد يكون نملةً أو نجمة، قد يكون موقفًا أو فوضى، وهو إلى ذلك يمدّ يده إلى الثمار المتدلّية على جانبي الطريق فتمدّه بأسباب هلاكه: المتعة والعزلة والرغبة والبراءة...

وعليه أن يضحك كي يتحمّل الحياة، وعليه أن يلعب كي يتحمّل الموت...وعليه أن يكتب كي يرى هل عاش (هل يعيش) من أجل شيء يستحقّ أن "يموت" من أجله حقًّا؟

القصيدة عصا عابر السبيل الأعمى الممدودة التي تضيء له الطريق وهو يشقّ العتمة. وفي العتمة تحفر العصا (القصيدة) طريقها حرّةً طليقةً لا قيود لمبانيها ولا سدود لمعانيها ولا حدود لمغانيها، إلاّ ممّا ترتضي لنفسها من "شروط" كي تعرف أين هي من سواها وكيف تتمرّد وتنشقّ وعلى أيّ شيء تتمرّد وتنشقّ. وفي العتمة يُسمع لها صوت وهي تتحسّس الطريق بهِ يَعْرِفُ العابر وبه يُعْرَف. إنّه إيقاعها الخاصّ الذي لابدّ لها منه وهي ترتطم بالكائنات، إذ بدونه يذوب صوتها في صمت الضجيج العامّ...وللقصيدة إلى ذلك قدرٌ واحد لا خلاص لها منه: أن تكون مثل أيّ عصًا في يد أيّ أعمى، أي ألاّ تنتقي وهي تتحسّس الطريق وإلاّ أعمت صاحبها أكثر، وأَلاَّ تترفّع عن شيء ممّا يصنع ما مضى من الطريق وما يجيء: الواقع والخيال، الفكرة والشيء، الحدث والحلم، الشكّ والإيمان، الجزئيّ والكليّ، الماديّ والميتافيزيقيّ، العابر والأبديّ، الممكن والمستحيل...
وكلّ من يتوهّم غير ذلك يخرج من الشعر إلى شيء كالشعر لولا أنّه إلى المزيد من العمى...
لكنّ القصيدة مثل "العصا" ليست مرآة عاكسة بقدر ما هي مرآةٌ لاقِطةٌ هاضِمةٌ مفكِّكَةٌ مُحَوِّلةٌ أي متيحة للتأويل، ومن ثمّ إبداعها أو لنقل تمكينها صاحبها من إبداع (تخيّل إخصاب- تغيير؟) العالم الذي يصله من خلالها. أليست فيزياء هذا الكون خالية من اللون والطعم والرائحة؟ أليست حواسّنا هي التي تمنح هذا الكون طعومه وروائحه وألوانه؟ هكذا القصيدة لولا أنّها تبدع من الطعوم والألوان والروائح والأصوات والأبعاد والوقائع والأخيلة والكائنات والمصائر والأسئلة ما هو بعيد عن "المشترك"، ومن ثمّ قدرتها على توريط الآخر (القارئ) في بناءِ "مُخْتَلِفٍ" عامّ...

والشاعر من يستأنس بصراعه (حواره) مع شظاياه. النثر أم الوزن؟ الملاك أم الشيطان؟ براءة الطفل أم حكمة الشيخ؟ نقاء اللغة أم تلوّثها باليوميّ؟ الإقامة أم الرحيل؟ المعنى أم البياض؟ اللغة أم التجربة؟ المباشر أم الملغز؟ أسئلة قد يطرحها الشاعر إلاّ أنّه لا ينحاز فيها إلى ضفّةٍ واحدة فهو هذا كلّه وكذلك الحياة. وهو في حيرته المزمنة وشكّه الأبديّ لا يتّكئ إلاّ على يقين واحد لا يتزعزع: أنّ الشعر أوركسترا وليس عزفًا منفردًا. لكنّها أوركسترا يشخّصها عازف واحد أعزل إلاّ من شظاياه، أعزل إلاّ من شظايا العالم، هو الشاعر، الكائن الأركستراليّ بامتياز، وفي يده القصيدة (العصا) تقود الأوركسترا (الشظايا) لتتحاور وتتناشز وتتشاكل وتتقابل وتتضامن وتتناقض مفضية بذلك كلّه إلى تعقّدٍ مَا، إلى بساطةٍ ما، إلى انسجامٍ ما، إلى تنافرٍ مَا، إلى تناغمٍ لا يعرف سرّه إلاّ الشعر...

الشعر يد عابر السبيل في متاهة تعدم الرؤية، فإذا امتدّت إلى الأمام تتحسّس العالم بأناملها الكلمات، كتب العابر قصيدته كأن تقول ربح الأعمى عصاه...
نافخ الزجاج الأعمى
كيف تكتبُ؟ (سألت الطفلةُ أباها وكان أعمى) كيف تكتب؟
أنظرُ في نفسي (قال) أنظر في نفسي طويلاً
إلى أن أرى ثقبًا في الورقة
أضعُ على الثقب كلمةً صغيرة
ثمّ كنافخ الزجاج
أنفخُ في الكلمة كي تكبر (قال) أنفخ في الكلمة
كي تكبر قليلاً
هكذا أحصلُ أحيانًا على قصيدة
ثمّ ماذا (سألت الطفلة أباها) ماذا بعد ؟
لا شيء يا ابنتي (قال) لا شيء يا ابنتي
يستحقّ الذكر
سوى أنّي
قد أقع في الثقب فلا أعود.
سيّدُ الظِلال
أَمْسِكْ بِجَسَدِكَ (قَالَ) أَمْسِكْ بِجَسَدِكَ جَيِّدًا، وهَشَّ بظلّه على قطيع ماعزٍ لم يرهُ أحدٌ. كُنَّا هَابِطَيْنِ مِنْ أعَلى البَراءةِ وقد تأخّرَ الوقتُ، على أكتافِنَا غُبَارُ الحِكاياتِ وتحْتَ أَقْدَامِنا تَنْزَلِقُ الكُهوفُ بئرًا بعد أُخْرَى. أَمْسِكْ بِجَسَدِكَ الضَعِيفِ كي لا تَسْقُطَ غريبًا.
- لَكِنِّي لا أخافُ السُقوطَ. السُقوطُ صديقي الوَحِيد.
أَمْسِكْ بِجَسَدِكَ (كَرَّر) ولم يُجِبْنِي.
................................
هَبَطْنَا مع المطَرِ (هل كنت ُ قُنْفُذًا جرحهُ الصمتُ؟) هبطنا في هوّةِ المطر (هل كان أَحَدَ أَيائِل الجبالِ؟) وفي قاعِ الهُوّةِ دخلْنَا سراديبَ لمْ يَدخُلْها قبْلَنَا أحدٌ، جلسْنَا نأكُل التمرَ على صناديق مَخْتُومَةٍ بالليْلِ، وعند المنعطَفِ الأخيرِ، تراءتْ لنا قُرًى رخْوَةٌ، لعلّها ظلالٌ، تنظر إلى نفسها وتعْوِي من وراء نوافذَ حجريّةٍ، مثلما تعوي الذئابُ، أَشارَ إِلَيْهَا ورَفَعَ ظِلَّهُ مِنْ على الأرض، رَفَع ظِلَّهُ مثلما تُرْفَعُ العَصا أو النخلَةُ وبِهِ وخَزَنِي في صدْرِي مَرَّتَيْنِ، ثلاثًا. أَرَأَيْتَ (قالَ) عاقِبَةَ مَنْ لَمْ يُمْسِكْ بِجَسَدِهِ؟
- لَمْ أَرَ شَيْئًا. لَمْ أَرَ إلاَّ ظِلالاً تَعْوِي مِنْ وراءِ نَوافِذَ عَمْيَاءَ.
وَلَمْ يُجِبْنِي.
كانَ قدْ نَسِيَ أنْ يُمْسِكَ بجَسَدِهِ جَيِّدًا، ومات.
.............................
لَمْ أَغْفِرْ لَهُ بَعْدُ.
لَمْ أَغْفِرْ لِأَحَدٍ، مِنْ يَوْمِهَا أَنْ أَهْبِطَ المَطَرَ وَحْدِي، وَلاَ أنْ أُمْسِكَ بِذِقْنِي (علىرأيِكَ يا جَدّ)أو لَحْدِي (برجي المُمَدَّد)أو نَدَمِي(غِمْد أحلامي) دون أن أرى الكهوف تَبْتَعِد عن قَدَمِي، وَلاَ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتًا يشيرُ إلى فَرَحٍ لا يراهُ أحدٌ.
هَاهُوَ سَيِّدُ الظِلاَلِ
أَمسِكْ بجسدكَ (يقول) أَمْسِكْ بِجَسَدِكَ من ضعفه
أَمْسِكْ بجَسَدِكَ من ضُعْفِهِ البتّار
قُلْ لَهُ اِمْضِ في طريقكَ، اِمْضِ في طريقك إلى آخر الطريق، سترى الحصانَ الأَبْلَقَ لا تَقْرَبْهُ، والسنابلَ الذهبيّة دَعْها تترنّح كنهايات القرون، سَيَلُوحُ لك القصر المرصود ذو الأبواب السبعة، والينبوعُ المتدفّق من حرائقك الداخليّة، ستشمُّ رائحة التفّاح الذي يفوح دون أن يَرُدَّ الروح إلى أحدٍ، ستسمعُ من بعيد صوت الناي السحريّ، وخشخشةَ أحلامك تتقاطر حجرًا حجرًا، في قاعِ بئرك التي بين الضلوع، ستمرُّ بحانات عديدةٍ لا يدخلها أحدٌ، فيما يخرج منها الجميع، وفي الضباب سيتراءى لك شبحٌ يشبهني، ستراه يَلُوحُ ويختفي محفوفًا بالخسارات، لا تسأله من أين جاء، ولا كيف أمكن له أن يفرح...
اِمْضِ في طريقك إلى آخر الطريق
ستراه كلَّ صباحٍ يَسْتَقْبِلُ
فُرَصَ الفرح
كما لو أنّه يعرض
صدرهُ
لرصاصةٍ
طائشة...
صاحِبُ الخُطْوة
ظَهْرُهُ إِلىجِذْعِ الأرْضِ، في يَدِهِ الجَرِيحَةِ جَرَّةُ كَلِمَاتٍ، وبَيْنَ الجرْعَةِ والأخرى يَمْسَحُ فَمَهُ بِكُمِّ قميصي، فتَدْفِنُ الأشجَارُ رُؤوسَهَا مَذْعُورةً في دَمِنَا المُضِيء.
- ما اسْمُكَ؟
- لا أَعْرِف. اِرفَعْ ذاكَ الحَجَر (كانَ وَرْدَةَ رَمْلٍ) سَمِّنِي بِلَوْنِهِ، شُمَّ تِلْك الزَهْرة (كانت زَهْرَةَ شَمَّامٍ) نَادِنِي بِرائِحَتِهَا. وأنْت؟
- يَقُولُونَ ثَمَّةَ مَنْ يَحْمِلُ عن الشاعِرِ اِسْمَهُ، لِيَفْرَغَ إلى حِفْظِ أَسْماءِ الآخرين.
- ذاكَ هو اسْمِي. ألا تَعْرِفُ أنَّ الآخرِينَ
أَحَدُ أَسْمَاءِ الشاعِرِ الحُسْنَى؟
يَشْرَبُ كانَ وفَمُهُ إلى الجَرَّةِ، فَيَحْدُثُ شَدْوُ البُلْبُلِ والكنارِي وأُمِّ الحسن. بِكُمِّي يَمْسَحُ شَفَتَيْهِ فَتصِيرُ المَرَايَا والجَداوِلُ. وفيما يُلْقِي بِالجَرَّةِ إلى جِوارِهِ، قطراتٌ من الكَلِماتِ والدَمِ تتطايَرُ وحيثُ تحُطُّ تَنْبُتُ قَصَائِد
في البَعِيدِ حيثُ يهشُّ بيدِهِ الجرِيحَةِ على الرذَاذِ
يخضرُّ الخرّوبُ والسرْوُ
تكْسُو القصائِدُ أجْنِحَةَ الحجَلِ والزرْزورِ والحساسين ذات المناقير المُضِيئة
الجِبَالُ والمُدُنُ
البُنُوكُ
نَاطِحَاتُ السُحُبِ
تتضَاءلُ في حَضْرَتِهِ المهِيبَةِ، تُصْبِحُ
رُؤوسَ أرانِبَ برِيّةٍ
تُطِلُّ مِنْ جُحُورِهَا، مَذْعُورَةً، على
عَابِرٍ غَرِيب.
جُبْتُ البِحَارَ السَبْعَةَ، قَالَ، وَقَفْتُ على جَبَلِ النُحَاسِ، هُنَاكَ إِذا سَقَطَ القَلْبُ رَنَّ كَجَرَسِ البَقَرَةِ الحَلُوبِ. جَرَّبْتُ قَاعَ الحَيَاةِ، قاعَ الحَيَاةِ السُفْلَى التي هِيَ سَمَاءُ الحَيَاةِ. حَارَبْتُ التِنِّينَ ذَا الرُؤوسِ السَبْعَةِ. أَقْطَعُ الرأْسَ كُنْتُ فَيَنْبُتُ مَكَانَهُ الفجْلُ والبَصَلُ والقرّاص. شربْتُ الشايَ معَ جازِيَةِ الهِلالِيّينَ. دَخَلْتُ أورشَلِيم، كانَ الليلُ شابًّا لكنَّ الخَمّارِينَ أغْلَقُوا الأبواب. دَخَلْتُ بَيْتًا فإذا أنا في العراءِ، عن يَمِينِي بَغْدَادُ وعن شمالِي تَلْمَعُ أضواءُ تامغزاءَ أو بيروت.
أَنَا صَاحِبُ الخطْوَةِ، قالَ، كُلّما وضعْتُ قَدَمًا
أمامَ أُخْرَى
سَلَحْتُ جَسَدًا وراءَ آخَرَ ولمْ أَجِدْ
روحي
دَخَلْتُ نَدَمًا بَعْدَ آخَرَ ولمْ أَجِدْ
سلامي
تَرَكْتُ بَلَدًا خَلْفَ آخَرَ ولمْ أَجِدْ
حتّى الآن
سارِقَ النار
لمْ أَجِدْ
حامِلَ المصباح.
ورقةٌ على طريق الفِيلة
الفِيَلَةُ حين تَهْرَمُ في الحكايات تسْمَعُ طبْلَةَ الموت: دُمْ دُمْ دُمْ
فتأخذ طريقها إلى مقبرة الفِيَلة، هناك، حيث لا يُسْمَعُ إلاّ أنينُ العاج.
- والشعراءُ (سألَتْ الطفلةُ) ألا يهرمون في الحكايات؟
بلى (قال الطفل ) لكنّهم يسمعون طبلة الحياة: دُمْ دُمْ دُمْ
فيأخذون طريقهم إلى مقبرة الشعراء:
ورقة بيضاء مرميّة على طريق الفِيَلَة.
شذرات من عمل طويل...