شاعر سعودي أصدر ثلاثة مجموعات شعرية "رماد الحب"(1989)، "رائحة الزمن الآتي (1997)، "سقط سهوا" (2000م) وله مجموعتان تحت الطبع: "وحدها تخطو على الماء" و "الدخول في المنحنى". شارك في العديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية لعل آخرها مهرجان الشعر العربي في الرمثا عام 2001.
يحرر زاوية أسبوعية في صحيفة الرياض بعنوان "إلى أن..." وتصدر كل يوم أحد.

في الشعر
للحديث عن الشعر المعاصر وزاوية الرؤيا له لابد من الحديث عن الشاعر فالشاعر الذي كان قديماً وزارة إعلام القبيلة وجد بوناً شاسعاً في العصر الحديث بين تصوراته المسبقة وبين واقع الحال فالشاعر الذي ما زال يحلم دائماً بدور المرشد والمخلص تفاجأ بعصر لا يرحب بالمرشدين أو المخلصين، والشاعر الذي ما زال يتوهم أنه سيغير العالم بالكلمات سيفجع بحقيقة أن العالم اليوم لا يتغير بالكلمات وحدها وكذلك الشاعر الذي يتخيل نفسه خطيباً على منبر تحتشد حوله الجماهير المتعطشة لتتلقف كل كلمة يتفوه بها سيشعر أن هناك أزمة ما.
وفي الحقيقة فإن الشاعر في العالم لم يعد مرشداً ولا زعيماً ولا خطيباً ( كما يرى الشاعر السوري نزار بريك في كتابه صوت الجوهر ) وإنما هو فرد من أفراد المجتمع يتميز عن غيره بطريقته الخاصة في رؤية الأشياء والتعامل معها وصياغتها فنياً وجمالياً وفي قدراته على التعبير عن أحاسيسه وانفعالاته واكتشاف المسارات العامة للوجود الإنساني واستشراف الآفاق المستقبلية وممارسة تأثيره على وجدان الناس من خلال العلاقة الحميمة والهادئة معهم والتي ربما صار مسرحها الحقيقي اليوم هو القراءة الفردية لا المهرجانات الحاشدة، وهذا المآل ليس أزمة في الشعر نفسه وإنما هو محصلة طبيعية لمجموعة واسعة من العوامل والشروط التي أملاها العالم المعاصر.
شعراء لايدخلون الجنة
( 1 )
امرؤ القيس قائدنا للصهيل
وللطير تفزعه خطوات الكلامْ
مات من الف عام
أو يزيد قليلا
لايهم القصائد هذا ..!
ما يهم القصائد أن الذي كان يرهبها
ماتَ منسلخًا
فامتشقتُ أنا صوته
ثم جئتُ إليكم
أسائلكم :
كيف لي أن أسدِّدَ فاتورة الهاتف الليلكي ؟!
القصيدة إيقاعها لمسات الأنامل
في هاتفي
ما همها أيُّها ؟! :
( الطويل ..
المديد ..
البسيط
الذي يبسط الحزن تحتي
أو وافر العزم .
حتى الذي يتداركني إن وقعتُ )
فما همُّها أيها ؟ ...
وصباح الخميس البنوك تسرِّحُ
كل الجياعِ بشبَّاكها
منذ بدء النهارْ
كي يروا فقرنا العاطفي ..!!
فلا يطلبون المزيد من الفقر والحزن
والانتظارْ ..!!
( 2 )
قيلَ إنَّ الفرزدقَ يختطُّ علمَ اللغةْ
وجريرٌ ينادي على نعجةٍ ضائعةْ
بينما أشتهي أن أراها
لأسمعها قصتي
حين أحببتُ ( سولا )
وقبلتها أربعا كي تقولاَ
بأني كتبتُ القصيدةَ
حينَ التقى البرزخانِ
أنا والتفاتتها اليانعةْ

( 3 )
حينما يصبح المتنبي ضميرًا
وبشَّار فعلٌ مضارعْ
سأعبر وحدي المواجع
أغني لعينيك أنشودةً
كانتظارِ المطرْ
وأزرعُ ما بين ( أذْني )
و ( كتْفي )
جهازًا يبلِّغني أن حرب البسوس انتهتْ
وأن المدينةَ حبلى بحزنِ الشوارعْ ..!

( 4 )
ظلَّ شوقي يعاقرُ كأساتِه
ثم يدعو لربِّ السماء بأن لايعيد
له الصومَ إلا قليلا
وسيدتي نذرت أن تصوم
عن الشعر إلا قليلا
حين فاتحتها بخطوبتها لكتابي الذي سوف
يصدر بعد لقائي بها
لم تحدثني عن أكاذيب شوقي
وتطبيله لفراعنةٍ
ظلموا يسكرونْ ..
ولا استشهدت بحكايا جميل وقيس
وكل الذين قرأنا خرافاتهم في المتونْ
ولكنها همست بحياءٍ شديدٍ
ستهديه لي ..!
فابتسمتُ وأومأت ...
قالت :
سأمضي به في ممرات كليَّتي
وأركلُ بالكعبِ
حتى الفراغَ
وأقرأ لي
ما تيسَّر من تمتمات الجنونْ ..!!

29/أغسطس 2002م

جذوة في رماد الضباب
فاتحة :
للمفاتيح لونانِ ..
لونٌ لها .. ثم لونٌ عليها ..
سيخضرُّ قلبكَ ..
تطلب هذا .. وتفتحُ بابَ القصيدةْ .!!
( 1 )
الشياطينُ مستعربونَ
ولكنَّ شيخ القبيلةِ
لايشتهي أن يموتَ كبيرًا
فيطلبهم قطرات الطفولةِ
ثم ينامُ وحيدًا ..!!!

( 2 )
قادمٌ من دمي
غرس الفجر إصْبَعَهُ في عيوني
وراح يصلِّي ..!
سأكتبُ للتابعينَ لهُ ،
لليتامى به
للسكارى الذين على بابه
يشربون بكأسات ظلِّي ..!
( 3 )
ممطرٌ حاضري
غيمةٌ تستظلُّ بها الريحُ
تكسرُ في عصفها ( خاطري ) ..!

( 4 )
النساء انتظار الجسدْ
شهوة الروحِ
( أم المفاتن ) في ساحة الحب
أختٌ رؤومْ ..!
وأمٌّ تقلب بين يديها المواجعَ
ذات اليمين وذات الشمالِ
وحزنك منبسطٌ بالوعيدْ ..!
( 5 )
قلمٌ مُتْعَبٌ .. ويدٌ مجهدَةْ
ترقمانِ على خشبِ المنضدةْ
( ألفٌ ..موصدة
باءٌ ..... موقدةْ ) ...
وسينٌٌ ..
ستكبرُ حتى تخونَ
وتكذبَ ثم تنافقَََ
ثم ستحفظ ماشاء من سورة المائدة ..!!
25 يوليو 2002م
الكتابة بماء التعب
( 1 )

أصلي صلاتين ..حين أكون وحيدًا ..
صلاة الجنازة حين تسائلني لغتي عن طريق يؤدي
إلى تمتمات فمي
..وأخرى لصوتكِ حين تكونين مشغولةً عن دمي ..!!

(2)
أنا واحدٌ من كثيرين حولك حلم محايد
شقيتُ كثيرا
.. لأني ظننتُ بأني
الكثيرين وحدي وكل الجماهير واحد ..!!
(3)
أأنت معي ياصديقي ..
قبيل وبعد الممات ؟!!
إذن من معك ..
أنا أم حنوُّك حين يلقنني تمتمات الحياة..!!
(4)
ستفنى السجائر وهي تقبلني في الخفاءْ
.. وأبقى أنا سادرٌ في فناء البقاء ..!!
(5 )
دمي باردٌ .. ويدي ملهمة ..
على شفتي انكسرتْ مقلمةْ ..
وفي نصف عيني تمرَّد ضوء عقيمٌ ..
يضاجع فوق جفوني المكانَ
ويبصق في نظرتي المظلمة ..!!

(6)
سأكتب حتى يشيب القلم ..
سأنكح مثل البغاة ثمانين سطرًا
لأنجب آلهة لاتموت ولا تنتقم ..!!
(7)
يقول الرعاة .. المكان خصيب
لماشية لاتجوعْ ولا تنتشر ..
(وما مرَّ عام وفي أرضنا رجل
واحد لايجوع ولا ينتظر)

(8)
سأفقد ..
نصف الذي ورَّثوه إليَّ من الزيف
والخوف والبسملةْ ..
فإن جئتكم كاذبا فاعلموا أنني
نصف ضوء تسلَّلَ بين نبوءته المهملةْ ..!

(9)
قناعي يدي ..
لا أجيد ارتداء القناع الذي فصلوه
لجدي فمات به يختنقْ ...!
سألتقط الريح والأكسجين بين
رعاش الأصابع فانتبهوا جيدا لن
أموت كما مات جدي بشحِّ الأفقْ ..!

(10)
هما اثنان يا صاحبي سكنا لجة من ألقْ
..! طفا واحد فاستدلوا على
آخرٍ سألوه لماذا تبلَّلتَ
بالماء مادمت تنوي الغرقْ ..!

(11)
النساء .. النساء ..
عصاي التي لا أهش بها الريح ..
لكنها تأخذ الغيم حيث يشاء الرشيد .!!

(12)
الجنون ..مفارقة الصحوِ
حين تكون الحياة كما نشتهيها ..
أينا يستطيع التنصل من هيئة
الأمر إلا دعاة الجنون؟
(13)

( زوجتي يدها في يدي ..
وشيخ السواك الملوث يسألني
مااسمها
أجبت
فعاد ليسألها مااسم أمي
أجابت فقال :
اختلفتم
فقلت له اثنان
ميم المثنى لها ألف ..
هكذا أقرؤونا
فقال :
اختلفتم ..
حنقتُ
فعادَ ليرجمها بحجارة قلبي
وعاد ومازال يرجمني بتسوُّلِ نفسي
ويحكم ما بيننا بالطلاق ..!! )

18 اكتوبر 2002م
الثانية عشرة بكاء بتفويت بغداد ..!


كعامٍ بلا ذاكرةْ
كريحٍ تملُّ من النحتِ في القبَّةِ الفاخرةْ
يطلُّ العراق برأسٍ تصدَّعَ
بين الدمارِ الذي يشملُ الضرعَ والزرعَ
والغاصبون الذينَ أرادوا من الحربِ
أن تسعلَ النفطََ حين تهبُّ على وجهه الريحُ من جهةٍ واحدةْ ..!
الخرائط مثل الستائرِ معدودةً للشتاءْ ..!
........
( عشيَّة أن أظعنوا مثلما قالَ عتبةُ
عن رحْلِ ميٍّ ..
فلا أقرؤونا السلامَ ولا حدثونا عن الغيمِ من أي بحرٍ أفاءْ ..! )
مساء المواويل يادار هندٍ
مساءَ السخافةِ ..
عُهْرَ الصحافةِ
عصر الصرافةِ
أولنقل : ياصباحَ الحصافةْ ..!
أمن آخر البيد يسعى ؟!! :
( وإنك كالكلبِ في حفاظكَ للودِّ
و .. كالتيس عندَ قراع الخطوبِ )
إذن فخذوه الرصافةْ ..!
يا هند مهركِ أن يحملَ الثقفيُّ خطيئةَ أهلكِ
حين تزوجتِهِ مُجبرةْ ..
ياااااااا هند بغداد ( أم الحضاراتِ )
خمَّارةً حين يأتي المساءُ
وعند الضحى مقبرة
( عيون المها بين الرصافة والجسرِ )
تقول الوكالاتُ أن الصراعَ على الجسر
أوحى لـ (أم البروم ) بإغلاقِ أبوابها في وجوه اليتامى
فعادوا بأمواتهم خائبينْ ..!
( جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري )
تشير المصادر أن الصراع على الجسرِ
أفزع نَوْرَسةً سرْطنَ الغاز أطرافها
ثم جاءتْ ببيضٍ معاقٍ ولونٍ دكينْ ..!

***

ياهندُ بغدادُ ( أم النبوءاتِ )
نوَّارةٌ في حقولِ الخرائط
نامتْ عشاءً ولم تحتسِ الشاي في الساعة التاسعةْ ..!
تقول الوكالاتُ .. : إن المدينة مكتظةٌ بالرؤى الفاجعةْ ..!
يا هند بغداد نامت عشاءً ..
( ومن قال إن المدينةَ حين تنام عشاء
سيأتي عليها الصباحُ وتصحو ؟! )
يا هندُ بغداد .. حانت بكاءً ..
( ومن قال إن المدينةَ حين نيتّمُ أطفالها سوف تعفو وتمحو ؟! )
يا هندُ .. ياهندُ
لاشيء .. لاشيء
قد جاءنا الآن : أن انفجارًا عنيفًا يهزُّ التواريخَ
في حين أن هنالك وفدًا توجَّه فجرًا تجاه التترْ ..!
يا هند .. ( بغداد ) ....
( عدتُ إليكم ولاخوف فيها ..
فقد ذكرت دمعةٌ من مصادر أخرى
بأن المدينةَ قد أخليت من جميع الكلابِ
ولم يبقَ غير البشرْ ..! )

***

ياهند .. ليلى تريد صبيًّا
فتًى عربيًّا
شجاعًا أبيَّا
وبغدادُ لافرق في حزنها ..
فدمار الشمالِ ..شمولية في الدمارِْ ..
أسمع الآنَ حزنَ انكسارٍ ظَهَرْ :
( حلَّقتْ شبحٌ / ضربتها الصواريخُ من شاطئ أحمرٍ )
أيُّنا سوف ينجو إذا صنعوا في بلادِ التسلُّحِ
ما يستبيحُ الحذرْ ..؟!
سوف ننزعُ أسلحةَ الموتِ بالموتِ
بغدادُ مابين فكَّينِ يا أم بنتي ..
فكيف سأقنعُ هذا الصبيَّ بأن الرشيد انتحرْ ..؟
وأن التتار استطاع الخلاصَ أخيرًا
وأيقنَ أن العروبةَ ( وكْر الخياناتِ ) حين انتظرْ ..!
وأن الخلود بأن لاتكون على الأرض بغداد
لو أن ماء الفراتِ تزرَّقَ
أو أن بوَّابة المجدِ ..كانت مشجَّرة بالجماجمِ
تحت ظلالِ السيوفِ قديمًا
فليسَ لها الآن إلا التصَحُّرَ ..حين يميدُ بها الوقتُ
أو يستتبُّ البكاءُ بأحيائها ، وتئنُّ الصورْ ..!
ياهندُ ..
كيف سأقنعه أن تاريخنا دمُه مُهْدرٌ
وهو يرمقُ بغداد أنثى تساقُ إلى ساحةِ العرْضِ
محمومةً
ثم يغتصبُ الطيرُ فيها الفراشاتِ
بين عيون الشجرْ ..!
لا .. لاأريدُ صبيًّا ..
سيسألني أي عامٍ هوَتْ
فأقولُ له كل عامْ
سيدركُ حينئذٍ أنني لم أكنْ عِزَّةً
مثلما خدعتْهُ الرواياتُ مثلي
وأنَّ العروبة محض انفصامْ ..!


***

( ياطيور الطايرة .. روحي لهلي ..!
ياشَمِسْنا الدايرة ( ظلي ) لهَلي ..! )
وليلُ العراقِ الطويلُ تمطَّى حنينًا على هجعاتِ
النخيلِ الذي لايموتْ
سنأوي لغازٍ .. أنا والعراق ..
ونطلبُ ربي بأن لاترانا العيونُ
وأن يفرخ الطيرُ في راحتينا ..
سنطلبُ ربي بأن يهدي القائمين على الأرض كي يسمحوا
أن يقامَ على صدرنا وطن العنكبوتْ ..!
بنفسي أنتَ
ألا أيها الوطنُ المستقيم ُ على الصبرِ
لاتحزن الآنَ
يكفي بأني وأنتَ كثانِيْ ثلاثةَ في عامِ ألفينِ
تحملنا الريحُ عبر نواحِ الثكالى
وتفضي بنا لممرٍّ صغيرٍ
تتاجرُ فيه الحكايا بأحزانِ كل البيوتْ ..!
بنفسي أنتَ
وإن شئتَ كانتْ بنسفي
على أن تؤكدَ لي أن هندَ ستبقى
وبغدادها لن تموتْ ..!!
الليل الثاني عشر / 31 مارس 2003م
النصوص / خاصة بإيلاف