&
في حساب المكاسب من هذه الحرب العدوانية على العراق ويساند هذا الاعتبار، الاتجاهات التي بدأت تظهر في تصريحات كبار المسئولين في واشنطون. ان أمريكا ترى ان على أصدقائها في العالم وخاصة من آسيا وافريقيا الوقوف معها، قد يكون هذا جيدا ولكن ماذا وضد من؟
لا يخفى على أحد ان أمريكا التي نساعدها ونساندها ترى في اسرائيل الجناح الأيسر لهذا التحالف، وكلنا يعلم ولا مجال للشك فيه ان اسرائيل طفح غريب على الأمة العربية. لقد اتضح ان عجلة الدبابة والطائرة وجدت من يدير لها ظهرها، كالمثل القائل: قتل الجمل وكثرت سكاكينه، ثم ماذا؟ انكسرت خواطرنا نحن العرب جميعا، والأكثر غرابة من كل هذا وسائل الإعلام. كل ما يحصل الآن في العراق الشقيق يرفضه العقل. لماذا؟ لأنه بعيد بعد السماء عن الأرض لأنه يبعث على العجب، ويدفعنا نحن العرب جميعا دون استثناء في حيرة وتساؤل، والقصة لم تبدأ من 20 مارس 2003، ليلة العدوان على أطفال ونساء وشيوخ العراق، إضافة الى هدم البنى التحتية، عدوان أبطاله أناس مصابون بمرض عضال، عدوان امتاز بالشراسة دون النظر من هو أمامه، لأنه يعلم بأن من خلفه حماية وسعة صدر، وان أمريكا يجب ان تعلم حتى وان تحولت الى امبراطورية أمريكية هي فعلا عملت على قتل أرواح بريئة ولتسرق من ثروات شعبنا في بغداد العروبة، فلابد ان نأخذ في الحسبان أن ما قامت به أمريكا وبريطانيا بداية لمقاومة لن ان تنتهي إلا بخروجهم من العراق، وموقف أمريكا منذ البداية التدخل في شئون العراق في وحدته، كان نسفا للقيم وحقوق الإنسان ومبادىء الأمم المتحدة، اليوم بقوة السلاح تقف أمريكا وبريطانيا في وجه مسألة وطنية، وهي مسألة السيادة الوطنية للعراق العضو في هيئة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية والكثير من المحافل الدولية والعربية والإقليمية، وهل فعل هذا يحتاج منا الى السكوت، أو الاكتفاء بلغة الإشارة، ثم لماذا كل هذا من القنوات الفضائية العربية؟ فمنذ بدء العدوان، وطيلة الفترة وحتى دخول القوات الأمريكية الغازية بغداد يوم 9 ابريل 2003، تقول هذه المحطات: نعم، نعم، نعم، الآن بدأت الحرب، الآن يُضرب العراق، الآن نشاهد ونسمع أصوات الصواريخ، ثم يأتي هذا المسلسل من محطة أخرى فضائية تقول: ومضى اسبوع على العدوان، وتتابع القول هذه المحطة، الحرب بعد صدام، كأنها تريد ذاك، وكأنك تشاهد مباراة في كرة القدم، مع العلم بأننا نشاهد أيادي تقطع، وأصابع تبتر، بل هو تمزيق كامل للأيدي والأرجل والتشويه، لينتهي هذا العدوان، وتتسابق الدول لاحتضان هذا وذلك للعلاج في مستشفياتها، وإرسال الأدوية والمواد الغذائية لمن؟ للعراق، وكلنا يعرف هذا البلد الذي وقف مع الأمة العربية في حروبها ضد الاستعمار والصهيونية في أعوام 1948، 1956، 1967، 1973 دون ان ينتظر هذا العراق الشامخ حمدا وشكورا لأن الواجب كان يملي عليه ذلك، ثم ان العراق البلد العربي الوحيد الذي ألح وصمم على عودة الجامعة العربية من تونس الى القاهرة، وفعلا تم ذلك، وإذا كنا بالأمس القريب لأيام معدودات فقد كانت الحرب مريرة لإخواننا وأخواتنا في العراق، حتى في الدواء والعلاج، إذ وصل بالعراقيين الحال في البحث عن حاجتهم للدواء، ألم يكن هذا بعلمنا قبل ان يحدث؟ لتأتي أمريكا ويخرج علينا بوش بأن أمريكا ستبني ما هدم وتعالج من أصيب بنيرانها ولكن ماذا عن السرقات والنهب والسلب أمام مرأى جنودها الغزاة؟ كل هذا لماذا؟ لأن أمريكا تريد هذا وتبحث عن هذا، وتهدف الى هذا بعدد من قطعانها المرتزقة، لتقول لهم: انتشروا انتشروا، في الموصل وكركوك وكربلاء والبصرة، ولا تنسوا بغداد.
ويبقى في الأخير سؤال حول هذه الحرب، هل كنا فعلا في حاجة لدفعها ومساندتها؟ ضد من؟ العراق الشقيق؟ لا أعتقد اننا كنا في حاجة لمثل هذه الحرب، لعدم شرعيتها أو الموافقة عليها أو حتى المشاركة فيها بعكس ما حدث منا نحن العرب كعبور السفن الحربية في مياهنا العربية، ورسو أساطيل أمريكا في أراضينا، وتصويب فوهات مدافع الدبابات أيضا من أراضينا وإفساح مجالنا الجوي للطيران الأمريكي والبريطاني في سمائنا، كل هذا لنحارب العراق، والعدد المهول من الجنود الأمريكيين والبريطانيين الذين جاءوا من آخر الدنيا وعبروا المحيطات ليغتالوا ابنك وابني بدعم ممن، وقف حولهم أو خلفهم، كل هذا لمن؟ لنشاهد الطفل ذا الاثنتي عشرة سنة، ماذا فعلت به قنابل أمريكا وساعدها الأيمن بريطانيا، وتحويله من طفل بريء كان أمامه مستقبل وطموح، ليجد نفسه مقطوع الذراعين مشوها، مقعدا، هل هذه الحرية؟ وهل في هذا البحث عن أسلحة الدمار الشامل أو ما يسمى بتحرير العراق، من مَنْ؟ شعب العراق، لم يكن العراق محتلا، أو محاطا بقواعد، أو جنود أجانب، بل كان عربيا، مخلصا ، وفيا، وهل من يكون عربيا أو مخلصا أو وفيا مصيره الهلاك أو القتل من قبل أمريكا؟ ومما يؤسف له أن يأتي بعض الفضائيات العربية، لتصوير العراق ومن كان يحكم العراق بأسلوب تمثيلي فيه من الاستهزاء والتطفل الكثير، من المستفيد؟ إنها أمريكا حتى انك تعجب حيث لا تشاهد مثل هذه الأمور في المحطات الأجنبية.
وأخيرا وليس آخرا: حبيبتي بغداد: أحبك حبين حبا لشعبك وحبا للبنى التحتية وتراثك العظيم، وتأكدي يا بغداد يا قلعة الأسود أنه لن يستقروا على أرضك ولن يأخذوا من سمائك لحافا حتى يلتحفوا به، لأن أرضك ملك لكل عراقي وسماءك كلها بغداد، وكلنا يعرف، ومن لم يعرف يجب ان يعرف أن العراق لم يكن في يوم من الأيام يعترف بالحظر في جنوبه أو شماله. وإذا كانت أمريكا لا تعرف هذا فلتذهب الى بريطانيا لتحكي لها وتقص عليها بطولات العراق في عام 1920، حيث قواعد الحبانية وحلف بغداد، كل هذا ذهب مع الريح لأن العراقيين لهم اسلوبهم في التعامل فكيف مع هذا المحتل المختل عقليا في عدوانه على دولة كبيرة هي العراق، وكأن لسان كل عراقي يقول: فإن قضيت يومي تحت المطرقة، لن انتظر وطني من يسرقه.