منصور العبدالمحسن
الرياض - كان يوم الرابع من شهر يونيو الحالي موعدا نهائيا حددته المملكة العربية السعودية لعدد من الشركات النفطية المتعددة الجنسية للرد بشكل نهائي على بنود اتفاقيات استثمار مخزون الغاز السعودي وبالتالي بناء منشآت لتوليد الطاقة وتحلية المياه المالحة والمساهمة في توسيع قاعدة الصناعات التي تستخدم الغاز كلقيم أساسي.
كان للإعلان عن هذه المبادرة الإستراتيجية من قبل الحكومة السعودية ردود فعل محلية وعالمية جعلت منها واحدة من أهم المبادرات في إطار صناعة الطاقة في العالم. وتبعها تأسيس لفريق عمل سعودي ترأسه الأمير سعود الفيصل وبرعاية مباشرة من ولي العهد السعودي حوى في عضويته نخبة من الاستشاريين المتخصصين. وكانت ردود الأفعال من كبريات الشركات العالمية المتخصصة تقول بأن هذه المبادرة هي السبيل الأمثل للمشاركة المنتظرة منذ زمن بعيد لهذه الشركات لاستغلال مخزون الطاقة الهائل في السعودية، وراحت هذه الشركات تتقاطر على البلاد وانهمر سيل الاجتماعات الثنائية والجماعية بينها وبين فريق الحوار السعودي وعلى أعلى المستويات الإدارية فقد حضنت مدينة جدة اجتماعات لرؤساء مجال إدارات هذه الشركات والفريق السعودي وخرجوا باتفاقات أولية لاستثمار ثلاث مكامن ضخمة للغاز في كل من المنطقة الشرقية ومنطقة الربع الخالي ومنطقة البحر الأحمر. وذهبوا إلى أكثر من ذلك بأن تم تحديد الشركات المشاركة في كل من هذه المشاريع وحصص مشاركتها. وحظيت شركة إكسون موبيل بحصة الأسد في قيادة هذه المشاريع مشاركة مع العديد من أساطين صناعة الطاقة (بريتش بتروليوم، اموكو، فيليبس بتروليوم، توتال فينا الف، كونوكو، اوكسيدنتال وماراتون).
واستمرت المفاوضات لشهور عديدة، ثم جاءت أحداث سبتمبر المشئوم، وبدأت حينها تلك الشركات في المماطلة والمطالبة بتعديل الاتفاقات لتشمل حصة أكبر من مخزون الغاز وبشروط تجارية مفضلة عن تلك التي تم الاتفاق عليها مبدئيا. وطال أمد الحوار، وبدأت تظهر بوادر اختلاف توجت حديثا بتصريحات سعودية تشير إلى قرب حصول الانفراج في المباحثات انتهت إلى تصريحات لوزير النفط السعودي (الذي أسندت له مهمة إكمال المفاوضات بعد التشكيل الوزاري الجديد) بتحديد موعد نهائي هو اليوم الرابع من شهر يونيو الجاري لتلك الشركات بالرد سلبا أو إيجابا على الشروط النهائية لهذه الاتفاقات.
وجاء اليوم أنه قد تم إلغاء الاتفاق على استثمار المشروع الأكبر في هذه المبادرة (حقل الغوار) باستثمارات مباشرة مفترضة كانت تقدر بحوالي (15) مليار دولار بما يعني انتهاء هذه المبادرة بالشكل الذي طرحت به واحتمال انهيار الاتفاقات التي تشمل المشاريع الأخرى (الشيبة) و (البحر الأحمر).
ومن المتوقع أن تبدأ حكومة المملكة بإسناد هذه المشاريع لشركة أرامكو السعودية والتي قد تسعى إلى بناء تحالفات إستراتيجية مع شركاء آخرين من مناطق أخرى من العالم كروسيا أو اليابان. ويسند هذه الفرضية ما تم خلال الأسابيع الماضية من زيارات للأمير سعود الفيصل لروسيا وزيارة رئيس الوزراء الياباني للمملكة.
وإن كانت مبادرة الغاز السعودية، وحسب الإعلان الرسمي حين إقرارها، تعتبر بمثابة محاولة سعودية لإعادة هيكلة الاقتصاد المحلي وإحداث نقلة نوعية في آلياته وأدواته بما فيه من ضخ لرؤوس أموال عالمية ضخمة للاستثمار المباشر في السوق السعودي وما يتبعه من تنشيط للقطاعات الصناعية والخدمية المساندة وفتح المجال لتوظيف أعداد ضخمة من العمالة السعودية في سوق كانت تسوده ملامح تباطؤ اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة، بما يعني أن الجوهر الأساسي لهذه المبادرة السعودية الجريئة كانت مبنية على أساس اقتصادي بحت لا يخلو من عناصر سياسية ترتبط بمنظومة علاقات دولية إستراتيجية. أما ردود أفعال هذه الشركات التي كانت تتحفز للمشاركة في هذه المبادرة فقد كانت مبنية على الجشع وتحقيق الأرباح تبين جليا حين أخذت تساوم الحكومة السعودية على شروط الاتفاقيات ومحاولة رفع حصتها من مخزون الغاز ورفع هامش الربح تبعا لأحداث سبتمبر.
ولا شك أن المعطيات السياسية والاقتصادية العالمية الآنية بما فيها من ارتفاع أسعار النفط لفترة زمنية غير قصيرة عدا عن الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، قد كان لها أثرها المباشر في إعادة صياغة إستراتيجيات كافة الأطراف الداخلة في هذا المشروع وأنها قد كانت (القشة التي قصمت ظهر البعير) كما يقول العرب التي أدت إلى هذه النهاية.
أما من حيث المستقبل، فإن الخيارات السعودية قد أصبحت أكثر تعددا و أن تعمل شركة أرامكو السعودية، وهي الشركة البترولية الأكبر في العالم، على أن تكون هي المحور الرئيسي في إكمال المهمة وبناء التحالفات الإستراتيجية الكفيلة بتحقيق الهدف الاقتصادي الهام من هذه المبادرة التي تصب في صميم تحقيق بعض من أهداف المشروع التنموي السعودي الطموح.