أجد نفسي أشعر بالرثاء للحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر فهذا الرجل الدبلوماسي الأنيق ألقاه الرئيس بوش في اليم وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء.. كانت المعادلة مستحيلة خاصة وأن الرجل بدأ عمله بقرار يمثل قمة الغباء التكتيكي والاستراتيجي في آن معا، وقبل أن يتحسس موقع وطبيعة الأرض التي يسير عليها نفذ قرارا معيبا بالتخلص من الجيش العراقي الذي يضم 350 ألف عنصر مؤهل لحمل السلاح كما عمل بسذاجة في تنفيذ توجيهات الرئيس بالتخلص من البعثيين.
مايحدث الآن في العراق وما تواجهه إدارة بوش من اخفاقات هي نتيجة وليست مقدمات، وما تمارسه الآن من اعتماد استراتيجية المطرقة الحديدية تولد المزيد من المرارات والكراهية وتجعل الكثير من الذين يقفون في المنطقة الرمادية يختارون معسكر المقاومين في ظل التراجع الأميركي بضرورة الاسراع في تسليم العراقيين مقاليد الحكم في بلادهم في وقت يدور فيه حديث موثق ان صدام حسين قد اشرف علي استراتيجية المقاومة في مرحلة مابعد الغزو الانجلو أميركي للعراق.
حقائق مابعد الغزو والتي أخفق وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في استقرائها بصورة صحيحة تؤكد أن القوة العسكرية ليست هي العلاج لكل العلل وأن السياسة يجب أن تتاح لها الفرصة حيث أن توجه إدارة الاحتلال بترضية الشيعة الذين يشكلون نحو 60 بالمائة من تعداد العراق وملاطفة الأكراد والتعهد لهم ببقاء إدارتهم الذاتية مع اهمال متعمد للسُنة الذين يشكلون تاريخيا وعلي امتداد 500 عام النخبة التي اخرجت الجنرالات والأطباء والعلماء ورجال الإدارة هو بمثابة وضع الموقد قرب برميل الوقود والدفع بالاحداث باتجاه ذروة المصادمة داخل المثلث السني.
المأزق الأميركي في العراق كشف عن حقائق يجب ان يتعلم منها أركان إدارة الرئيس بوش ابتداء والجميع في النهاية وهي ان وضع العالم في الألفية الثالثة ونتيجة للتطورات الهائلة مختلف عن أي مرحلة سابقة من التاريخ البشري، وأن هذه المرحلة تحتاج إلي فهم جديد بحقائق الاشياء والاشخاص والافكار ولن يكون مقبولا بأي صورة من الصور عودة الاستعمار أو الاحتلال او حتي الهيمنة المطلقة تحت اي مسميات ويمكن اعتماد استراتيجية الضغط من بعد لتحقيق النتائج النهائية، اما فتح المصيدة دون أن تكون هناك اقفاص صغيرة للاحتواء فهو مايعني الفوضي.
قلبي ينشطر حزنا علي بول بريمر فهو مطالب باسكات نيران الغضب المعادية ومطالب بارضاء جميع الاطراف وبأن يعكف علي اخراج دستور عراقي واجراء انتخابات وتسليم السلطة بصورة تحفظ لأميركا هيبتها، وأعتقد ان هذا الرجل مطالب بأكثر مما يستطيع وسيقول التاريخ عنه أنه قبل تنفيذ مهمة مستحيلة.
التعليقات