كيف نقرأ الحدث؟ وما دلالته؟
التغيير قانون حتمي عام يشمل الكائنات الحية والجمادات ولكن ان تبادر الي التغيير بنفسك وعلي يدك خير من ان يفرض عليك، وفي كل الاحوال لن يتحقق التغيير الي الأفضل،بمعزل عن الآخر المتقدم والمتفوق ومعاونته لك، والمجتمع الحيوي الناضج هو الذي يقيم علاقات صحية مع المجتمعات المتقدمة من غير عقد ولاحساسية مرضية ويستفيد من تجاربها وانجازاتها المتقدمة.
واذا كان التغيير في الماضي ضرورة حيوية للمجتمعات فانه الان في عصر العولمة وتقارب الشعوب وتمازج الثقافات وتداخل المصالح الاقتصادية، الزم واوجب ومن يعارض التغيير ويجمد علي اوضاعه بحجة الخوف علي الهوية والخصوصية يحكم علي نفسه بالعزلة ثم الذبول ثم الموت.
لقد شهدت الساحة القطرية عمليات تغيير وتحديث واسعة النطاق شملت كل مناحي المجتمع وبخطوات واثقة مدروسة ومتدرجة ومحكومة بضوابط تجنبها الانزلاقات وسياسة حرق المراحل والقفزات التي تتجاهل تضاريس الواقع المجتمعي. وقد شملت عمليات التحديث 5 مفاصل رئيسية للبنية المجتمعية:
1- المجال السياسي: الذي بدأ بانفتاح ديمقراطي متدرج نحو بناء دولة المؤسسات وسيادة حكم القانون وضمان الحقوق والحريات وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وتفعيل دور المواطن في الحياة العامة وتوج كل ذلك بالدستور المتميز.
2- المجال الاقتصادي: عبر سلسلة من السياسات التي تشجع القطاع الحكومي للقيام بدور رديف في التنمية واصدار قوانين جاذبة للاستثمارات، والاستثمارات الضخمة في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات لتصبح قطر قائدة لسوق تصدير الغاز والاعلي دخلا لمواطنيها والأعلي معدلا في الناتج القومي وصولا لاتفاقية التجارة الحرة مع اميركا.
3- المجال التعليمي: تميز الاصلاح التعليمي بالانفتاح علي انماط من التعليم العالمي المتميز متمثلا في افتتاح فروع الجامعات العالمية مما شكل حدثا متميزا اضافة الي عمليات التطوير المستمر للتعليم العام والجامعي واخرها مشروع تطوير الجامعة وهناك المجلس الاعلي للتعليم اللاعب الرئيسي في عملية التحديث وهناك مؤسسة قطر للتربية والتعليم وتنمية المجتمع التي تشكل مركزا فكريا ومحضنا تربويا ومعلما بارزا في عملية النهوض بالمجتمع وتطويره.
4- المجال الاداري: عبر عمليات التحديث الاداري المستمر وصولا الي الحكومة الالكترونية.
5- المجال الاجتماعي: عبر سلسلة من الانفتاح الاجتماعي المتدرج في ظل ضوابط شرعية محكومة بثوابت الدين وبخاصة بعد انشاء المجلس الاعلي للاسرة برئاسة سمو الشيخة موزة هذا الاصلاح الاجتماعي الذي بدأ بزيادة الاهتمام بمساهمة العنصر النسائي المتعلم والمدرب في قوة العمل ثم زيادة مشاركتها في الحياة العامة وصولا الي مشاركتها في صنع القرار عبر تمكينها في المناصب القيادية.
ويهمنا ابراز نتائج هذا التوجه الاصلاحي في حدثين مهمين:
الاول: السبق القطري المتميز في اسناد حقيبة التربية والتعليم الي كفاءة نسائية متميزة هي السيدة شيخة المحمود كأول تفعيل للدستور- حتي قبل صدوره- في المجال الاجتماعي السياسي.
الثاني: الحدث المهم الذي تشهده الساحة القطرية هذه الايام في اختيار كفاءة نسائية اكاديمية متميزة هي د. عائشة المناعي عميدة لكلية الشريعة وهو حدث غير مسبوق خليجيا وعربيا واسلاميا.
تري كيف نقرأ الحدث؟ ومادلالته؟
أولا: لابد من الاشارة الي ان الدستور القطري تميز بنص متقدم جدا حين لم يكتف بمبدأ المساواة في حقوق المواطنة المادة34 بل عمد الي تفعيله بالنص علي مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين المادة19 وكان ايراد هذا النص ضروريا لتصحيح اوجه الخلل الاجتماعي في ظل ثقافة التمييز بين الجنسين والمحكومة بموروثات اجتماعية غير منصفة للمرأة بمعني ان الدولة عليها ان تتدخل لانصاف المرأة باعتبارها الجنس المتضرر اجتماعيا عبر توفير الفرص المتكافئة والمناخ الملائم الذي يضمن للمرأة الاندماج العادل في السياق المجتمعي.
ثانيا: ان تغزو امرأة عقر دار المشايخ وتكون عميدة عليهم حدث غير مسبوق عبر قرون وبخاصة إذا استمعنا الي الكلام الطويل الممل عن ان المرأة ليست من اهل الولاية العامة بناء علي نظرات سقيمة تري المرأة مخلوقة ناقصة دون الذكر وهي عورة يجب حبسها وسترها عن الحياة العامة ولعل الامام الغزالي رحمه الله هو خير من بلور النظرة الفقهية في عصره تجاه المرأة في كتابه الاحياء حينما قال فالقول الجامع في المرأة ان تكون قاعدة في عقر بيتها لاتري الرجال ولايراها الرجال فاذا اضطرت للخروج خرجت في هيئة رثة وكيد النساء عظيم وسوء الخلق وقلة العقل من صفاتهن والمرأة الصالحة فيهن كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب، وللمرأة عشر عورات فاذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فاذا ماتت ستر القبر العورات الباقية .
تري ماذا يقول هؤلاء المحكومون بهذه النظرة حتي الان بعد ان اصبحت عندنا وزيرة ومديرة وعميدة هل المرأة لاتصلح للقيادة؟ ألا يتفقون معنا في ان الاجتهادات الفقهية مع كامل احترامنا واعتزازنا بأصحابها محكومة في النهاية بالاطار المجتمعي الذي عايشه الفقهاء رحمهم الله؟ وألا يتفقون معنا في ان الاموات لايحكمون الاحياء خارج الثوابت القرآنية والنبوية؟
ألا يتفقون معنا في ان المرأة من اهل الولاية العامة بنص القرآن الكريم والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وحين مدح القرآن حكم الملكة بلقيس القائم علي الشوري.
الا ينبغي مراجعة الموروثات الفقهية في ظل الواقع المعاصر الذي اثبت نجاحات للمرأة في حقل القيادة والتوجيه لاتقل عن نجاحات الرجل عالميا واسلاميا وعربيا وخليجيا ومحليا وعلي كل المستويات القيادية؟
الا يتفقون معنا في ان الحديث لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة يقصد به تحديدا الامامة العظمي او خليفة المسلمين وأين هي تلك الامامة العظمي؟
من يريد ان يقنع بموروثاته ونظرته الضيقة فليفعل تكفينا ان شريعتنا اول واكبر ناصر ومنصف للمرأة ويكفينا ان دستورنا كفل للمرأة حق الفرص المتكافئة بسلطان الدولة.
واخيرا اذ نهنيء انفسنا ونهنيء الجامعة بهذا الاختيار الموفق فاننا واثقون بان الكفاءات النسائية القيادية وبتضافر جهود الكفاءات الرجالية قادرة علي تعزيز المكتسبات التعليمية والاجتماعية في عصر العولمة.
عميد كلية الشريعة السابق
التعليقات