"إيلاف" من برلين: أدرك المستشار الالماني غرهادر شرودر اخيرا ان الغواصات الثلاث التي سلمها الى اسرائيل بين عامي 1999 و2001 زودت بصواريخ نووية، لذلك اعلن عزمه ايقاف بناء غواصتين كان قد وعد باهدائهما الى حكومة أرييل شارون هذا العام عوضا عن صواريخ باتريوت كانت الولايات المتحدة وإسرائيل طلباها منه لتحمي اسرائيل نفسها من الصواريخ العراقية لكنه اعتذر عن عدم تقديمها.
واستند شرودر في موقفه هذا الى ان الغواصات تحولت الى سلاح حربي محظور بيعه الى بلد في حالة حرب مع جيرانه. لكن قول المستشار جاء متأخرا كثيرا فالغواصات الثلاث تستخدمها اسرائيل ضمن اسطولها البحري ليس فقط في البحر الابيض المتوسط بل ايضا في مناطق تواجد قطع حربية امريكية مثل القرن الافريقي.
وتعتبر المانيا اكثر الدول مساندة لاسرائيل عسكريا بعد الولايات المتحدة وتسبق بريطانيا وفرنسا وذلك تنفيذا لمعاهدة وقعت عام 1958بين المستشار الالماني اديناور ورئيس الحكومة الاسرائيلية وقتذاك بن غوريون في اطار التعاون المشترك بين المانيا الغربية يومها والدولة العبرية تعويضا عن المجازر النازية ضد اليهود. لذلك فان اسرائيل اليوم اكبر مستورد للسلاح الالماني كدولة خارج حلف شمال الاطلسي .
في الاعوام الاربعة الماضية سلمت المانيا علنا وسرا معدات عسكرية كثيرة منها ثلاث غواصات( دولفين - تكوما ولفيتان) كانت حكومة المستشار السابق هلموت كول قد وافقت عليها في منتصف التسعينات. ولم تثن الانتقادات الواسعة خاصة في العالم العربي حكومة شرودر عن اتمام الصفقة.
وتناسبت الغواصات الثلاث مع رغبة الجنرال افرام بوتسر قائد البحرية الاسرائيلية سابقا الذي قال في ديسمبر عام 1990 إن بلاده تحتاج الى الغواصات الالمانية لامكانية تحويل بنائها الى غواصات تحتاجها بلاده، ولن تكون فقط لمهاجمة سفن العدو بل لتتحول الى قاعدة لنظام حربي من اجل صدّ أي هجوم بأسلحة الدمار غير التقليدية وعليه يجب ان تخدم الغواصات الالمانية هذا الهدف.
وبلغ ثمن الغواصة الواحدة الى 330 مليون يورو دفعت حكومة شرودر من ميزانية الدولة، في نطاق العون العسكري بين البلدين ، ثمن غواصتين وشاركت بالقسم الاكبر من ثمن الغواصة الثالثة. وتعتبر الغواصات الثلاث وهي من طراز U - 212 من احدث الغواصات في العالم، فاضافة الى قدراتها الالكترونية جهزتها اسرائيل بعشرة أنابيب، اربعة منها لاطلاق رؤوس نووية. وتصل سرعة الغواصات الى 20 عقدة وهي الاعلى في العالم للغواصات النووية التي تسير بمحركات ديزل. ومن ميزاتها ان محركها لا يسمع صوته مما يصعب عملية اكتشافها . وتغوص على عمق 200 متر ويبلغ طولها 56،4 مت وعلوها 2،7 مترا وبامكانها قطع 4500 كلم بدون توقف، وفي حالة الطوارئ تبقى في البحر شهرا كاملا دون حاجة الى التزود بالوقود من أي مرفأ. وهي مزودة بالصواريخ المضادة للسفن ويمكنها زرع الغام بحرية وفيها خارطة بحرية ووسائل للاستكشاف .ويصل عدد طاقمها الى 45 رجلا.
وجربت اسرائيل بنجاح الابحار في الغواصات على شواطئ سريلانكا.
وكانت هذه الهدية الضخمة جزاء لاسرائيل على عدم ردها على العراق يوم احتل الكويت عقب سقوط بضعة صواريخ سكود عليها. وبهذا تكون المانيا قد سلمت غواصات يمكن تحويلها الى غواصات نووية الى دولة ترفض التوقيع على معاهدة حظر الاسلحة الذرية.
وعدا عن الصفقات المعلن عنها هناك كميات كبيرة من الاسلحة المختلفة تسلم بين الحين والاخر الى اسرائيل بغض النظر عن مدى حدة التوتر في منطقة الشرق الاوسط او تقدم المحادثات السلمية سابقا بين الفلسطينيين والاسرائيلين.
فقبل انعقاد مؤتمر السلام في مدريد على سبيل المثال كشف النقاب مطلع شهر نوفمبر عام 1991 عن تهريب كميات ضخمة من المعدات العسكرية من مرفأ هامبورغ على ظهر الباخرة بالوما II الى ميناء حيفا، وهي معدات عسكرية و15 دبابة سوفياتية مزودة بمدافع مضادة للطائرات بيعت الى المانيا الشرقية ثم اصبحت ملكا لوزارة الدفاع بعد الوحدة الالمانية مع اجهزة رادار لالتقاط الاهداف الجوية وملاحقتها وانظمة دفاعية جوية اضافة الى شاحنات نقل للبناء السريع للجسور وناقلات اخرى مختلفة الانواع مع قطع غيارها.
وكانت الجهة المستوردة للشحنة هي المخابرات الاسرائيلية " الموساد"، ولكي لا يكشف الامر زورت اوراقها واستبدلت بحقيقة نوع البضاعة آلات زراعية.
وتعاون عام 1967 أي بعد حرب الايام الستة خبراء عسكريون اسرائيليون والمان في فحص الدبابات السوفياتية من طراز T-62 وT- 72 وصواريخ SA 9 المضادة للطائرات التي خلفها الجيش المصري في صحراء سيناء.
بعد ذلك ابرم عام 1971 اتفاق بين المخابرات الالمانية والاسرائيل ينص على وضع معدات عسكرية تحت تصرف الاخيرة. واعتبرت بون يومها الاتفاق بانه تعاون عادي بين بلدين صديقين في ميدان التقنية الدفاعية.
وبعد الوحدة الالمانية منحت وزارة الدفاع الالمانية الجيش الاسرائيلي كميات ضخمة من اسلحة جيش المانية الشرقية المنحل. وبدون العودة الى المجلس الاتحادي وهو المقرر الاخير لاي صفقة سلاح، تابعت دائرة المخابرات الالمانية BND بالتعاون مع وزارة الدفاع تزويد تل ابيب بالاسلحة والتقنية العسكرية رغم المخاطر السياسية التي قد تنتج عن ذلك. فحصلت على قطع غيار للدبابات السوفياتية T-62 ، كما تعاونت مع خبراء المان لتطوير الدبابة المقاتلة مركافا 3 ومركافا 4 باضافة محرك من طراز MTU اليها يعمل على الديزل ومحرك اخر من طراز MTU 833 V-12. وتسلمت في التسعينات صواريخ جو- جو من طراز AA-11Archen ورادارات لاحدث حاملة الطائرات ولطائرات MIG 99.
ورغم عدم وجود تعاون رسمي مباشر ومنتظم منذ عام 1984 بين القوات المسلحة في البلدين الا ان هناك عملا مشتركا منذ عام 1958 على صعيد التدريب خاصة على الانظمة الدفاعية التي كانت تقدمها المانيا الى اسرائيل ودورات تدريبية للمطاردات الجبلية.
وعندما سلمت برلين ابان حرب الخليج عام 1991 ثماني دبابات من نوع فوكس التي تشتم الاسلحة الفتاكة درب خبراء عسكريون المان 32 جنديا اسرائليا على كيفية استخدامها.
والى جانب برامج التدريب منذ عام 1984 للضباط الاسرائيليين في اكاديميات الجيش الالماني تعقد منذ سنة 98 وبمبادرة من قائد الوحدات البرية الالمانية هلموت فيلمان لقاءات منتظمة بين قيادتي القوات البرية للبلدين .
وحملت لوائح المركز البرليني للمعلومات عن الامن الاطلسي ارقاما عن حجم ما بيع او منح لاسرائيل من اسلحة مختلفة .
فما بين عامي 1990 و2001 سمحت بتصدير بضائع عسكرية متنوعة ( توربيدات ، قطع غيار للدبابات وصواعق الخ.) بقيمة 1,4 مليار يورو ، أي 4 في المائة من اجمالي الصادرات العسكرية الالمانية.
وحصلت تل ابيب ما بين سنة 1991 و1999 على بضائع تعرف بالاستخدام المزدوج Dual use بقيمة 560 مليون يورو. ووصل ثمن المعدات الحربية التقليدية ما بين عامي 1991 و2001 الى قرابة ال800 مليون يورو.
والغريب ان الصادرات الالمانية الحربية المانيا لم تتراجع منذ مشاركة حزب الخضر في الحكم رغم شعارات المناهضة للحروب والاسلحة الفتاكة مما دفع رئيس مؤتمر الكنائس والانماء للكنيستين الانجيلية والكاثولكية قبل ايام قليلة الى التحذير من مغبة هذه الخطوات وانعكاسها على منطقة الشرق الاوسط التي يسودها التوتر وعلى الحكومة تطبيق قانون حظر تصدير الاسلحة الى اسرائيل ودول اخرى في منطقة الشرق الاوسط طالما ان التوتر ما زال سائدا.