&
كتب صالح السعيدي: مرة أخرى يسوق اعضاء في مجلس الامة الدليل على مدى بعدهم عن ادراك أساسيات العلاقات الدولية ويقدمون الحجة على حجم اغترابهم عن أصول السياسة الخارجية!
فتطوع خمسة من النواب لمشروع يربط العلاقات الاقتصادية للكويت بخمسة من الدول العربية بقيام تلك الدول باستصدار بيانات تدين الغزو العراقي للكويت يعكس مساحة التبسيط في التعامل مع الشأن الخارجي ويعبر عن حالة الاستسهال التي يتناول فيها النواب علاقات الدولة الخارجية.
فبعد ثلاثة عشر عاما من الغزو العراقي للكويت، وبعد سنوات عديدة من اتمام الكويت مرحلة اعادة تطبيع العلاقات مع تلك الدول، وعقب عقد الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والدخول في مشاريع اقتصادية ومالية مع تلك الدول تضمنت تقديم قروض ومساعدات وضخ استثمارات، والاهم من كل ذلك بعد اشهر من انهاء نظام صدام حسين، وفي وقت تحتاج فيه الدبلوماسية الكويتية في الوقت الراهن ـ أكثر من أي وقت مضى ـ الى علاقات افضل وروابط أهدأ لمواجهة استحقاق المرحلة الراهنة، تأتي هذه الدعوة النيابية الغريبة. يعني ان هذا الاقتراح خاطئ في توقيته زائغ عن تحقيق الفائدة المنتظرة منه، وفاقد لأي قيمة سياسية، وأكثر من ذلك فهو في المحصلة النهائية لا يخدم المصلحة الوطنية الكويتية.
هذا الاقتراح وما يماثله من آراء واتجاهات تنشد الغرائزية في الطرح والعاطفة في المضمون. تعبر عن حالة انعزالية لاتزال كامنة في أذهان البعض، لا تحقق هدفا ولا تصيب غاية. وهدفها ينحصر في تسجيل نقاط في سباق انتخابي.
السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول ليست ثابتا حتى تدار وفق مشاريع قوانين مقيدة وجامدة، بل هي متغيرة تتحرك وتبنى وفق الممكن والمتاح.
وسياسة «الانعزال» لم تكن وعلى مدى تاريخ العلاقات الدولية والعلوم السياسية ناجعة حتى على مستوى التيارات والقوى السياسية فكيف يمكن ممارستها في دولة لها ارتباطاتها وحساباتها الخارجية المعقدة والمتداخلة.
ومن يعتقد أنه يستطيع اتباع سياسة محاصرة الآخرين دون امتلاك المقومات الكافية لتلك السياسة ومن دون حيازة القدرات اللازمة لمواجهة تكاليفها فسيكون هو المعزول في نهاية الأمر والمحاصر في نهاية المطاف.
ونجاح السياسة الخارجية يعتمد بالأساس على القدرة في استشراف المستقبل والتهيؤ لمتغيراته والتكيف لمستجداته وسياسة خارجية تعتمد الماضي طريقا والتاريخ مقياسا مآلها الى انسداد.
فقد لا يعلم مقدمو الاقتراح انهم حشروا انوفهم في زاوية ضيقة جدا، بدون أن يعوا ذلك عبر اصرارهم على الطلب من تلك الدول ليس صعبا كما يعتقد النواب الافاضل. فربما لا يعلم مقدمو الاقتراح ان جميع تلك الدول تمتلك وثائق لبيانات أدانت فيها، وبشكل صريح ولا لبس فيه، الغزو العراقي للكويت.
فالعلة في العلاقات التي شابت علاقات الكويت بتلك الدول أوائل التسعينات لم تكن بسبب عدم اصرار تلك الدول على أن تدين الغزو العراقي كما يعتقد مقدمو الاقتراح. بل الأمر اعقد من ذلك بكثير، فالمواقف والسياسات التي اتبعتها تلك الدول من مجمل قضية الغزو العراقي للكويت هي التي أدت الى حالة الجمود في العلاقات لأن البيانات الرسمية والمواقف المعلنة لا تشكل إلا جزءا محدودا من الحكم النهائي لمستوى العلاقات بين الدول في علم العلاقات الدولية.
التعليقات