&حمزة الجواهري
&
&
&
السنة أول ضحايا البعث:
إن كل الأخوة من أبناء هذه الطائفة يدركون ذلك النوع من الخلل في ممارسة السلطة، وإن طبيعة الحكم طائفية عنصرية، ولا يريدون له أن يستمر، لأنه ببساطة سوف لن يؤدي إلى عراق مستقر في يوم من الأيام، وسيكون سببا لأنهار من الدم في المستقبل، يكون ضحيتها فقط عراقيين، وقدرات عراقية ستهدر باستمرار، وتخريب سوف لن يقف بأي حال من الأحوال. هذا الموقف من الأحرار العراقيين، سواء كانوا شيعة أو سنة أو أكراد أو تركمان، هو ليس من أجل إحقاق الحق فقط، وإنما لوقف ذلك النزيف للثروة والدم العرقي الذي سوف لن يتوقف ما لم يكون هناك مجتمعا يتمتع به الجميع بفرص متساوية في كل شيء، وما سيجنيه العراق من ذلك، هو شعبا متماسكا ومستقرا من كل النواحي. إن هذا ليس مجرد هتاف، ولكن منطق العصر الحديث، وكذا من متطلبات بناء النظام الديمقراطي الذي ينعم به الجميع بالسلام والرخاء الوفير الذي لا يختلف به اثنين من أن العراق هو البلد الأغنى بالعالم.
وهكذا نجد إن البعث ليس هو الأب الشرعي لهذا الوليد المسخ في أوائل القرن، فالاستعمار كان حقا هو الأب الشرعي له والذي بقي يترعرع تحت رعاية الاستعمار البريطاني حتى بلوغه سن الرشد عبر سنوات الحكم الملكي.
ورثت الحكومات التي تلت كل الإرث الطائفي والعنصري الثقيل واستمرت نفس العناصر التي استأثرت بالسلطان والجاه والثروة دون أن يستطيع أحد أن يغير من طبيعتها، فمحاولات الزعيم عبد الكريم قاسم لجسر الهوة السحيقة بين أطياف الشعب، وإحقاق الحق، وبناء عراق يعيش به الإنسان وهو يتمتع بفرص متكافئة مع الآخرين، محاولات الزعيم هذه، كانت سببا كافيا لهم أن يضعوا نهاية له متعاونين بذلك مع الاستعمار البريطاني الخاسر الأول من عملية التغيير التي كان قاسم يبغي الوصول لها.
تعديل جيني يحول المسخ بعثيا:
البعث الذي ورث ذلك المسخ، نجح بتكريسه من أجل البعث منذ اليوم الأول لاستلامهم السلطة بعد أن أضافوا له الجينات البعثية النجسة ونجحوا من استئصال كل أنواع المعارضة من داخل المثلث السني لمشروعهم، بالتصفية الجسدية، وتحييد الباقين من خلال الإرهاب الذي لا حدود له، كل ذلك لكي يعطوا لحزبهم البعد الطائفي العنصري، خصوصا بعد أن أبعدوا كل البعثيين الشيعة العرب عن القرار وتم لهم تصفية الباقون أيضا جسديا.
إن هذا المسخ الجديد بعد التعديلات، هو اليوم من يعمل بكل جد، وبلا هوادة من أجل عودة البعث المهزوم للسلطة، ومازال الأحرار من أبناء المثلث السني تحت تأثير التهديد اليومي لكي لا يبدوا أي نوع من أنواع المعارضة له، والأكثر من ذلك تم ربطه موضوعيا بالسنة العرب من خلال النشاط المشبوه لجمعية علماء المسلمين التي يقودها رجالا عرفوا بارتباطهم بأجهزة حزب البعث ونشاطه الاستخباري الكريه.
ليس إنصافا:
من الواضح جدا إن أبناء هذا المثلث هم الآن رهائن لدى فلول البعث تتحكم بهم كما تشاء كما كانوا يتحكموا بكل الشعب العراقي يوما ما، حيث إننا لم نزل نتذكر كيف كنا وجميع من يمتون لنا بصلة رحم، مهما كان نوعها، رهائن لهؤلاء الجبناء الذين سيبقون يمارسون أبشع الجرائم بحق الإنسانية.
ليس إنصافا ربط الإرهاب بشعب هذا المثلث الذي لا ذنب له سوى إن إرادة بعثية أجبرته أن يكون بهذا الوضع. يجب أن لا ننسى إن البعث نفسه يوم دخل للعراق، فإنه كان قد دخل على أيد من الشيعة العرب وليس أيد سنية عربية. ولكن التكريس ركنهم في عالم العزل والنسيان في أحسن الأحوال، فالكثير منهم من راح ضحية لذلك التيار طائفي العنصري في داخل حزبهم وكرس الحزب بعدها تكريسا مطلقا للسنة، وبالطبع من العرب، أي على أساس طائفي عنصري، وقد اتخذ له هذه المنطقة من العراق كملاذ آمن.
ليس إنصافا أن نضع كل الشرفاء الذين نعرفهم وهم من هذه المنطقة من بلدنا في صف البعث ونقع نحن المثقفين بالشرك البعثي الذي نصب للجميع ونروج لما يحلو للبعث أن يسميه بالمثلث السني.
ليس إنصافا أن يبقى أبناء المثلث يموتون كل يوم كنتيجة لاستمرار العنف الذي يهدف فقط لعودة البعث للسلطة، أنا لا أدعو هنا لأن يتسع نطاق العنف، ولكن لوقفه خشية وقوع المزيد من الضحايا من أبناء هذه المنطقة التي هي جزءا لا يتجزأ من أرض العراق.
هكذا جاء مفهوم ""المثلث السني"" وليس ""فلول النظام"" المحصورين في منطقة جغرافية محددة، وذلك لاختلاط الحزبية وربطها بطائفة واحدة، مارس الحزب من خلالها أبشع أنواع الحكم وأكثرها دموية عبر التاريخ، وهذا من أبشع أنواع التكريس حينما يختلط الأمر بالدم، واليوم يستعمل نفس أساليب التحكم بالسكان التي عرفناها وإكتوينا بنارها.
بقدر ما كان كحم البعث مجحفا بحق الشعب العراقي، فإنه، بذات الوقت، مجحفا بحق العراقيين من السنة العرب من غير البعثيين، وهم الأكثرية من هذا الطيف العراقي، والذين يعانون الآن نوعين من الإجحاف، الأول ربطهم بأبشع دكتاتورية بالتاريخ والثاني هو ربطهم بالأعمال الإجرامية لفلول النظام المقبور التي هم ضحيتها قبل الآخرين.
مداخلة في كتابة الدستور:
لعل من أكثر الفترات تعقيدا بتاريخ العراق الحديث والقديم، تلك التي نمر بها في الوقت الحالي، حيث إن مجمل الممارسات المفاهيم والمواقف والآراء التي تشكل، في نهاية الأمر، مفردات الواقع السياسي الحالي، هي التي يتوجب دراستها دراسة مستفيضة وإستخلاص الحلول الناجعة من نتائج تلك الدراسات، ومن ثم يجب أن يعاد تشكيلها وصياغتها من جديد، لكي نتمكن من كتابة أية فقرة من فقرات الدستور. فالواقع الحالي، باختصار شديد، بالإضافة لما تقدم، فإنه يتسم بوجود إرث من الممارسات الطائفية والعنصرية من قبل الأنظمة السابقة، خلقت أزمة للثقة مستحكمة بين أطياف الشعب العراقي. وهذا هو الأمر الواقع، سواء رضينا بذلك أم لا، لذا يجب التحرك على هذا الأساس، وليس على أساس حسن النوايا التي تعتبر للكثيرين من أبناء شعبنا، سلعة فقدت صلاحيتها ولم تعد صالحة لهذا الزمان. وعلى هذا الأساس، أيضا، ضمن الأكراد مستقبلهم من خلال فدرالية كردية، وهذا حق مطلق لهم.
المشروع البعثي الذي تبنته حكومات عربية واستساغه الكثير من الأمريكان والبريطانيين، هو بحقيقته تكريسا كريها للطائفية في العراق وجعلها هي المحرك الأساسي لمجمل الحركة في المجتمع. فهذا المشروع يحمل بطياته عدة مفاهيم من العسير تسويقها أو فهمها. منها أن يكون للسني العربي كونه حكم العراق مدة تزيد على 400 عام على حد قول أرميتاج الذي استوحاه من الأخوة المصريين، إن يكون لأفراد هذا الطيف من العراقيين ثقلا أكبر، أي أن يكون لأي عراقي صوتا واحدا، في حين يكون لصوت السني العربي ثقلا أكبر، كأن يكون بصوتين أو ثلاثة لكي يضمنون المساواة لوجود خلل بالتركيبة السكانية لصالح الأطياف الأخرى من العراقيين، كالشيعة العرب أو الأكراد. أو أن يضمن الدستور العراقي حصة مضاعفة للسنة العرب على حساب الأطياف الأخرى. بالرغم من أن المشروع يبدو محاولة لإنصاف أقلية، ولكنه في واقع الحال، مشروع خبيث يمهد لعودة حزب البعث الذي يفترض أن يتم إجتثاثه. هذا بالإضافة إلى اعتبارات أخرى كثيرة لا نريد لها أن تكون في دستور عراق الغد الذي يجب أن يكون ديمقراطيا وليس طائفيا عنصريا. إذا كان الأمر كذلك فإن الصابئي الذي يشكل نسبة من السكان لا تزيد على واحد بالألف، فإن صوته يجب أن يكون أثقل ألف مرة من صوت الشيعي، وهذا الأمر يجب أن يكون صحيحا أيضا بالنسبة للأرمن والآشوريين والكلدانيين وكذا جميع الأقليات القومية. وهذا أمر غاية بالسخف والاستهانة بحقوق الإنسان التي تفرض المساواة في كل شيء.
لو تم انتخاب شخص ما على أساس طائفي، فإنه سيكون ملزما أمام تلك الطائفة أن يخدم مصالحها على حساب الآخرين دون أن يكون هناك اعتبار للثوابت الوطنية والعدل والمساواة وتكافئ الفرص. فإن هذه المفاهيم ستقتصر على أبناء الطائفة التي منحوه أصواتهم والتي ينتمي لها من وصل لموقع في السلطة، أي إن المساواة "سوف لا تعني مساواة العراقيين" ولكن "تعني مساواة أبناء تلك الطائفة ببعضهم" على حساب الآخرين، وهذا الأمر صحيح لأي مسئول كان. وهذا يعني، أيضا نسفا لكل بنود المسوداة المقترحة للدستور من الأساس، تحديدا لكل تلك البنوده التي تنادي بالمساواة وتكافئ الفرص للعراقيين وليس لطائفة معينة في مجال معين من مجالات الحياة. وهكذا نجد إن أي أساس غير ديمقراطي يوصل المسئول لموقع القيادة، فإن ممارساته ستكون غير ديمقراطية.
لكن الشك من عدم إنصاف المسئولين المنتخبين ديمقراطيا يبقى قائما، فالشيعي الذي وصل لموقع في السلطة، قد لا يحمل بداخله مفاهيم الديمقراطية، وهذا أمر ممكن جدا، وما هو أكثر من ذلك، وجود أزمة الثقة القائمة كنتيجة لممارسات غير ديمقراطية مبنية على أساس طائفي عنصري طيلة عقود طويلة، بل دامت قرون، ربما ستكون هي العائق أمام قبول النوايا حسنة من جميع الأطراف التي تشكل المجتمع العراقي.
النظام الفدرالي هو الحل:
الحل هنا أيضا قد تم حسمه من خلال النظام الفدرالي. ففي داخل الفدرالية سيكون هناك طيف واحد من أبناء الشعب، حيث الجميع إما أن يكونوا أكرادا أو سنة عرب أو شيعة عرب أو شيعة أكراد، هكذا سوف لن يكون هناك أثر يذكر لأزمة الثقة القائمة بين أطياف الشعب العراقي، ولا أحد يلومهم على ذلك بسبب الإرث الثقيل من الممارسات الطائفية والعنصرية والتي امتدت لتكون جهوية (على أساس المدينة أو المحافظة) وحتى عشائرية.
إن معظم بلدان العالم تأسست بعد مخاض عسير وحروب داخلية وصراعات طائفية وعرقية مختلفة، خلفت جميعها أزمة ثقة كبيرة بين أطياف تلك الشعوب، بحيث لا يمكن لها أن تتعايش بأي حال من الأحوال، دون أن يضمن كل طرف من الأطراف حقوقه كاملة. كان في كل تلك الحالات، النظام الفدرالي الحل الأمثل الذي أوصلها لشاطئ الآمان، وقد أثبت إن هذا النظام يحمل الحل الحقيقي لمجمل المشاكل من النوع الذي لدينا في العراق.
من هنا نستطيع أن نقول إن النظام الفدرالي ليس تكريسا للطائفية أو العنصرية ولكن حقا لتقرير المصير، وهذا الحق قد ضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتبنته دولا تعتبر الآن من أكثر دول العالم تقدما. فإذا كان الأمر ممكنا للأكراد من إقامة فدرالية كردية، فإنه سيكون من حق السنة العرب، أيضا إقامة فدرالية تضم هذا الطيف من أبناء الشعب العراقي، آن ذاك سوف لن يشك السنة العرب من أن المساواة فيما بينهم تكون غير مضمونة، وكذا المساواة مع الأطياف الأخرى ستكون أيضا مضمونة على أساس دستوري لا يمكن التلاعب به، وذلك من خلال سلطة مركزية تضمن حصص الفدراليات على أساس عادل فيما بينها.
إن أي دستور يبنى على أساس طائفي عنصري يختلف من حيث المضمون، كما لاحظنا، عن النظام الفدرالي الذي يعطي أبناء الطوائف المختلفة والقوميات المختلفة حقهم في الحياة، وهذا ما سمي بحق الشعوب بتقرير مصيرها، بحيث من خلاله تستطيع أن تنال القومية أو الطائفة جميع حقوقها وتضمن المساواة بين أبنائها. في حين يعجز النظام الدستوري المبني على أساس طائفي، لا تستطيع الطوائف أو القوميات أن تضمن كامل حقوقها مهما حاول المشرعون أن ينصفوا وأن يضعوا ضوابط لمفهوم الفرص المتكافئة والمساواة بين الأفراد، على الأقل إننا متأكدون من وجود أزمة للثقة لسنا مسئولون عنها، بل إرث ثقيل لأنظمة جائرة كرست العنصرية والطائفية أبشع تكريس.
التعليقات