"إيلاف" من القاهرة: يبدو أن الدولة الوطنية في طريقها لأن تصبح نموذجاً تاريخياً، فبعد الشركات العابرة للحدود، وتنازل الدولة يومياً عن مهمة من مهامها التقليدية للقطاع الخاص والشركات، وجاء الوقت للحديث عن تخصيص "القوات المسلحة"، هذا الكلام لو صدر عن غير قائله لاعتبره الناس مجرد خرافات، لكن حين نعرف أن من طرح هذه الفكرة أستاذ جامعي، وخبير مرموق في جامعة أميركية كبيرة، نتوقف على الأقل لتبين ما يقوله، وما يسوقه من مبررات وأدلة على صحة رؤيته التي أيده فيها كثيرون.
أما صاحب هذه الفكرة فهو البروفيسور وليم دوغلاس الأستاذ المحاضر في جامعة جونز هوبكينز الأميركية، وكان يتحدث في مؤتمر رعته كلية الدراسات الدولية العليا، حول موضوع استخدام القطاع الخاص في عمليات حفظ السلام، ورأى دوغلاس، وهو خبير في مجال العلاقات الدولية، ان توظيف شركات أمن خاصة لتنفيذ السلام الدولي هو "عمل أخلاقي جليل" لأن المهمة هي التي تقرر الجانب الأخلافي& للعملية وليس نوع القوات التي تنفذها.
ومضى الأكاديمي الأميركي قائلاً: "لا يقلقني استخدام جيوش خاصة لانقاذ أرواح الناس في عمليات حفظ سلام"، مشيرا في هذا الصدد إلى ان عملية من هذا القبيل جرت في التسعينات حينما تعاقدت شركات أمن من القطاع الخاص مع حكومة سيراليون لحماية مواطنيها من حركة تمرد شرسة دأبت على بتر اطراف المواطنين كي تستأثر بالاهتمام الدولي.
وتساءل الخبير الأميركي قائلاً : "اذا كان حفظ السلام التزاما أخلاقيا للمجتمع الدولي لا يجوز التغاضي عنه حينما تقترف مذابح جماعية، وفي الوقت الذي لا تحرك بلدان العالم ساكنا الا اذا كان أمنها القومي موضع تهديد، ما الذي يمكن للعالم أن يقوم به لوقف إراقة الدماء"، ثم جاء رده على هذا السؤال الافتراضي بقوله: "إذا كان استخدام وحدات مسلحة خاصة للقيام بمهمة حفظ السلام يعني ان ذلك سينجز وستتوقف إراقة المزيد من الدماء، فإن هذا سيكون أمراً أخلاقيا" على حد تعبير الخبير الأميركي.
وتابع قائلاً : "البعض يرتاب منا استخدام وحدات مسلحة خاصة لعمليات السلام لأنهم يشبهون بين هذه وفكرة المرتزقة، الا ان هذه المشاغل في غير محلها لأن جنود الجيوش القومية يتقاضون اجورا لقيامهم بالقتل، اذن فان اخلاقية التعاطي بعمليات عسكرية يعتمد لا على ما اذا كانت القوات تتقاضى اجورا بل على الجانب الأخلاقي للعملية".
وعلى سبيل المثال، وكما جاء في توضيح دوغلاس: "لو تسنى تسخير قاتل محترف لاغتيال هتلر خلال عملية المحرقة اليهودية لكان ذلك عملا اخلاقيا"، واضاف ان نفس الشيء ينطبق على استئجار جنود لحماية المدنيين الأبرياء من المجرمين الفتاكين الذين يظهرون بمظهر متمردين لأن "عملية حفظ السلام هي نشاط اخلاقي في الصميم" بحسب تعبير الأكاديمي الأميركي.
ولفت دوغلاس إلى عدد من الملاحظات بقوله "عمليات السلام في القطاعين العام والخاص" الذي رعته كلية الدراسات الدولية العليا والاتحاد الدولي لعمليات السلام الذي يمثل عدة شركات& كبرى تتعاقد لتوفير الأمن وعمليات لمساندة الأمن في العالم أجمع.
ونقلت نشرة واشنطن العربية عن دوغ بروكس رئيس الاتحاد ان المؤتمر هو الأول من نوعه الذي يركز على المشاريع الخاصة في مجال عمليات حفظ السلام، وأضاف: "في العلاقات الدولية المتطورة أخذت عمليات حفظ السلام تتغير" ومرد ذلك جزئيا الى& تقلص مشاركة مؤسسات عسكرية& في دول الغرب فيها." وأضاف ان هذه العمليات مهمات اخلاقية "لأنها تضع حدا لسفك الدماء خاصة اذا أجازها مجلس الأمن الدولي او منظمة اقليمية مثل منظمة الدول الأميركية او غيرها".
اما بشأن "الناحية الأخلاقية للأساليب التي تسخرها المهمة" قال دوغلاس ان "نواميس الحروب التي تحددها اتفاقيات جنيف تنطبق على قوات من القطاع الخاص تستخدم لعمليات حفظ سلام، تماما كما تنطبق على الجيوش. ومثل هذه القوات لا ينبغي ان تستهدف افرادا من غير المحاربين ولا يجب ان تقتل الأسرى."
أما عرض مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الافريقية، هيرمان كوين، الذي عمل في المجال الدبلوماسي لتسوية عدة صراعات في القارة الافريقية تصورا تاريخيا للنفقات المتزايدة لعمليات حفظ السلام التقليدية. وقال انه في مطلع التسعينات فان عمليات سلام في بلدان مثل كمبوديا والصومال اصبحت عبئا هائلا على الميزانيات مما حدا بالحكومة الأميركية لأن تدرس سبلا بديلة للقيام بعمليات حفظ السلام.
وحينما استعلم من المؤسسة العسكرية الأميركية عما اذا كانت تستطيع توفير دعم لعمليات سلام خلال ذلك الزمن، أجابت، "نعم، بإمكاننا ذلك، لكن استخدام القطاع الخاص لهذا الغرض أقل كلفة. وتبينت صحة ذلك حينما استطاعت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ان تستأجر طائرة نقل من طراز سي-130 في افريقيا بكلفة ارخص بكثير من استخدام طائرة لسلاح الجو الأميركي"
ومضى الدبلوماسي الأميركي السابق إلى القول: "لقد عملت مع اول عملية حفظ سلام للأمم المتحدة توجّه من نيويورك، وكانت هذه في الكونغو في 1960. وكنت في كامبالا (أوغندا) للمساعدة في الأمور اللوجيستية. وتلك كانت عملية للأمم المتحدة وعملية حكومية.. أما الآن فإن عمليات نقل القوات والمؤن وتوفير الاتصالات وكل هذه الأمور يقوم بها القطاع الخاص. فلماذا؟ لأنها أقل تكلفة وأكثر فعالية وأكثر كفاءة".
التعليقات