ياسر عبد الحافظ من القاهرة:&فجأة! اكتشفنا أن لطه حسن ابنا على قيد الحياة. غير أن الوقت قد فات فلحظة الاكتشاف كانت متأخرة جدا، علمنا بوجوده بينما كان محمولا إلى حيث لن يستطيع أحد أن يحدثه أو يسأله!
بالطبع كان الكثيرون يعرفون أن مؤنس يحيا منذ زمن طويل نسبيا فى باريس مفضلا العزلة، دون أن يبحث أحد عن الظروف والأسباب التى جعلته يفضل الحياة فى باريس عن مصر، لم ننتبه كثيرا للمفارقة المدهشة فابن عميد الأدب العربى يفضل اللغة الفرنسية وسيلة يتعامل بها مع العالم ويسجل من خلالها أفكاره سواء كانت شعرا أم نثرا.
لم يتبق من مؤنس سوى مذكراته المكتوبة باللغة الفرنسية فى 800 صفحة من القطع الكبير وتقع فى أربع اقسام :الأول يغطى الفترة الممتدة من 1921 إلى 1939وتحمل عنوان "الفجر" وتتزامن مع مرحلة الحرب العالمية الثانية، القسم الثانى يبدأ من حيث انتهى الاول وصولا لعام 1962 وعنوانه "الصباح"، القسم الثالث عنوانه "الظهيرة" ويغطى المرحلة من 62 إلى 82، والقسم الرابع عنوانه " المساء ويظل الليل: لا أحد فى مقدرته الالتقاء به أبدا". وفى مبادرة جيدة أعلن فاروق حسني وزير الثقافة المصرى بأنه ستصدر قريبا ترجمة عربية لهذه المذكرات التى وصفها بالمهمة.
وأكد الوزير أن الاتصالات جارية الآن بأمينة ابنة مؤنس طه حسين للاتفاق علي مختلف الإجراءات المتعلقة بالملكية الفكرية والمقابل المادي لهذه المذكرات والتي لا تقدر بثمن‏..‏ وأنه سيقوم على ترجمتها نخبة من المترجمين البارزين في مصر،وأعلن كذلك أنها ستصدر بطباعة أنيقة من صندوق التنمية الثقافية الذي سيوفر كل الإمكانيات الفنية اللائقة بها‏.‏
المعلومات المعروفة عن مؤنس قليلة لدرجة تدعو للعجب ولا تليق بأنه ابن واحد من أشهر مفكرى الثقافة العريبة. فالثابت أنه من مواليد القاهرة عام 1920، درس الأدب فى الجامعة المصرية، ثم حصل على شهادة الأستاذية من فرنسا عام1449 وعاد بعدها إلى مصر ليتم تعيينه استاذا محاضرا فى قسم الأدب واللغة الفرنسية فى جامعة القاهرة ليشغل هذا المنصب عشر سنوات متتالية، ثم يغادرها إلى فرنسا موفدا للعمل باليونسكو.
غير أنه وخلف هذه المعلومات المجردة حقائق كاد النسيان أن يطويها، فأثناء بحثى عن أى معلومة حول تلك الشخصية الغامضة عثرت على قصاصات من جرائد يعود تاريخها إلى بدايات الستينيات وتحديدا فى أواخر عام 1961وتشير إلى أن مؤنس واجهته مصاعب عديدة اثناء اقامته فى مصر.
&يقول الخبر المنشور بجريدة الأهرام فى 24/6/1961:حصل مؤنس ابن د. طه حسين على الدكتوراه بمرتبة الشرف فى الأدب من جامعة السوربون بباريس. مؤنس حصل على شهادة " الاجريجاسيون" من السوربون منذ 7 سنوات وكان& رئيسا لقسم اللغة الفرنسية فى احدى كليات الآداب، ولعدم حصوله على الدكتوراه اعترض د. رءوف كامل على رئاسته للقسم، وبقرار صدر من مجلس الدولة أصبح للدكتور رءوف كامل حق رئاسة القسم.
ويشير خبر آخر فى نفس الفترة إلى أنه تم تخفيض وظيفة الدكتور مؤنس من استاذ مساعد إلى مدرس وذلك بقرار من جامعة القاهرة وبناء على حكم مجلس الدولة فى هذه القضية.
قد تكون تلك مجرد اجراءات إدارية لا تعنى شيئا، ربما كان تولى مؤنس رئاسة قسم الأدب واللغة الفرنسية بكلية الآداب قد تم دون وجه حق، لكن ما يلفت النظر أن أحد الصحفيين كتب فى نفس التوقيت دفاعا باهتا وعلى استحياء مفاده أن رئاسة د. مؤنس للقسم كانت من حقه لأنه أمضى أكثر من 18 سنة من تاريخ تخرجه فى كلية الآداب كما تنص لوائح جامعة القاهرة!
ويبدو أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد فقد سافر مؤنس بعد شهور قليلة على صدور هذا القرار إلى باريس للعمل باليونسكو، وبقى هناك إلى أن مات. قطع الوطن كل الخيوط معه وهو من جانبه لم يحرص كثيرا على البقاء... بخلاف أبيه.
طه حسين واجه حربا قاسية وتفاصيلها معروفة ارتبطت تحديدا بكتابه " فى الشعر الجاهلى"، غير أن ما لم يتم تدوينه بشكل كاف للآن هو علاقته بالثورة...الوقائع تقول أن جمال عبد الناصر منحه فى منتصف الستينيات قلادة النيل، غير أنه كذلك تم منعه من الكتابة فى جريدة الجمهورية، طه حسين كان واحدا من الذين عارضوا سياسات " العسكر" والجملة المنسوبة له حول انجازات الثورة " مؤسسات منخورة وانتصارات مزيفة " تشير إلى شكل العلاقة المتبادل بينه وبين الضباط الأحرار الذين كانوا يرون أن الديمقراطية هى أسهل طريق يمكن المشى عليه للقضاء على ثورتهم الوليدة.
مذكرات الابن إذن ستكشف بالضرورة شكل العلاقة بين أبيه وبين قادة الثورة، كيف كانت تدار الأمور فى ذلك الزمن.
وعلى جانب آخر فإن المذكرات لها قيمة أدبية عالية فلابد أن صاحبها رصد شكل الحياة الثقافية والفنية فى مصر وباريس، تفاصيل العلاقة بينه وبين زوجته( ليلى) حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقى، علاقته أيضا بجورج حنين أحد رواد السوريالية والذى كان متزوجا من" بولا أو اقبال" الحفيدة الاخرى لأحمد شوقى.
ننتظر كل هذا وأكثر ..فقط ندعو الله أن يلهمنا الصبر...فوزارة الثقافة هى التى ستتولى عملية الترجمة...وكلنا عرب ونعرف الحكمة الخالدة : اليوم عند الحكومة ( العربية) بسنة!
&