&زهير كاظم عبود
&
&

ستبقى قضية الحق والحقوق مثار خلاف وأجتهاد بين العديد من التيارات العروبية ليس لأنها تختلف في نظرتها لقضية الحق ، و ليس لأن لها أجتهادات في طرق تحصيل الحق ، انما تكمن في الحقيقة التي تسيطر على العقول والضمائر في عدم الأعتقاد بحق بعض القوميات والطوائف في رقعتنا الجغرافية العربية والأعتقاد برفعة قومية على اخرى وبسمو عقلية على آخرى.
وستبقى الى أمد بعيد القضية الكردية الهاجس الذي يؤرق ويربك بعض الضمائر والعقول من خلال مازرعته الأفكار الشوفينية والدراسات ذات النهج الواحد والأزدواجية في الطرح والمناقشة وماخلفته الأفكار الأستعلائية أو النظرات القومية المتبلدة ، وستبقى قضية الكرد وحقوقهم المحنة التي تؤرق ليالي بعض الأعراب المتعصبين القومية والولاء ، والمنقادين الى نهج آحادي مبتلين بعقدة القومية الأسمى والأعلى التي تسيطر على الذات والأعتقاد ، ذلك لأن المتلبس بعقدة السمو لاينظر للأمور الا من الأعلى وتلك محنة أنسانية كبيرة.
ونظرة فاحصة ومنصفة لقضية الشعب الكردي توضح بأن الأكراد لم يكنوا دخلاء على هذا الوطن ولاجاءوا قبائل وأفواج من المجهول ولم يكنوا أقواماُ طارئين أو دون اساس وروابط تربطهم بهذه الأرض ، فقد كان الكرد في العراق على الدوام ومنذ أن وطأت أقدام الأنسان الأرض في العراق يعيشون في بلاد لم ترسم لحياتهم حدود ولم تفرق بينهم في التعايش والوطنية.
والتمازج الروحي والوطني والأنساني بين العرب والكرد في العراق شمل التركمان والكلدان والآشوريين ولذا لايمكن لأحد أن يفكر بفصل التلاحم الأنساني بين هذه القوميات والطوائف في العراق حيث لاسمو لأحد على الآخر ، بالرغم من الوجود المشترك للقوميات وأحترامها البعض للبعض الآخر.
ولاننكر أن بعض العقول القليلة تأثرت بالنظرة الضيقة التي يعالج بها بعض الأخوة المتشبعين بالأفكار القومية المتعصبة والظلامية التي تحجب الحق والحقوق ، ولاننكر وجود تيارات تحمل الأمراض التي تنشر وتبشر بالتعصب وعدم الأعتقاد بحق الآخر والأعتقاد بعلو أنسان على آخر وعدم تساوي البشر في القيمة الأنسانيسة من خلال قومياتهم.
لكن للعراقيين العرب وجهة نظر ثابتة في حق الأكراد وقيمتهم الأنسانية في هذا الوطن ، للعراقيين العرب وجهة نظر تتجسد في الأصرار على التماسك النضالي مع الشعب الكردي لتحقيق مطالبهم الوطنية العادلة وحقوقهم العراقية المشروعة ، لابل وصل الأمر وهذه الحقيقة التي يجب أن لاتغيب عن بال العديد من المفكرين والمحللين العرب المتعصبين والمنغلقين قوميا وأن يتعرفوا عليها بتمعن ً ، تتجسد هذه الحقيقة في أعتقاد العرب العراقيين بحق الكرد فيالعراق بالحياة القانونية الدستورية التي يختارونها ، ومن أجل هذا الحق ناضل العرب الى جانب الكرد في شتى أشكال النضال ومنها القتال المشترك والشهادة.
وحتى نتمعن اكثر في أصرار العرب العراقيين على تحقيق حقوق الكرد في اختيار نموذجهم الدستوري في الحياة ، فأن هذا الأمر ينبع من أعتقاد هذا الشعب بشراكة حقيقية وحياة منسجمة تليق بمستقبل واعد تعيش ضمنه القوميات في العراق ، كما أن هذا الأمر يصب في أعتقاد الشعب العراقي بقدسية الحق والحقوق وعدم أنغلاق هذا الشعب او سيطرة النزعات المنغلقة وعدم قدرة الغرور القومي أن يشيع بين ابناءه فبقي متمترساً بجدار الأنسانية والشراكة الحقيقية في الحياة والوطن.
وبقي عدد من المفكرين يقع تحت سيطرة الأفكار التي تعتقد بأن كل حق للشعب الكردي سيمزق الأمة العربية ، وأن كل حق للأكراد سيضعف الأمة العربية ، وأن كل حق للاكراد سيجعل من بقية القوميات الصغيرة تتجاوز خطوطها في الصمت وتطالب بحقها وحقوقها المشروعة.
أن هذه الأعتقادات وأن كانت غائبة عن الوعي والحقيقة ، فأن تحقيق مطالب الشعب الكردي يشكل أرضية صلبة للشراكة الحقيقية في الوطن ، وأن تحقق طموح الكرد في العراق يجعل من الأرضية الوطنية أكثر انسجاماً وتطبيقاً للمباديء الأنسانية وحقوق الأنسان.
وفي ندوة ( منتدى الفكر العربي ) المنعقدة في عمان والتي دعي اليها المفكر العراقي حسين السنجاري لم تستوعب العقول العربية الطرح المنفتح في الدفاع عن قضية الشعب الكردي ، ولم تستوعب الأدارة المهيمنة على الندوة أن يكون للأكراد حق وحقوق ، ولم يستوعب المشرفين على الندوة التي لم تكن قطعاً تمثل الفكر العربي المنفتح أو الأنساني في زمن الحرية وأندحار الطغاة والدكتاتوريات في العالم أن للكردي حق مثل حقوق البشر ، فكان لابد من اسكات صوت حسين السنجاري لأنه كان يدافع عن الحق والحقوق.
وأذا تم اسكات صوت السنجاري وأخرج من الندوة التي دعي اليها بزعم أنه غير مدعو لحضورها فمن يسكت صوت الشعب الكردي؟ والى متى نستطيع أن نكمم أفواه الكرد في الدفاع عن قضيتهم المشروعة والعادلة والواقعية التي جسدها الزمن وصقلتها الأحداث وأثبتتها جماهير العرب والكرد والتركمان؟
أما آن الآوان ان نفهم بأن للشعب الكردي حق يحتل ضمير كل عراقي وعربي ، وقضية الأكراد وحقوقهم المشروعة من الحقوق التي لانقبل نحن العراقيين المساومة عليها وهي من أهم قضايا الأنسانية المعاصرة ، وأذا كنا قدمنا أرواحنا ودمائنا دفاعاً عن قضية الأكراد ضد الحكومات الظلامية البائدة التي كانت تعتقد بالفكر الواحد والقومية الأعلى والأرفع ، فقد كنس الزمن فكرها وطرق تفكيرها ، وأصبحت من الفكر البالي والمهمل ، فأننا اليوم نقف في مواجهة مصيرية بين أن نكن حقا شعباً يستحق الحياة ويليق بالتاريخ أن يسجل له كفاحه العربي الكردي التركماني الكلداني الآشوري وبين أن نبقى أسراء النظرة الاستعلائية المتغطرسة التي توهم ضعاف العقول وتزين الأحلام للمفكرين الذين ينظرون للأمور بعيون حولاء ، مواجهة تنتهي بها هذه التيارات التي ألبست الأمة العربية التراجع والتخلف وأدخلت فيها ذهنية القائد المنتصر والواهم الذي يصدق أن كل القوميات تتقبل بالرضوخ لأنتصاراته الخيالية.
آن الآوان أن نقول للسيد حسين السنجاري أن يتحدث بكل حرية ومتى شاء وكيفما يشاء مادام يتحدث بلسان كردي عراقي يتشرف به العراق ويعتز به الوطن ، نقول للسيد سنجاري أن مكانك بيننا وليس بينهم فلم يزلوا لايعرفون الحق من الوهم والحقيقية من الخيال ، ولم تزل عقول تدعي أنها أسمى من غيرها ليس لوطنيتها أو لآنسانيتها أو لفكرها المنفتح أنما بسبب قومية البسوها أكثر مما تحتمل فباتت تنوء بحملها.