بـُرهان شاوي
&
عن "الايقاع" في السينما
&الايقاع (Rhythmus ) كلمة إغريقية تعني( التيار) اي غنسياب الحركة.. والحركة هي إحدى أساسيات فن السينما، وكما قال المخرج الفرنسي (رينيه كـلير):(إذا ما كانت هناك جماليات في السينما فهي تكمن في الحركة).
&إن الايقاع هو نقطة الارتكاز التي فيها وحولها تتجمع كل الحركة..، غنها الاساس في بناء الهارموني السينمائي. فلقد اكد المخرج السوفيتي الشهير (ميخائيل روم) في أحد بحوثه الجمالية بان لكل شيء ايقاعه الخاص مثل خطوط الابهام. ففي السينما يتحدد ايقاع الفيلم من خلال تطابق الارضية الدرامية مع ديناميكية الفعل من جهة ومن تطابق الحدث مع البناء المونتاجي من جهة أخرى، اي تفاعل الجزء والكل وترابط الزمان والمكان.
& الموسيقييون يعدون الايقاع كمدخل تشكيلي للشكل السينمائي، ففي السينما حتى السكون والصمت لهما نبرتهما الخاصة وايقاعهما، وربما نستطيع ان نستعيد للذاكرة افلام بيرغمان، تاركوفسكي، برسون وانتونيوني.
&إن الايقاع مصطلح درامي يتضمن كل العناصر الدرامية من حركة الممثل، إيقاع الصوت، حركة الافكار والمزاج الفني، وليس عبثا حينما أكد(جان رينوار) بأن الفيلمهو الايقاع.
& لقد إهتم المخرج السينمائي السوفيتي(كوليشوف) كثيرا بمشاكل تفاعل إيقاع الممثل وحركة الكاميرا ونقاط ارتكاز المونتاج، لذا كان يكتب الخطوط الايقاعية لمونتاج المشاهد الفيلمية، بينما كان (آيزنشتين) يستخدم التضاد الايقاعي كحل جمالي.
&في السينما الصامتة كان الايقاع السردي مرتبطا بالمونتاج، بينما ارتبط الايقاع في السينما الناطقة بحركة اللقطة الداخلية وبناء الحدث وبطبيعة الميزانسين(البعد الرابع..العمق). في السينما الناطقة دخل الايقاع لأعمق اعماق اللقطة واختفت تلك السكونية من اللقطة( الكادر)، تلك التي كانت تحكم بناء اللقطة في السينما الصامتة.
&ومن هنا فان المصور الجيد ليس الذي يبني اللقطة( الكادر) بشكل جيد فحسب، وانما الذي يشعر بايقاع الحدث فيقتنصه بحركة الكاميرا. لقد كان (تاركوفسكي) يعتقد بان ايقاع الفيلم يأتي من العلاقة بين طبيعة الزمان الخارجي الذي تقتنصه اكاميرا و طبيعة الزمن المضغوط داخل اللقطة..، أي ان الايقاع مرتبط بتوتر الزمن داخل الفيلم، بينما كان غنتونيوني يعتمد على الحركة الموسيقية اللحنية
(الميلودية) للحدث..، لذا فليس غريبا ان نجده حادا ودقيقا في استخدام القدرة الدرامية للصمت كقطع حاد للحركة في الفيلم.
(الميلودية) للحدث..، لذا فليس غريبا ان نجده حادا ودقيقا في استخدام القدرة الدرامية للصمت كقطع حاد للحركة في الفيلم.
&إن البناء الدرامي وطبيعة الاحداث هي التي تحدد سرعة الايقاع أو بطأه..، ان طبيعة الايقاع تلعب دورا في تحديد المضمون الداخلي للزمن السينمائي..فهي تجعل الزمن مسموعا ومحسوسا، ومن المؤكد ان هذا الاحساس بالزمن سيكون واضحا لدى المشاهد أو لدى السينمائي، لا سيما حينما يروي الفيلم خلال ساعة ونصف او ساعتين أحداثا تجري في يوم واحد او في سنوات او قرون عديدة.
عن "الــزمن" في السينما
&كان (آيزنشتين) يتعبر ( الزمن) بؤرة لدراما الانسان في القرن العشرين. لكن الزمن السينمائي يختلف عن الزمن الوجودي. في السينما هناك وحدات قياسية للزمن كالثانية والدقيقة والساعة والمتر من الشريط السينمائي، لكن دقة هذه الوحدات نسبية، فمثلا ان الثانية الصوتية التي بدرجة عالية تختلف عن الثانية الصوتية التي بدرجة واطئة، وكذا التصوير السريع يختلف في الزمن عن التصوير البطيئ، فالأول يلتقط أكثر من اربع وعشرين لقطة في الثانية بينما يلتقط الثاني أقل من اربع وعشرين لقطة في الثانية، ورغم فكل منهما يعكس علا قته الخاصة بمصطلح الزمن.
&كان تاركوفسكي يقارن الزمن في السينما بالنحت، فمثلما يأخذ النحات الحجر ويقطعه مانحا إياه الشعور، جاعلا منه شيئا فنيا يفيض بالجمال، فان السينمائي يستقطع التاريخ والزمن ليجعل منهما هيكلا للفيلم، ومن هنا جاءت نظرته للفيلم باعتباره ( زمنا مطبوعا أو مضغوطا). لقد كان ينظر للفيلم ليس فقط في انه يعيش في الزمن وانما في انه يلغي الحدود الفاصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ومن هنا كانت افلامه تميل للوثائقية التاريخية والريبورتاج الصحافي،أي انه كان يميل الى ان تكون اللقطة مركزا للكثافة الزمنية والتوتر الزمني، ويكون المونتاج مواصلة للأحداث ولا يلعب دورا دراميا باعتباره منظما للزمن، كما كان دوره الاستثنائي عند (آيزنشتين)، الذي كان يبني فيلمه على مونتاج التضاد والتصادم بين لقطة واخرى.
&لكن رؤية (تاركوفسكي) هذه يمكن الاعتماد والاطمئنان لها من الناحية الفلسفية ومن ناحية وحدة الموضوع، إذ لا يمكن إغفال حقيقة جمالية أخرى هي الحركة داخل اللقطة، التي هي في الجوهر إنسياب في المكان،من حيث ان السرد السينمائي
في معظم الأحيان يكون سردا مكانيا معتمدا على إنسياب الممثلين وحركتهم في المكان. لقد كان (تاركوفسكي) يرى ان مهمته كمخرج وفنان تنحصر في خلق تيار زمنه الخاص وإغناء اللقطة باحساسه الذاتي لحركة الزمن وانسيابه، لذا فانه كان يرى السينما الوثائقية هي السينما ( المثال)، وهذا يذكر بطروحات المخرج السوفيتي (دزيغا فيرتوف) الذي كان لا يعترف بالسينما الروائية ويعتبرها تزيفا للواقع.
في معظم الأحيان يكون سردا مكانيا معتمدا على إنسياب الممثلين وحركتهم في المكان. لقد كان (تاركوفسكي) يرى ان مهمته كمخرج وفنان تنحصر في خلق تيار زمنه الخاص وإغناء اللقطة باحساسه الذاتي لحركة الزمن وانسيابه، لذا فانه كان يرى السينما الوثائقية هي السينما ( المثال)، وهذا يذكر بطروحات المخرج السوفيتي (دزيغا فيرتوف) الذي كان لا يعترف بالسينما الروائية ويعتبرها تزيفا للواقع.
يتبع
التعليقات