جاسر الجاسر من الرياض: تهرب أحمد الخالدي من الإقرار بوجوبية الطاعة للحكومة السعودية حتى أنه لم يذكرها بالاسم طوال المقابلة التي أجراها التلفزيون السعودي مساء أمس (السبت) معه بهدف التراجع عن فتاواه التكفيرية أسوة بزميليه علي الخضير وناصر الفهد.
وأقر& الخالدي، آخر ضلع في الثالوث التكفيري السعودي، بخطئه في فتوى دفع الصائل، إلا أنه أعتبرها، وبكل بساطة، مجرد خطأ ثانوي بحكم "أنها سطرت بعجلة" وأنه تراجع عنها مبكراً لكن الظروف لم تسمح بكتابة هذا التراجع؛ يعني بذلك وجوده في السجن. وأعتبر أن مثل هذه الفتوى "خطأ نقر به ولا نستتر فيه، ونقول كل من وقع فيه يجب أن" يتراجع ويقر بغلطته. وركز على التراجع عن الخطأ الاجتهادي الجزئي دون أن يعلن تراجعاً كلياً عن مقولاته السابقة مقارنة بريفقيه
وطغت صفتا "المراوغة" و "التملص" على معظم اجابات الخالدي، في الوقت الذي لم يستطع محاوره، الدكتور عائض القرني، دفعه إلى زوايا حرجة تستلزم أجوبة صارمة في وضوحها، ومحددة في دلالتها، كما نجح سابقاً بشكل مطلق مع الخضير، وبصورة جزئية مع الفهد، الأمر الذي منح الخالدي حرية استثنائية في الحركة، وتمرير مقولاته الغامضة القابلة لمختلف التأويلات والتفاسير، دون أن يوقفه القرني أو يحاول استيضاحه وصولاً إلى خلاصة تراجع لايحتمل اللبس في دلالته، أو التأويل في مفرداته، خصوصاً عندما سأله عن الرسالة التي يوجهها إلى الإرهابيين الذين يحملون السلاح، وينفذون التفجيرات، إذ أجاب الخالدي بالقول:" لاتبدأوا من حيث انتهى الآخرون، والسعيد من اتعظ بغيره" من غير أن يضيف أية صفة تدمغهم بالإرهاب، أو تشير إلى مناقضة سلوكهم للإسلام الحنيف،
وتحدث أحمد الخالدي عن الخوارج معتبراً أن المعاصرين منهم امتداد لأسلافهم الأوائل، إلا أنهم أضافوا أصول جديدة منها تعميم الكفر على الناس، وأضاف: كل الخوارج المعاصرين يكفرون من يعمل عند كافر ، وكل من يعمل عند الدولة أو& استخرج وثيقة منها. وهذا القول لاخلاف عليه، لكن الخالدي وزملاءه لايقرون بأنهم من الخوارج،& بل يجزمون بنقاء عقيدتهم، ويؤمنون بأنهم الطائفة المنصورة. وهم هنا، وإن اشتركوا مع الخوارج في مسألة التكفير، إلا أنهم يختلفون عنهم، جذرياً، في مسببات وشروط التكفير، إذ بينما منشأه عند الخوارج هو الغلو، فإن قاعدته عند الجماعات الجهادية هي العودة إلى جذور الإسلام الأولى النقية، يؤكد ذلك أنه عتبر أن الخوارج غير موجودين، وإذا وجد أحد منهم فهم أفراد لا يعتد بهم، معتبراً أن الذين التقى بهم ممن تنطبق عليهم صفات الخوارج إنما هم آحاد متناثرون.
ونجح الخالدي، الذي وصفه التلفزيون السعودي بــ"الشيخ"، في تحويل الأسئلة المباشرة إلى إجابات عائمة ومراوغة حتى أنه بدا أشبه بمحاضر يتناول مفاهيم عامة متحررة من ضوابط الزمان والمكان، فإذا سأله القرني عن مناصحة السلطان، كان جوابه: كل يعمل بما يجب عليه، مستشهداً بقوله تعالى "واتقوا الله ما استطعتم".
وإذا سئل عن رأيه في ما إذا كانت المحاكم في السعودية شرعية، تكلم عن أن بعض البلاد توجد فيها محاكم شرعية، ثم أضاف: أن الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ (مفتي السعودية الأسبق) ذكر أن هناك من يهاجر إلى البلاد التي فيها محاكم شرعية. وهذه الإجابة المراوغة تعني أمران لا ثالث لها: أن السعودية فقدت شكلها الشرعي السابق، وأنه لا يريد ذكرها بالاسم، مايشير إلى احتمال قناعته بتكفير الحكومة، وأن هذا التكفير لا يزال قائماً، وهو يختلف، في هذا الموقف، عن زميليه اللذين أقرا بشرعية الحكومة السعودية ووجوب الطاعة لها، وعدم الخروج إلى الجهاد إلا بإذن الوالي، إضافة إلى اعترافهما بهيئة كبار العلماء، فقهاً وعلماً ومرجعية.
وتميز الخالدي عن زميليه في أنه كان أكثر صرامة في التعامل مع القرني، وأكثر احترافية في طريقة التعاطي مع الأسئلة المحرجة، حتى أن القرني لم يكن قادراً على مراجعته في أقواله المثيرة بل ظل متمسكاً في نمطه السابق الذي حقق نجاحاً لافتاً مع علي الخضير، لكنه فشل، كلياً، مع الخالدي الذي كان الظن أنه أدنى من زميليه درجة، وأقل منهما قيمة، لكنه أكد أنه أشدهم صلابة، وأعتاهم تطرفا، وأن مراجعاته الظاهرية قد لا تتجاوز كونها تقية تقتضيها الظروف الحالية.